FINANCIAL TIMES

بعد النفط .. السيارة الكهربائية محور الصراعات الجيوسياسية المقبلة

بعد النفط .. السيارة الكهربائية محور الصراعات الجيوسياسية المقبلة

العام الماضي شهدت بريطانيا أول يوم لا يتم فيه حرق الفحم لتوليد الكهرباء منذ الثورة الصناعية، وحتى أكبر شركات النفط تقول سيكون من المستحيل شراء سيارة تعمل بالبنزين بحلول منتصف القرن.
اضطلع النفط بدور رائد في المجال الجيوسياسي على مدى الأعوام المائة الماضية، بحيث أجبر القوى الغربية على الاعتماد في الأغلب على الشرق الأوسط.
ومع أن الذهب الأسود، كما يعرف النفط في بعض الأحيان، ليس دائما المسبب الصريح للنزاعات، إلا أنه مرتبط بنسبة تقع بين الربع إلى النصف بجميع الصراعات التي وقعت بين الدول على الصعيد العالمي في الفترة ما بين عامي 1973 و2012، وفقا لدراسة أجريت في عام 2013 من قبل جيف كولجان، من جامعة براون.
لكن سيكون من الخطأ افتراض أن التوترات الجيوسياسية ستتضاءل بأعجوبة في مستقبل تهيمن عليه مصادر الطاقة المتجددة. يتطلب بناء توربينات الرياح وإنشاء بطاريات أيون الليثيوم وجود معادن ومواد خام تأتي من بلدان التي تنعم بتلك الموارد، أو تعاني لعنتها.
وبالنسبة لبعض تلك السلع الأساسية، فإن تركيزها العالي في مناطق معينة من العالم يزيد من حدة المخاطر.
لنأخذ بطاريات السيارات الكهربائية والكونغو الديمقراطية. يستأثر هذا البلد الإفريقي بأكثر من نصف إنتاج العالم من الكوبالت، الضروري لبناء معظم أنواع بطاريات السيارات الكهربائية.
ووجود اقتصاد قائم على الطاقة النظيفة سيتطلب استخراج كمية هائلة من المعادن من الأرض. مثلا، يقدر أوليفييه فيدال، من جامعة جرينوبل ألب، أن إعداد البنية التحتية الخاصة بالطاقة النظيفة يمكن أن يتطلب كمية من النحاس تصل إلى نحو نصف إجمالي الكمية التي تم تعدينها منذ عام 1900.
هناك أيضا الخطر الحقيقي الذي يكمن في أن عصر السيارة الكهربائية سيؤدي إلى خلق حالات احتكار من قبل الشركات، ما يردد صدى احتكار "ستاندر أويل" التي احتكر مؤسسها، جون دي روكفلر، سوق النفط منذ أكثر من قرن عندما انطلق استخدام محرك الاحتراق.
"جلينكور"، شركة التعدين المدرجة في لندن والتي يوجد مقرها في سويسرا، تعمل على توسيع نطاق إنتاجها من الكوبالت الذي من المنتظر أن يتيح لها السيطرة على حصة نسبتها 40 في المائة من الإمدادات العالمية بحلول عام 2020.
إنتاج الليثيوم، أحد المكونات الرئيسية لبطاريات السيارات الكهربائية، إضافة إلى الهواتف الذكية، تسيطر عليه خمس شركات فقط.
لن نحتاج إلى جهد كبير لكي نتخيل نسخة جديد من "الشقيقات السبع"، وهي تسمية صيغت بعد الحرب العالمية الثانية من قبل إنريكو ماتي، مؤسس شركة الطاقة الإيطالية "إيني"، لتطلق على شركات الطاقة الكبرى التي كانت تسيطر في ذلك الحين على صناعة النفط.
مع ذلك، بدلا من التوترات مع الشرق الأوسط، سيؤدي ظهور السيارات الكهربائية إلى وجود احتكاك أكبر مع الصين. فلدى بكين طموحات هائلة في الحصول على الطاقة النظيفة.
عملت الصين بالفعل على توسيع نطاق وجودها في السلسلة الناشئة لتوريد البطاريات. في الأسبوع الماضي تمكنت شركة صينية، "تيانكي ليثيوم"، من اقتناص حصة كبيرة في أكبر شركة لإنتاج الليثيوم في تشيلي، "إس كيو إم"، رغم معارضة بعضهم في هذا البلد الذي يقع في أمريكا الجنوبية، مشيرين إلى أن الصفقة تسلم الصين احتكارا لتوريد الليثيوم.
ولا تستهدف الصين فقط المعادن المستخدمة في صناعة البطاريات الكهربائية. ففي إطار خطة "صنع في الصين 2025" التي تهدف إلى تحديث قطاع الصناعات التحويلية الراقية، ترغب الحكومة في فرض سيطرتها على إنتاج السيارات الكهربائية وتكنولوجيا الطاقة النظيفة.
وسيقدم لنا الجزء المتبقي من هذا العام مزيدا من الدلائل حول رأس المال والنطاق الذي ستفرضه الصين في هذا السباق التنافسي. فمن المقرر أن تتمكن "كاتل" CATL، أكبر شركة لتصنيع البطاريات في الصين، من جمع 940 مليون دولار من خلال عملية اكتتاب أولي في شينزن هذا الشهر. وتستعد أيضا أكبر شركتين لإنتاج الليثيوم في البلاد، "جانفينج" و"تيانكي"، لبيع أسهم بالملايين في سوق الأسهم في وقت لاحق هذا العام.
لا أحد يترك الباب مفتوحا على مصراعيه أمام الصين للحصول على المعادن التي ثبت أنها مهمة جدا لإنتاج السيارات الكهربائية.
التوترات التجارية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بدأت تعتمل منذ فترة. فقد أصدرت إدارته هذا الشهر قائمة من 35 مادة معدنية، بما فيها الليثيوم والكوبالت، التي تعتبر "ذات أهمية حاسمة لأمن الولايات المتحدة القومي والاقتصادي".
تشيلي، التي تمتلك أكبر احتياطيات الليثيوم في العالم، تتطلع إلى إنتاج مكونات البطاريات، في حين ترغب جنوب إفريقيا، المنتجة لمعدن الفاناديوم، في إنتاج سوائل الحل الكهربائية لبطاريات الفاناديوم، التي تستخدم في تخزين الطاقة في الشبكة الكهربائية.
من جانبها، بدأت أوروبا أيضا في بناء مصانع البطاريات الضخمة الخاصة بها لتزويد شركات السيارات الألمانية، ودعمت كالة الابتكار في المملكة المتحدة دراسة تستخدم الأقمار الصناعية للبحث عن الليثيوم في كورنوول.
العوامل الجيوسياسية لعصر السيارات الكهربائية لا تزال في مهدها. وفي حين أن من غير المرجح أن تؤدي إلى نزاع عسكري، إلا أنها ستزداد حدة التوترات، خاصة مع الصين، بشأن من الذي يسيطر على الموارد والتكنولوجيات التي تقوم عليها السياسات الكهربائية.
على المدى الطويل، يرجح أن يكون الفائزون هم البلدان والشركات التي تستطيع تطوير تكنولوجيا البطاريات التي تعتمد على مواد معدنية وافرة بدلا من النادرة. وربما يساعد ذلك حتى على تخفيف الأجواء الجيوسياسية المشحونة.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES