Author

صناديق الوقف .. واستدامة موارد القطاع الصحي

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية

بعد الإعلان عن أول صندوق وقفي متداول في السوق المالية، فإن الفرصة جيدة اليوم لمجموعة من القطاعات الخدمية لطرح صناديق وقفية تهدف إلى تنويع واستدامة الموارد المالية لتلك القطاعات، التي تشمل مجموعة من الخدمات الاجتماعية، مثل الخدمات الخاصة بالمساجد وقطاع التعليم والتدريب وقطاع الأمانات والبلديات والأنشطة البحثية والتطويرية في المجتمع، إضافة إلى دعم الابتكار وغيرها.
قطاع الصحة له أهمية كبيرة في المجتمع، إذ إن التحسن العام في الصحة هو جزء من متطلبات الرفاهية الاجتماعية، ويحسن من جودة المعيشة بصورة عامة، وينعكس بصورة مباشرة على التنمية، باعتبار أن الصحة لها ارتباط بصورة مباشرة بالإنتاجية، وتخفف من الأعباء على قطاع الصحة في المراحل المتقدمة في العمر للأفراد.
ومن هذا المنطلق، فإن استدامة وتنوع موارد الخدمات الصحية متطلبان للاستمرار في تحسين جودة الحياة، خصوصا أن “رؤية المملكة” وبرامجها التنفيذية لا تقف عند مسألة العلاج فقط، بل تتطلع إلى التحسن في الصحة العامة، من خلال برامج مرتبطة بالوعي والمشاركة المجتمعية للعمل على ذلك التحسن، وهو مرتبط بشكل مباشر بعدة جهات، ولا يقتصر على جهة محددة مسؤولة عن الصحة العامة في المجتمع، ولا شك أن هذا البرنامج ضخم، ويتطلب عملا وتنسيقا ومشاركة وموارد، ومن هنا تأتي أهمية استدامة الموارد وتنوعها، ولعل من أهم مصادر الدخل التي يمكن أن تعزز استدامة موارد الصناديق الوقفية، خصوصا المتداولة، التي تخضع إلى مراقبة من عدة جهات، منها السوق المالية في جانب قدرة هذه الصناديق على تحقيق كفاءة في إدارتها، إضافة إلى متابعة جهات أخرى للتأكد من تحقيق الهدف من إنشائها.
الصناديق الوقفية يمكن أن تعتمد على مصادر متعددة من الموارد، فمن ذلك التبرعات من قبل الأفراد والمواطنين، ومثل هذه الصناديق ينبغي أن تكون محددة البرامج باعتبار أن الأفراد لديهم ميول متعددة لنوع التبرع الذي يميلون إليه، وقد يكون ذلك بسبب معاناة معينة أو تجربة أو قناعة بأولوية الدعم لبرنامج محدد، مثل برامج التوعية بأخطار التدخين وعلاجه أو مرض السكري وغير ذلك، وهذا يمكن أن يسهم في جمع التبرعات، كما يمكن أن تنشأ هذه الصناديق بالمشاركة بين مجموعة من الجهات، منها المؤسسات الحكومية وبعض الهيئات الحكومية والجمعيات التي لها علاقة بالهدف من إنشاء الصندوق، للإسهام فيه ويكون لها حصتها، بحيث يمكنها استرداد جزء من هذه الحصة بناء على البرامج والاحتياجات الخاصة بكل برنامج.
من موارد الصناديق الوقفية الخاصة بالقطاع الصحي الاستثمارات الخاصة بممتلكات المؤسسات الصحية، خصوصا أن التوجه العام الحكومي هو تحويل جزء من هذه المؤسسات إلى مؤسسات شبيهة بالقطاع الخاص، بحيث تكون مؤسسات غير ربحية، لكن تشغيلها يكون على أساس أنها تأخذ مقابلا لخدماتها سواء من خلال شركات التأمين، أو من خلال الأفراد عندما لا يكون للشخص تأمين صحي، بحيث إن الفائض من خلال الأرباح التي تحققها تلك المؤسسات يذهب بشكل مباشر إلى تلك الصناديق الوقفية، ومن الموارد أيضا الدعم الحكومي الذي يمنح لهذه المؤسسات في مرحلة انتقالية إلى أن تتمكن من الاعتماد على نفسها بشكل كامل، أو بأن تكون المؤسسة الحكومية مسؤولة عن تغطية تكاليف الحالات التي تحتاج إلى الرعاية الصحية ولا يوجد لديها تأمين، أو الحالات التي لا تقبل الشركات التأمين عليها، نظرا للتكلفة العالية لها.
الصناديق الوقفية بطبيعة الحال لا يمكن أن تكون المصدر الوحيد للموارد، كما أنها لا يمكن أن تكون المصدر الوحيد الذي توجه إليه جميع مداخيل البرامج الصحية، إلا أنها تعد واحدة من أهم وأفضل الخيارات للتوظيف الأمثل لموارد القطاع الصحي، ومن هنا تأتي أهمية البدء ببرامج بالتعاون مع المؤسسات المالية لإنشاء مجموعة من الصناديق والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة بالبرامج الصحية للتعاون فيما يتعلق بالتنظيم الخاص بتلك الصناديق، بما يحقق عوائد تنجز أهداف “رؤية المملكة” فيما يتعلق بجودة الحياة وتحسين الظروف الصحية في المجتمع.
فالخلاصة أن الصناديق الوقفية الخاصة بالقطاع الصحي، سواء كان فيما يتعلق بالوقاية أو العلاج أو تهيئة البيئة العامة لتحسين الظروف الصحية، تعتبر أحد أهم مصادر استدامة الموارد، ويمكن أن تكون موارد هذه الصناديق من خلال التبرعات أو الموارد التي تحصل عليها تلك المؤسسات أو من خلال الدعم الحكومي، كما أن استحقاق تلك المؤسسات المشاركة في الصندوق من خلال حصص كل مؤسسة تسهم في ذلك الصندوق.

إنشرها