التضخم يعيد ترتيب علاقات السعوديين بالعلامات التجارية وبرامج التوفير

التضخم يعيد ترتيب علاقات السعوديين بالعلامات التجارية وبرامج التوفير

بعد سنوات طويلة من العلاقات الاستهلاكية الحميمة بين جمهور عريض من السعوديين وعدد كبير من العلامات التجارية، حولت الآلاف منهم بحسب خبراء الاجتماع والتسويق إلى شعب استهلاكي من الطراز الأول، جاء التضخم والغلاء المستمر لأسعار السلع الذي بلغ وفق آخر إحصائية 9.6 في المائة، ليغير من هذه العلاقة وليحرك برامج التوفير الذاتية وتلك التي تقدمها المؤسسات المالية. لقد اعتادت الأسر السعودية بحسب متخصصين في التسويق منذ السبعينيات بداية الطفرة الأولى، على الإنفاق دون قيود، وتلاشت معها كل برامج التوفير والادخار، وبرز مصطلح الاستهلاك الترفي الذي يعني الإنفاق على سلع كمالية وفي مناسبات غير ضرورية، حتى بين ذوي الدخل المحدود، غير مدركين لحجم مخاطره، وانتهينا معها لتصبح ثقافة الاستهلاك في السنوات الأخيرة هي الثقافة المهيمنة على كثير من الناس. واليوم ومع الارتفاع المستمر لمؤشر تكاليف المعيشة الذي سجلت مجموعاته الرئيسة زيادات متواصلة بلغت به 114.2 نقطة يوم 31 آذار (مارس) الماضي، مقابل 104.20 نقطة قبل عام مضى، وبعد أن أظهرت البيانات أن مؤشر الإيجارات الذي يشمل الإيجار والوقود والمياه ارتفع بنسبة 15.8 في المائة في آذار (مارس) في حين قفزت تكاليف المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 14.2 في المائة. يرصد متابعون تغيرا في طريقة تعامل السعوديين مع مجموعة من السلع ومع طريقة الاستهلاك بشكل عام.. وإليكم بقية التقرير.. يؤكد البروفيسور سعود الضحيان أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود في الرياض، أن هذا الارتفاع المتلاحق لأسعار السلع بجميع أنواعها دفع بشريحة من المستهلكين لإجراء تقييمات ذاتية لبعض العلامات التجارية التي حلقت أسعارها في السماء، إذ عمدوا إلى الاستغناء عنها أو البحث عن علامات تجارية أقل جودة تتلاءم والتراجع الذي أحدثه التضخم على قوتهم الشرائية. وبين الضحيان أن زيادة الأسعار تضطر المستهلك إلى تحقيق كل متطلباته وفقا للقدرة المالية التي يمتلكها، مستشهدا في هذا الخصوص بالانتقال غير المنطقي لمحال "أبو ريالين" من الأحياء الشعبية أو المتوسطة إلى الأحياء "الغنية" في بعض المدن السعودية. وفيما يتعلق ببرامج الادخار والتوفير أوضح البروفيسور الضحيان أنه ومع الآليات المتبعة لمعالجة التضخم والتنامي المستمر للغلاء في الأسواق المحلية والعالمية فإنه لا يمكن أبدا الحديث عن تطبيق معايير الادخار والتوفير. وقال" الواقع أن برامج الدعم لبعض السلع لم تصل إلى المستهلك بشكل نهائي وإنما اقتصرت فوائدها على شريحة من التجار، إذ إن الأسعار تنمو ما يلغي الفائدة المتوقعة من الدعم، وهو ما يقلل من فرص تفكير المواطنين في التوفير". أةو أااأ الامبلاصق من ناحيته قال الدكتور محمد النافع، وكيل جامعة حائل ، عميد كلية المجتمع في حائل سابقا، أن الغلاء وتنامي الأسعار في