Author

تكلفة الزمالة والمنح المهنية

|
لا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنة تكلفة التعلم والتأهيل المهني الشخصي بالعوائد، التي يجنيها الفرد منه مدى حياته، فالمنفعة تطغى دائما والفرق شاسع وإيجابي. وفي الوقت نفسه، لا يمكن كذلك مقارنة تكلفة استثمار الدول في تعليم وتأهيل القدرات البشرية بالعائد على برامج التنمية والتطوير، فالمنفعة أيضا تطغى، والفرق بكل تأكيد شاسع وإيجابي كذلك. لهذا السبب، إذا لم يتمكن الفرد من تغطية تكلفة التعلم والتأهيل المهني "البسيطة"، من الواجب على الجهات المسؤولة عن تنفيذ هذه البرامج، أن تذلل هذا العائق البسيط وتزيله من طريق الفرد، فعلى المستوى الوطني العوائد أكبر بكثير من أن تقاس بقدرات الأفراد على الاستثمار في هذه البرامج، ويجب ألا تكون قدرة الفرد المادية ــــ خصوصا في بداية حياته ـــ سببا للانضمام أو الابتعاد عن هذه البرامج النوعية. امتناع خريج متفوق عن التسجيل والإعداد لشهادة مهنية بسبب التكلفة فقط غير مقنع وغير عادل. إذا كانت التكلفة فعلا سببا لامتناعه يجب إيجاد حل. في استبيان سابق قام به الزميل الدكتور مصعب الجعيد عن الدورات التدريبية عبّر 50 في المائة من المشاركين عن اهتمامهم بالتكلفة ومدة الدورة. ومن يقترب من المرشحين للزمالات المهنية يتفهم تأثير هذه التكاليف، التي تصل إلى عشرات الآلاف في بعض الأحيان لاجتياز المتطلبات. نعم، هناك مبادرات لتغطية التكاليف من صندوق تنمية الموارد البشرية ومنصات التعلم، وبعض المنظمات المهنية مثل هيئة المحاسبة وهيئة المقيمين المعتمدين لتخفيف التكاليف، ولكن معظمها يغطي في الأساس تكلفة التسجيل ثم تكلفة التدريب بشكل جزئي فقط. من وجهة نظر المتقدم، لا يزال عديد من البرامج المهمة لمسيرته المهنية ذات تكلفة مرتفعة حتى بعد الدعم؛ تكلفة الإعداد والتحضير على سبيل المثال بسبب الإقامة والحقائب والأدوات المساندة الأخرى. من وجهة نظر الجهات القائمة على الزمالات والشهادات، للموضوع زاوية مختلفة. في الأساس هي جهات مستقلة تبحث عن مصادر لتمويل برامجها، وتعد رسوم العضويات والاختبارات أحد أهم مصادر الدخل، أو أنها جهات تجارية تبحث عن الربح بشكل أساسي، مثل المعاهد والمراكز المعتمدة التي تنفذ البرامج كليا أو جزئيا. وبالطبع لا يمكن إجبار الجهات التجارية على تحديد الأسعار أو القيام بأدوار خيرية، وكذلك يصعب التحكم في مصادر تمويل أو مصروفات الجهات المهنية المستقلة؛ لأن هذا قد يعرضها لاختلال الاستقلالية بسبب هيكل تمويلها. لا أجد أفضل من تعزيز وتطوير برامج "المنح المهنية" لحل هذه المشكلة. لسنا نبحث عن ممارسة جديدة، ولكن امتدادا لما يقدم من دعم حاليا، يجب أن نرى مزيدا من المنح الشاملة التي تغطي تكاليف التسجيل والإعداد، شاملا الحقائب والتدريب وتكلفة التنقل والإقامة. هل من العدل أن يتكبد المرشح للشهادة المهنية تكلفة السفر وعدم الجلوس للاختبار في مدينته، على الرغم من أن مدينته بحاجة ماسة إلى مهني متخصص مرخص مثله؟ وهل من المعقول أن يتردد أو يتأخر جزء كبير من كفاءات المستقبل؛ بسبب تكلفة مادية هامشية مقارنة بالعوائد المتوقعة؟ لا أعتقد. لحل إشكالية ارتفاع التكلفة، مع أخذ استقلالية الجهات المهنية في الاعتبار وتنوع وتشعب البرامج المهنية، أتمنى أن يتم إنشاء صناديق وأوقاف مهنية شاملة ومستقلة، لدعم وتطوير الكفاءات عن طريق التأهيل المهني. لا يمنع أن تكون المنح تمويلية مشروطة باجتياز الاختبارات، ولكن المهم أن تُزال العقبة في هذه المرحلة الحرجة من حياة المرشح. لماذا لا تُموَّل هذه الصناديق حتى الشهادات الدولية المميزة، التي ترفع وتنافس الشهادات المحلية بحثا عن التحسين النوعي؟ قد تقتطع ميزانية هذه البرامج من عدد ليس بقليل من الجهات المسؤولة عن دعم التأهيل المهني، مثل "هدف"، والجهات الموظفة "القطاع الخاص"، والهيئات المهنية، وحتى الجامعات المهتمة مثلا بتسويق خريجيها. لا يخفى على أحد الدور الاستثنائي للتطوير المهني المتخصص والنظامي في تأهيل الكفاءات وتنفيذ البرامج التي تعتمد على العنصر البشري المتميز. نشوء وتطور عديد من المنظمات والبرامج المهنية في السنوات الأخيرة والإقبال الجيد عليها خير دليل على ذلك. ولكن، يجب ألا تشكل بعض الأسباب البسيطة عوائق كبيرة للمرشحين، خصوصا أنهم رهاننا الأول على المهارات النوعية والإنتاجية العالية التي نحتاج إليها اليوم، خصوصا أن عدد جميع المرشحين للبرامج المهنية القوية والمميزة لا يزال محدودا، ولا تمثل التكلفة الإجمالية - في نظري - شيئا نسبة لما يتم استثماره كل يوم في التعليم والتأهيل.
إنشرها