«أردوغان» .. حلم الخلافة المفروش بالمؤامرات

«أردوغان» .. حلم الخلافة المفروش بالمؤامرات

«أردوغان» .. حلم الخلافة المفروش بالمؤامرات

أردوغان نجم مسرح الإخوان وأكبر ممثليه، برع بتأدية دوره حتى يصل إلى ما يبتغيه، تمسكن فتمكن وأقصى كل منافسيه، حلم الزمان الوصول إلى السلطان هو ما يرضيه، آذى القريب وأساء للغريب بسياسة إقصائية، يطمح للتأييد بأسلوب التوحيد وهم المسلمين بما يبديه ربيب الروس المهووس بالأمريكان ليس لديه ما يخفيه.. من حسنات، قمع الحريات وتطاول على الديمقراطيات حتى فاضت المعتقلات بمن لا يرضيه، افتعل المشكلات واختلق البطولات فكان سيد الإنجازات المسروقة والأفلام المحروقة التي أغضبت المحيطين به.
400 عام من الاستعمار العثماني لم تكن كفيلة لبعض الإخوة العرب لإدراك أن ما عاناه الأجداد من ظلم العثمانيين تجاههم وتجاه بلادنا، فلايزال الكثير منهم يطبل ويزمر للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي لطاما تنصل من أي مبدأ من مبادئ سياسية كانت تجاه حزبه أو أصدقائه أو حتى بلاده فكان همه الوحيد الأوحد الوصول إلى سلطة مطلقة، يكون فيها وحده بصلاحيات عالية تصل حد السحاب أو أكثر، ظانا أنه سيصبح رئيسا عظيما كالرئيس الفرنسي شارل ديجول الذي حول الحكم في بلاده من نظام برلماني إلى رئاسي، لكن التحول التركي مختلف كل الاختلاف عما جرى في فرنسا، إذ إن التداعيات السياسية في باريس آنذاك وتغيير الحكومات بشكل كبير دفع ديجول إلى الإسراع في التحول من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، لكن ما جرى في تركيا لم يكن خوفا على الشعب أو على الديمقراطية وإنما خوفا على الكرسي، فأردوغان المولع بالسلطة يدرك تماما مدى ضعف دعايته في بلاده وأنه سيشرب من ذات الكأس التي سقاها لزملائه في الحزب ورفاقه السياسيين.
خازوق سياسي

اشتهر العثمانيون بأدوات التعذيب تجاه أجدادنا والدول الواقعة تحت سطوة حكمهم، وكانت أداة التعذيب الأشهر في ذلك الزمان "الخازوق" والجميع يعرفها ولا داعي لشرحها. وبعد نحو عقد من الزمان واندثار هذه العقوبة عاد أردوغان ليستخدمها مجددا، لكن بأسلوب عصري جديد يلائم متطلبات حداثة العصر، فكان أول من تجرع الخازوق معلمه وشريك مسيرته الداعية فتح الله جولن المقيم في الولايات المتحدة، الذي لعب دورا خفيا في مساعدة أردوغان في أيامه الأولى عندما شغل مناصب في الدولة أهمها رئاسة الوزراء بعد خروجه من السجن، فبفضل جماعة جولن من المتصوفين الذين نجحوا في اختراق أجهزة الدولة في تركيا لتهدأ مخاوف الدولة من الحزب المحافظ الجديد الذى وصل إلى السلطة، وكذلك امتلاكه قاعدة ضخمة من رجال الأعمال الذين قدموا دعما قويا لحزب العدالة والتنمية في بدايات صعوده إلى رأس هرم الدولة، ليكتشف جولن متأخرا بعض الشيء معدن صديقه وليهاجمه بعد فوات الأوان، فكان أول اتهام بأنه يسعى منذ 2011 لإقامة دولة الرجل الواحد "الديكتاتورية" على حد وصفه، كما هاجم تورطه في الفساد هو وعائلته، الأمر الذى اضطره إلى مغادرة البلاد بعد التضييق عليه، ليتهمه أردوغان بتدبير الانقلاب عليه في 2016، إضافة إلى سجن نحو 60 ألفا من اتباعه، لكن أردوغان لم يكن ليصعد إلى سدة الحكم لولا فتح الله جولن زعيم جماعة "الخدمة الصوفية"، الذي تجرع ألم الخازوق الأردوغاني.

