Author

انخفاض أسعار الأصول يكشف مواطن الضعف

|
لا تزال البيئة الاقتصادية الحالية مواتية، لكن مخاطر المدى القصير، التي تواجه الاستقرار المالي العالمي زادت في الأشهر الستة الأخيرة، نتيجة الارتفاع الحاد في تقلب أسواق الأسهم خلال شباط (فبراير) الماضي، واستمرار مخاوف المستثمرين بشأن تصاعد التوترات التجارية والجغرافية ـــ السياسية. وبالنظر إلى الفترة المقبلة، تبدو احتمالات هبوط النشاط الاقتصادي مرتفعة، بل إن هناك احتمالا بسيطا أن ينكمش الاقتصاد العالمي على المدى المتوسط. وينبغي لصناع السياسات اغتنام فرصة هذه البيئة المواتية لاتخاذ خطوات تخفض المخاطر. فبالنسبة لاقتصادات الأسواق الصاعدة، يعني هذا تعزيز أساسيات الاقتصاد وهوامش الأمان التي تتيح التصدي للصدمات الخارجية؛ وبالنسبة للاقتصادات المتقدمة، يعني هذا نشر وتطوير أدواتها المستخدمة للتنظيم والسياسة المالية واستيفاء تنفيذ الخطط الموضوعة لتقوية المؤسسات المالية. ويقوم تقييم الاستقرار المالي العالمي الوارد في آخر عدد من تقرير الاستقرار المالي العالمي على منهج "النمو المعرض للخطر" الجديد، الذي يربط الأوضاع المالية بتوزيع النمو الاقتصادي في المستقبل. ونظرا للأوضاع المالية الحالية، نجد أن الاستقرار المالي والنمو يتعرضان لمخاطر مرتفعة على المدى المتوسط. ويأتي هذا انعكاسا للسنوات الأخيرة من أسعار الفائدة المنخفضة ـــ التي كانت لازمة لدعم النمو الاقتصادي ــــ التي هيأت بيئة سمحت بتراكم مواطن الضعف. ويمكن أن تؤدي مواطن الضعف تلك إلى تفاقم الهبوط الاقتصادي القادم، ويمكن أن تجعل الطريق القادم مليئا بالعثرات. فكيف يمكن لمواطن الضعف المالي الحالية أن تجعل الطريق القادم مليئا بالعثرات؟ إن زيادة الاختلالات تعني أن أي صدمة يتعرض لها النظام الاقتصادي أو المالي من شأنها أن تؤدي إلى تعديل أكثر إيلاما. فعلى سبيل المثال، زيادة التضخم في الولايات المتحدة بسرعة أكبر من المتوقع يمكن أن تؤدي بالاحتياطي الفيدرالي وغيره من البنوك المركزية إلى سحب إجراءات التيسير النقدي بسرعة أكبر من المتوقع حاليا، وهو ما يمكن أن يهز الأسواق المالية. ومن المخاطر الأخرى اتساع نطاق التصعيد للإجراءات الحمائية، ما يمكن أن يؤثر في الأسواق المالية وكذلك في النمو. وفي الحالتين، يمكن أن يتسبب انخفاض أسعار الأصول بصورة مفاجئة في كشف مواطن الضعف في النظام المالي. ويحدد تقرير الاستقرار المالي العالمي ثلاثة مجالات يشوبها الضعف: تراجع جودة الائتمان، مواطن الضعف المتعلقة بالدين الخارجي في الأسواق الصاعدة والبلدان منخفضة الدخل، عدم اتساق السيولة الدولارية بين المصارف خارج الولايات المتحدة. ولننظر في كل منها على حدة: - تراجع جودة الائتمان: من الملاحظ بصورة متزايدة أن الشركات الأقل جدارة ائتمانية تستطيع الاقتراض من الأسواق المالية. وقد ارتفعت الإصدارات العالمية من القروض التي يطلق عليها اسم قروض الرفع المالي، التي تقدم للشركات الأكثر خطرا والشركات المثقلة بأعباء الديون؛ حتى سجلت رقما قياسيا قدره 788 مليار دولار العام الماضي. وهناك اتجاهات عامة مماثلة في أسواق سندات الشركات، حيث تصدر نسبة متزايدة من السندات عن الشركات الأدنى تصنيفا