الأسواق السعودية يؤثر بصورة واضحة في توجه الكثير من الأسر السعودية خصوصا من ذوي الدخل المحدود، إذ يدفع بالكثير منهم إلى البحث عن السلع والأنواع التي تتناسب مع مداخيلهم. وزاد" وفي نظري أن ذلك غير جيد لأنه يضطر المستهلك إلى شراء سلع أقل جودة ، ما يؤثر في النمط المعيشي للعائلة، التي كانت معتادة على سلع معينة". وأوضح النافع انه من غير المعقول أو المنطقي الحديث عن تنامي برامج التوفير في ظل موجة الغلاء التي تحدث الآن، مشيرا إلى أن هناك معادلة صعبة في هذا الإطار وهي التوفيق بين الادخار والتوفير وتلبية متطلبات الحياة. وفي جانب آخر قال اقتصادي ـ فضل عدم ذكر اسمه ـ أن التضخم أسهم وسيسهم على مدى الشهور المقبلة في كبح الانفعال العاطفي ومراقبة الاستهلاك والتحكم في كميته ونوعه وسعره، كما أنه سيشجع الأفراد على الادخار وتقدير الكميات المطلوبة والجودة والنوعية بحسب القدرة المالية. إلى ذلك يقر فايز السعدي، مستهلك سعودي، أن هناك، على الأقل، خمسا من العلامات التجارية المرتبطة بالغذاء، ومنها بالخصوص حليب الأطفال والأرز وبعض السلع الأخرى مثل حفائظ الأطفال تغيرت ولأول مره بعد سنوات من الولاء بسبب ارتفاع أسعارها، ويضيف" كنت معتادا وأسرتي على حليب معين ولكن لارتفاع سعره شهرا بعد آخر ومن ثم أصبح بصورة شبه يومية دفعنا للتوقف عن شرائه واستبداله بنوع آخر". من جانبه يقول فيصل الحارثي إن الغلاء غير نظرته للكثير من العلامات التجارية التي كان التركيز عليها ينبع من جودتها وملاءمة سعرها لحالته المادية، إذ إن وجود بدائل للعلامة التجارية نفسها ولو بجودة أقل بقليل يجعل من تلك العلامة غير جاذبة وغير منافسة. وتابع" أعتقد أن الكثير من السعوديين باتوا اليوم أكثر حرصا على البحث عن السلعة نفسها ولكن بسعر أقل". المستهلكون يواجهون التضخم من جانبه وصف الدكتور صالح سليمان الرشيد أستاذ إدارة الأعمال والتسويق المشارك في جامعة الملك فيصل الغلاء بالغول الذي أصبح يلتهم ما يمكن أن يجمعه كد الليل والنهار لكثير من الأفراد والأسر، وأبدى أسفه لكون الجميع يتحدثون عن الغلاء وينددون بالمتسببين به، بينما القليل فقط من يسعى من خلال خطوات جادة وعملية لمواجهة هذا الغول بمنهجية تساعده على التعامل مع مؤشر ارتفاع الأسعار. وقال الدكتور الرشيد إنه في ظل فشل الكثير من الاستراتيجيات الرسمية في السيطرة على ارتفاع الأسعار وفي ظل التوقعات التي تشير إلى أن الحلقة الأخيرة من مسلسل ارتفاع الأسعار مازالت بعيدة، فإنه يصبح من المهم للمستهلكين أن يكونوا جزءا من الحل لا جزءا من المشكلة، وأن يكون لهم دور جوهري في مكافحة الغلاء ومواجهة هذه الأزمة الخانقة. وأضاف أستاذ إدارة الأعمال أنه مع التسليم بأن إلقاء الكرة في ملعب المستهلكين بدعوى غياب الوعي ينطوي على قدر كبير من المبالغة والتنصل من المسؤولية، إلا أنه مع ذلك هناك مجموعة من الأساليب والطرق التي من الممكن أن تساعد في تقليل الآثار السلبية الناجمة من انفلات وارتفاع حدة الأسعار. وقدم الدكتور صالح الرشيد عددا من تلك الأساليب كالتالي: 1- العمل بشكل جماعي على مقاطعة العلامات والمحال التجارية المعروفة (التي رفعت من سعرها بشكل ملاحظ). وهنا يتطلب العمل الجماعي وبطريقة منظمة والبحث عن سلع بديلة ومن ثم التواصل مع المجموعة عن طريق الرسائل النصية أو مواقع الإنترنت بأن يتم التسوق من السلع والمحال البديلة, ومن الممكن أن يكون مؤشر الأسعار الذي بدأت تفعله بعض الأمانات مفيدا في هذا الموضوع. 