طعنة في الظهر

تصنف قصة أردوغان وجولن ضمن تصنيفات عدة في مجال قصص الشركاء المتنازعين، التي من الممكن أن تحمل أوصافا عدة، لكن مما لا شك فيه هو غدر أردوغان بصديقه وحليفه ورئيسه عبدالله جول صديق المجد الذي سار نحوه خطوة بخطوة للوصول إلى الحكم، عبدالله جول هو الرجل الذي كان ظلا لأردوغان طوال رحلة حزب العدالة والتنمية، ليعتلي الحزب بوجود سلطة الحكم في تركيا، حيث كان أردوغان حينها سجينا، وليكرم نزله جول من السجن إلى منصب وزير الخارجية وبعدها رئيسا للوزراء، لتنفتح شهيته السياسية ويزداد ظمأه نحو الحكم ليطيح بمن سانده، إذ اندلعت الخلافات بينهما مطلع 2013، ليبدأ في صنع التابوت لصديقه وشريكه ويدق آخر المسامير في نعشه بعد وصوله لمنصب الرئيس. وعلى الرغم من جميع ما ذكر فربما يكون لأردوغان الحق في ذلك فالسياسة لا تدين بالأخلاق والمروءة، وهذا ما يراه بعض الساسة سعيا نحو السلطة بأي ثمن، لكن هل يا ترى اكتفى أردوغان بالإطاحة بالمقربين منه بعد وصوله إلى منصب الرئيس؟
ازدادت مخاوف أردوغان عند وصوله رأس الهرم في تركيا على العكس من اطمئنانه من الوصول إلى هذه المرحلة، ليضع هدفا جديدا على سلم أولوياته فكان الهدف واحدا من أهم من ساندوه وساعدوه خلال مسيرته فكان أحمد داوود أوغلو كبش الفداء الجديد لطموح أردوغان، أوغلو الذي شغل منصب كبير مستشاري رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وقتها، وأسند إليه منصب سفير متجول في 2003، وفي عام 2009 أصبح وزيرا للخارجية التركية حتى 2014، ثم أصبح رئيسا لحزب العدالة والتنمية ورئيسا لوزراء تركيا، وبالنظر إلى تطور للمناصب التي شغلها أوغلو تحسس أردوغان رأسه، إذ يعد أوغلو مفكرا سياسيا ضمن أهم 100 مفكر في العالم بحسب مجلة "فورين بوليسي" 2014، والرئيس الغيور يخاف ممن يسطع نجمهم في البلاد، ليختلق أزمة مع أوغلو ويقصيه. وتمر الأيام ليظهر أوغلو ويعلق : "نحن نمر بمرحلة ضبابية في السياسات الخارجية والداخلية"، ملمحا إلى حالة القمع السياسي التي يمثلها أردوغان بقوله: "تركيا في الفترة التي كانت فيها تمثل نموذجا للحقوق والحريات، كانت قوية في سياساتها الخارجية".

انقلاب على الوالد

انقلب أردوغان على معلمه نجم الدين أربكان، المعروف بـ"والد" الإسلام السياسي التركي، والمشهور بمنحه المشروعية للإسلاميين الأتراك حيث أسس أحزابا إسلامية عدة منها حزب النظام الوطني، وحزب الإنقاذ الوطني، وحزب الرفاه، ثم حزب الفضيلة، وكان أردوغان ورفاقه في حزب العدالة والتنمية طلابا لأربكان ويتصيدون الفرصة ليكونوا من خيرة طلابه في تنفيذ مشاريعهم عند تبوؤ أي منصب في البلاد، لكن الطالب العاق عض اليد التي مدت له، فما كان أمام أربكان إلا أن يفضح أمره.
وبحسب أرشيف صحيفة "زمان" التركية المعارضة التي أغلقها أردوغان في 2016، فإن أربكان وصف أردوغان في 2010 بأنه عميل للصهيونية التي جاءت به إلى رأس السلطة، قائلا: "هناك بعض القوى الخارجية جاءت به إلى السلطة، القوى التي تتحكم في النظام العالمي وتتبنى سياسات عرقية وتتميز بتوجهاتها الصهيونية الإمبريالية".
كما قال أربكان في مؤتمر آخر عقد في منطقة ديار بكر: "تحول أردوغان إلى أمين صندوق الصهيونية، كان أحد طلابي، فقلت له ما عليه فعله، إلا أنه لم ينصت لي ولم ينفذ ما قلته له". وفى مقابلة مع التليفزيون الألماني قال أربكان: "إن إسرائيل هي من تنصح أردوغان بترديد أمور تستهدفها وتعاديها حتى ينجح في كسب تأييد وتعاطف الشعب التركي المحافظ المعارض لإسرائيل، وأنه منفذ تام لسياساتها، والمندوب الأمريكي في المنطقة"، واصفا إياه بأنه "رئيس مشروع الشرق الأوسط الكبير".

خلافة أم استعمار؟

تجرع العرب منذ عقود علقم الاحتلال، حتى اعتادوا مرارة طعمه، إذ كانت فترة الاحتلال العثماني للوطن العربي من أكثر فترات احتلاله صعوبة ومعاناة، احتلت تركيا أو كما كانوا يدعونها "الامبراطورية العثمانية" الوطن العربي، مطلع القرن الـ16 الميلادي، وتحديدا في عام 1516، واستمرت في احتلالها له لمدة أربعة قرون، وتتمثل أسباب الاحتلال العثماني بعدة محاور أهمها احتلال الصفويين الفرس للعراق، والتنافس الذي حدث بين الصفويين والعثمانيين، وضعف دولة المماليك وتذمر أهالي مصر وبلاد الشام من حكمهم، هجمات البرتغاليين على جنوب شبه الجزيرة العربية، وتهديدهم للأمن والاستقرار في تلك المنطقة، إضافة إلى هجمات الإسبان والبرتغاليين على سواحل المغرب العربي، وأخيرا رغبة الأتراك في تسلم زعامة العالم الإسلامي.
استخدمت تركيا خلال احتلالها للوطن العربي جميع وسائل القمع والقهر والإذلال؛ اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا وعسكريا، إذ عمل الاحتلال العثماني في بداية استعماره للوطن العربي على نقل الصناع المهرة إلى إسطنبول، وحرمان البلاد العربية من مفردات التقدم، كما أقر العثمانيون نظاما نسبيا إقطاعيا قائما على الالتزام.
واستخدم العثمانيون سياسات الابتزار والمحسوبية في حكمهم للولايات العربية، وحصروا الوظائف العليا والمؤثرة في هذه الولايات على الأتراك فحسب، كما حاولوا تتريك الولايات العربية بشتى الطرق، ولا سيما من خلال عملية التعليم، فيما تعاملوا بمنطق استعماري في الولايات العربية، أي كمحتل وليس كجزء من قائد لإمبراطورية عظمى تقع بقاع عربية تحت حكمها. وعلى الرغم من جميع ما فعله الأتراك إلا أننا نجد من يستنجدهم ويتآمر ويتحالف معهم ضد أبناء جلدته من العرب، فلو كان بأردوغان خير وحاشيته لظهر على من معه. لكن لا يسعنا إلا أن نقول المثل العربي القديم "يا طالب الزود من خائب الرجا".
إنشرها

أضف تعليق