Author

أهمية البعد الثقافي والاجتماعي لتحقيق «رؤية 2030»

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية

"رؤية المملكة 2030"، هي هدف يسعى المجتمع في المملكة بمستوياته المختلفة إلى الوصول إليه، لا شك أنه حلم يراود كثيرا من أبناء هذا الوطن أن يرى المملكة قوة اقتصادية، وعسكرية، وسياسية، لها تأثير كبير في العالم، فالمملكة هي البلد الذي فيه الحرمان الشريفان، مهبط الوحي وقبلة المسلمين، والمعنية بتنظيم الحج والعمرة لكل قاصد للبيت من كل فج عميق. الجميع لاحظ مع بدء العمل لتحقيق هذه "الرؤية" مجموعة من الخطوات المتسارعة للوصول إلى ذلك مع مجموعة من الإجراءات التي يرى فيها بعضهم أنها قاسية نوعا ما، حيث وضع للخطط والبرامج أهداف للوصول إليها وفق هذه "الرؤية"، ومنها أهداف تتعلق بالبطالة والإسكان، على سبيل المثال. وقد لاحظ بعضهم أن التغيير في نسبة البطالة أصبح سلبيا على الرغم من الإجراءات القاسية - في نظر بعضهم - التي تتخذها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وكثيرا ما يحمل أي إخفاق فيما يتعلق بالوصول إلى الأهداف المرجوة إخفاق المؤسسة الحكومية دون النظر إلى جوانب أخرى مرتبطة بالبعد الثقافي والتوعوي في المجتمع، فإجراءات "وزارة العمل" تصطدم بمجموعة من الممارسات، مثل التستر والمطالبات بالتخفيف من إجراءات الاستقدام وغيره، وادعاءات أن الأسواق ستتضرر بهذه الإجراءات، خصوصا ما يتعلق بالرسوم الخاصة بالقوى العاملة الأجنبية وغيرها من الإجراءات، ما ولد شعورا عاما أن هذه الإجراءات لن تحقق الهدف ولن تصل بنا إلى النسب المتوقعة للتوطين. كما أنه في الجانب الآخر، وفيما يتعلق بالأهداف الخاصة بتملك السكن، نجد أن إجراءات وزارة الإسكان حاليا تصطدم بدعوات إلى الامتناع عن شراء المساكن حاليا في انتظار لانهيار في أسعار العقارات. الملاحظ أنه مع بعض الإجراءات يتم العمل من بعضهم على تشويهها، على الرغم من أن ظاهر هذه الإجراءات أنها طريق إلى تحقيق الأهداف المرجوة، ومن الممكن أن يكون هناك مقترحات تفعل ذلك بشكل أكبر، إلا أنه لا يقلل من حجم العمل المبذول للوصول إلى الأهداف المتوقعة في البرامج المختلفة، وهنا تأتي أهمية المشاركة المجتمعية بفاعلية وإيجابية وإبداء الملاحظات من واقع الممارسة لا بالتنظير. ولذلك، لا يمكن أن يتحقق التخفيف من حجم البطالة إذا ما كان هناك رفض تام للقبول في مجموعة من الوظائف المتاحة وانتظار الوظائف الحكومية أو وظائف مرموقة أو حتى الوظائف التي صممت لتخصصات محددة، فنحن نعلم أنه مع التوجه العام اليوم إلى الخصخصة وقلة الفرص للوظائف الحكومية، فإن الحصول على الوظائف أصبح مختلفا عن السابق، فالمتاح هو الاحتياج الفعلي للقطاع الخاص، وهنا ينبغي على المواطن التفاعل مع ذلك بالقبول بالوظائف التي قد تكون ليست متناسبة مع تخصصه مؤقتا، مع العمل الجاد للحصول على الوظيفة التي يطمح لها أو إنشاء مشروعه الخاص، كما أنه لا بد من التواصل مع الجهات ذات الاختصاص، مثل الجمعيات المهنية والمؤسسات الحكومية للمطالبة بتوطين التخصص الذي يوجد به وفرة من المواطنين المتخصصين أو اشتراط نسب محددة لتوظيف المواطنين في تلك الوظائف. أما فيما يتعلق بالسكن، فإنه مع وجود دعوات لعدم القبول بالخيارات المتاحة من الوزارة في الوضع الحالي والمطالبة بالعودة إلى النظام القديم للتمويل، فإن نسب من يتملك السكن ستتقلص قطعا، بسبب رغبة بعضهم في انتظار عودة النظام السابق أو وجود خيارات أخرى أو إعفاءات، علما بأن هذا الانتظار يعد تكلفة على المواطن. كما أن "رؤية المملكة 2030" تتضمن برامج تتعلق بالصحة العامة والترفيه والتعليم والبيئة، وكل هذه الأمور لا يكفي فيها جهود المؤسسات الحكومية ما لم تكن المشاركة مجتمعية، ولذلك من المهم في هذه المرحلة بناء الفرق التطوعية لهذا الغرض، والعمل من قبل المؤسسات الحكومية لزيادة التواصل بغرض زيادة مستوى الوعي ببرامجها، وأن يكون لديها قناة تواصل فاعلة لتلقي الشكاوى والمقترحات والأفكار، وفي الوقت نفسه نشر الوعي والإجابة عن التساؤلات وتحديد مسؤولية المجتمع للوصول إلى المأمول، فالوعي المجتمعي سيكون له دور فاعل في تقليص التكلفة والوقت والجهد للوصول إلى المأمول، بل ما هو أكبر من ذلك، كما أن الوعي سيكون له أثر في بناء قيم مجتمعية تتوارثها الأجيال تزيد من جودة الحياة في المجتمع. فالخلاصة، أن "رؤية المملكة 2030" هي خطوة لبداية تحول المجتمع في المملكة إلى مجتمع فاعل عالميا بقوة اقتصادية، سياسية، عسكرية، ثقافية، معرفية بيئية، وهنا تأتي أهمية بناء ثقافة عامة في المجتمع للمشاركة في هذا التحول والتفاعل معه بصورة إيجابية للوصول إلى المأمول، إذ ضعف الوعي بهذا التحول وعدم مشاركة المجتمع فيه لن يحقق المطلوب ولو حصل شيء من التغيير، فإن ذلك ليس ضمانة لاستمراره.

إنشرها