في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو. - الدين الخارجي في بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان منخفضة الدخل: ظلت تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية قوية في السنوات الأخيرة، مع استفادة عدد أكبر من الاقتصادات الصاعدة ومنخفضة الدخل من الأوضاع التمويلية المواتية، ولكن مع انحسار مد السيولة العالمي، يمكن أن تتراجع التدفقات الموجهة إلى الأسواق الصاعدة بما يصل إلى 60 مليار دولار سنويا؛ أي ما يقارب الأحجام الكلية السنوية لربع عام في الفترة 2010 ــ 2017. وفي مثل هذا السيناريو، قد يتعرض المقترضون الأقل جدارة ائتمانية إلى خروج تدفقات أكبر نسبيا. وقد تتأثر البلدان منخفضة الدخل؛ لأن أكثر من 40 في المائة منها معرضة لمخاطر وصول مديونيتها إلى مستوى حرج. ــ عدم اتساق السيولة الدولارية بين المصارف غير الأمريكية: على وجه العموم، أصبحت المصارف أكثر صلابة مما كانت عليه قبل الأزمة المالية العالمية، لكن المصارف غير الأمريكية النشطة دوليا تعتمد في نحو 70 في المائة من تمويلها الدولاري على مصادر قصيرة الأجل أو على أساس الجملة. وإضافة إلى ذلك، لا تتسق هذه الالتزامات الدولارية اتساقا تاما في كل الأحوال مع الأصول الدولارية من حيث الحجم أو أجل الاستحقاق. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تعريض المصارف لمشكلات في التمويل الدولاري إذا حدث تشديد مفاجئ في الأوضاع المالية، وظهرت توترات مفاجئة في الأسواق. وبصورة منفصلة، نظر تقرير الاستقرار المالي العالمي في ظهور الأصول المشفرة. فمن الممكن أن تؤدي بعض التكنولوجيات التي تقوم عليها هذه الأصول إلى تعزيز كفاءة البنى التحتية للأسواق المالية، مثل نظم الدفع. لكنها منيت أيضا بممارسات الاحتيال والخروق الأمنية والإخفاقات التشغيلية، وارتبطت بالأنشطة غير المشروعة. وبينما يشير حجمها المحدود إلى ضآلة مخاطرها على استقرار النظام المالي في الوقت الراهن، فإن المخاطر يمكن أن تزداد إذا اتسع نطاق استخدامها دون وجود ضمانات وقائية ملائمة. - ينبغي لصناع السياسات الاستفادة من البيئة المواتية السائدة حاليا لإرساء ضمانات تقي من المخاطر المالية التي تلوح في الأفق. - ينبغي للبنوك المركزية أن تواصل سحب إجراءات التيسير النقدي بالتدريج، حيثما كان ذلك ملائما، مع الإفصاح عن قراراتها بصورة واضحة. ــ ينبغي للأجهزة التنظيمية أن تعالج مواطن الضعف المالي بتعميم وتطوير أدوات للعمل التنظيمي والسياسة المالية. - ينبغي لصناع السياسات التأكد من استكمال جدول أعمال الإصلاح التنظيمي لفترة ما بعد الأزمة مع مقاومة دعوات التراجع عن الإصلاحات. - ينبغي للأسواق الصاعدة والبلدان منخفضة الدخل أن تبني احتياطياتها وهوامش الأمان في ماليتها العامة لمواجهة المخاطر الخارجية. وقد احتفظ التعافي الاقتصادي العالمي بصلابته حتى الآن في مواجهة التقلبات الكبيرة في الأسواق المالية، لكن المستثمرين وصناع السياسات ينبغي ألا يطمئنوا كثيرا إزاء الوضع الراهن، بل ينبغي أن يتابعوا عن كثب المخاطر المصاحبة لارتفاع أسعار الفائدة، وزيادة تقلب الأسواق، وتصاعد الحمائية، فالاحتمال كبير أن يكون الطريق المقبل مليئا بالعثرات.
إنشرها