أخبار اقتصادية- عالمية

هجرة جماعية .. صناديق استثمارية تسحب 19 مليار دولار من 6 دول آسيوية

 هجرة جماعية .. صناديق استثمارية تسحب 19 مليار دولار من 6 دول آسيوية

هل بدأت الاقتصادات الآسيوية تفقد جاذبيتها لرؤوس الأموال الأجنبية؟ سؤال على بساطته يبدو مصيريا لعديد من الاقتصادات الآسيوية، التي حققت نجاحاتها الاقتصادية نتيجة مجموعة من العوامل، من بينها ولا شك جاذبيتها للاستثمارات الدولية. فاقتصادات جنوب وجنوب شرق آسيا تحديدا، مثلت قصة نجاح في الوقت الذي عانى فيه الاقتصاد الأمريكي واقتصادات أوروبا الغربية أزمة حادة عام 2008، فقد استفادت بلدان جنوب شرق آسيا من إمكانية الاقتراض من الأسواق الدولية بأسعار فائدة زهيدة، كما أنها شاهدت تدفقات مالية ضخمة في شكل استثمارات أجنبية، وأظهرت رؤوس الأموال الدولية رغبة عارمة في استغلال المشهد الاقتصادي الإيجابي في تلك البلدان، ومعدلات الربح المرتفعة في اقتصادها الداخلي، فكثفت استثماراتها فيها بشكل ملحوظ. لكن يبدو أن المشهد بدأ يتغير الآن، إذ تبدو ملامح هجرة جماعية لرؤوس الأموال الدولية من الأسواق الناشئة عامة والآسيوية على وجه الخصوص، حتى من الاقتصادات ذات التوقعات القوية للنمو والقادرة على تمويل ديونها الخارجية. فمنذ بداية العام حتى الآن سحبت الصناديق الأجنبية رؤوس أموال تقدر بنحو 19 مليار دولار من أسواق الأسهم في ستة بلدان آسيوية، وهي الهند وإندونيسيا والفلبين وكوريا الجنوبية وتايوان وتايلاند.  ولا شك أن هذا الرقم سيرتفع أكثر إذا أضفنا إليه ماليزيا التي فقدت خلال شهر نيسان (أبريل) الماضي 1.2 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية.  وكان انخفاض الروبية الإندونيسية بنسبة 7 في المائة في مواجهة الدولار، منذ شهر كانون الثاني (يناير) الماضي كفيلا بأن يفقد الاقتصاد الإندونيسي 2.5 مليار دولار من رؤوس الأموال الأجنبية، خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام. والوضع لا يقل سوءا بالنسبة للهند التي فقدت روبيتها 8 في المائة من قيمتها في مواجهة الدولار الأمريكي.  دان وايت المحلل المالي في بورصة لندن يعتقد أن تلك التغيرات تمثل رد فعل طبيعي وتلقائي للتغيرات في الاقتصاد الأمريكي.  ويضيف لـ"الاقتصادية" أن "صناديق سوق المال الأمريكي تقدم عائدا يبلغ نحو 2 في المائة حاليا، وهناك أفق رحب لمزيد من ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، كما أن الحديث الدائم عن الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة يثير فزع رؤوس الأموال المستثمرة في جنوب آسيا، التي يعتمد نموها الاقتصادي على التصدير للخارج". وفي حالة ماليزيا وإندونيسيا، فقد اجتذب تطوير أسواق السندات المحلية تدفقات ضخمة من رؤوس الأموال الأجنبية، فالأجانب يمتلكون 38 في المائة من سوق الدين المحلي في إندونيسيا و28 في المائة في ماليزيا، وهذا ما يجعل الاقتصادين الماليزي والإندونيسي شديد الحساسية لارتفاع أسعار العائد لسندات الخزانة الأمريكية، وربما تشهد البلدان مزيدا من خروج رؤوس الأموال الدولية مستقبلا إذا واصل عائد سندات الخزانة الأمريكية الارتفاع.  