2- يفضل أن تتم كل المشتريات الاستهلاكية في زيارة واحدة شهرية أو مرتين في الشهر. ما عدا الخضار والفواكه فيمكن تكون بشكل أسبوعي ولكن بطريقة منظمة بقائمة ومبلغ مالي محدد منذ بدية الشهر. حيث إن الزيارات الكثيرة للتسوق تساعد على زيادة المشتريات وتصعب عملية متابعة الميزانية الشهرية. 3- تقليل شراء الكماليات من الطعام مثل الحلويات والبسكويت، وكثير من الأكلات التي لا نحتاج لها ونشتريها استجابة للعروض والإغراءات التسويقية لأصحاب المحال. 4- تخصيص مبلغ محدد للمصروفات الشهرية الأساسية والحذر من الاقتراب منها (كهرباء، هاتف..الخ). وتقسيم المشتريات الأخرى لأبواب مثل الغذاء والاحتياجات المنزلية والنفقات الشخصية وبالتالي يخصص لكل باب جانبا معينا من الميزانية. 5- من المفيد التعاون بين الإخوان (العائلات الكبيرة) أو الجيران وذلك لشراء المواد بالجملة مثلاً وتقاسمها، حيث إنه يمكن الحصول على أسعار أفضل من خلال شراء كميات أكثر، ومن الممكن شراء كميات كبيرة في حال وجود عروض أو اختلاف في السعر مع زيادة كمية المشتريات بشرط عدم تكلفة الحفظ أو التعرض للتلف أو انتهاء الصلاحية. 6- متابعة بعض العروض الجيدة التي تصدرها مراكز التسوق الكبرى، وتجنب التسوق مع الأطفال، حيث إن وجودهم يزيد من عملية الشراء غير المخطط. 7- البحث عن منتجات بديلة للعلامات التجارية المشهورة، فغالبا ما يكون سعر الماركات المعروفة أعلى من سعر غيرها، ولا يلزم من ذلك اختلاف الجودة، لأن زيادة أسعار بعض المواد لا يعني زيادة جودتها على كل حال. 8- عندما تذهب للتسوق تعود أن تكون معك قائمة محددة فيها كل احتياجاتك الشرائية، ولا تسمح لنفسك بشراء غيرها مهما كانت الإغراءات، ولا تدع للعروض الترويجية فرصة للتأثير في قراراتك الشرائية. 9- يفضل شراء السلع من أسواق الجملة لتوفير المال، ويمكنك أن تستفيد من "بعض" العروض الخاصة التي تقدمها هذه الأسواق. 10- ابتعد عن الإسراف والتعلق بالمظاهر والموضات؛ فلا تشتر شيئا فقط لمجاراة الأخرين، أو حتى لا يقال أنك بخيل، ودائما أجّل شراء الأشياء غير الضرورية حتى تتأكد من الحاجة إليها. 11- احتفظ بجزء من دخلك ولو كان يسيرا, فالادخار عزيمة اقتصادية وهو وسيلة تساعدك على مواجهة الحالات الطارئة أو الاستفادة من الفرص السانحة وتذكر أن المطر عبارة عن اجتماع النقط وأن الجبل أصله حجرات صغيرة. 12- استثمر أموالك سواء ما حصلت عليه من الادخار أو من غيره، استثمره في مشاريع تدر عليك ربحا معقولا، وحاول أن تنوع مصادر الدخل لديك، ولا تكتف بالوظيفة خاصة إذا كان مدخولها قليلا.
إنشرها

أضف تعليق