إلا أن انسحاب رؤوس الأموال الأجنبية من اقتصادات جنوب وجنوب شرق آسيا لم يحدث موجة من الفزع لدى البنوك المركزية في تلك البلدان - حتى الآن على الأقل- فالأساس الاقتصادي لتلك البلدان قوي، والنجاحات الاقتصادية لسنوات، مكنتها من مراكمة احتياطيات مالية ضخمة يمكن أن تعوض تراجع رؤوس الأموال الأجنبية. إلا أن الدكتورة جو هولبورن، تعتقد أن المشكلة لا تكمن في عدم قدرة اقتصادات جنوب وجنوب شرق آسيا تعويض رؤوس الأموال الأجنبية التي انسحبت، وإنما مواصلة تراجع الاستثمارات الأجنبية سيكون له تأثير على الأمد الطويل. ويوضح لـ"الاقتصادية"، أن "أحد أبرز الفوائد التي تحققت في تلك الاقتصادات نتيجة رؤوس الأموال الأجنبية، يعود إلى ترافق الاستثمارات الدولية مع استقدام تكنولوجيا متطورة تساعد على رفع معدلات النمو الاقتصادي، وإمداد الاقتصادات المحلية بخبرات تنظيمية وإدارية لم تكن متاحة في تلك البلدان، وهذا المزيج، إضافة إلى انخفاض الأجور لعب دورا مهما في تحقيق الازدهار الاقتصادي في جنوب وجنوب شرق آسيا، والآن بعض من مكونات هذا المزيج لن تصبح متاحة بذات الدرجة، التي كانت متاحة بها من قبل، وإذا امتد هذا الغياب لفترة طويلة، فإن معدلات التنمية الاقتصادية ربما تتراجع، وقد يترافق ذلك مع استنزاف تدريجي للاحتياطات النقدية، ما يعني تراجع قيمة العملة المحلية في مواجهة الدولار". لكن عملية الانسحاب تلك أثارت مخاوف من نوع آخر، تتعلق بمدى إمكانية قيام السلطات المالية في تلك البلدان باتخاذ إجراءات تنظيمية أو قانونية تحد من خروج رؤوس الأموال الأجنبية، وتضع قيودا على قدرتها في تحويل الأرباح إلى الخارج.  ورغم أن الاتجاه العام بين خبراء الاستثمار، يشير إلى أنه من المستبعد حتى الآن أن تقوم البنوك المركزية في تلك البلدان باللجوء إلى تلك الإجراءات، لأن ذلك قد يمثل تحولا مفصليا يطيح بالثقة الدولية فيها، ويقوض العلاقة الودية التي أقامتها عبر سنين مع مفاهيم السوق والعرض والطلب، ومنحها الحرية لرؤوس الأموال الأجنبية للتفاعل مع الأسواق المحلية. إلا أن أوليفر ألفريد الباحث الاقتصادي يتشكك في وجهة النظر تلك إذا استمرت عملية خروج رؤوس الأموال الأجنبية، وتصاعدت حدة التوتر الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين. ويضيف لـ"الاقتصادية"، أن السلطات المالية في تلك الدول قد تدفع إلى تبني مواقف متشددة مع انسحاب رؤوس الأموال الأجنبية، وأن تتخذ إجراءات مقيدة لبعض الوقت لضمان الحد من تراجع معدلات النمو الاقتصادي، وليس بالضرورة أن يعود ذلك فقط إلى خروج رؤوس الأموال الأجنبية، بل إن مخاوف تفشي الحمائية الاقتصادية نتيجة التوتر في العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، قد يترافق مع عمليات إغراق اقتصادي من الجانبين للاقتصادات الآسيوية الصغيرة مثل إندونيسيا وتايلند وماليزيا، وهذا قد يعني انهيارا تاما لصناعاتها المحلية، ما يتطلب اتخاذ حزمة من الإجراءات المقيدة بهدف حماية المنتجات المحلية، وبالتأكيد هذا لن يكون الخيار الأول لتلك البلدان لكنه خيار محتمل إذا تم تضييق الخناق عليها".  ويراقب عديد من خبراء الاستثمار حاليا مواقف كل من وكالات التصنيف الائتماني ومؤشر أسواق الاقتصادات الناشئة من تلك التطورات، فحتى الآن تتمتع معظم تلك الاقتصادات وفي مقدمتها كوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة بالمستوى إيه، أو أعلى من ذلك من وكالات التصنيف الائتماني الرئيسية.  كما أن الاقتصادات الآسيوية لا تزال تحافظ على نسبة الثلثين من مؤشر MSCI للأسواق الناشئة، ويكشف هذان المؤشران الأسس القوية للاقتصاد الآسيوي، ومع هذا فإنه لا يمكن القول بأن الاقتصادات الآسيوية محصنة بشكل مطلق من الآثار المترتبة على ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية وزيادة قيمة الدولار وعوائد سندات الخزانة الأمريكية.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية