Author

فك الارتباط بالدولار .. حان الوقت لمواجهة المسألة المعقدة

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى

قام فريق صندوق النقد الدولي بإجراء مشاورات بشأن الاقتصاد السعودي مع عدد من المسؤولين الحكوميين بناء على المادة الرابعة لنظامه، وقد جاءت نتائج هذه المشاورات مبشرة إلى حد بعيد، ولا جديد في الأمر، فالجهود التي بذلت من أجل التعافي من آثار انهيار أسعار النفط كانت ملحوظة ولدينا تجربة واسعة في هذا. لكن أهم ملاحظات الصندوق جاءت بشأن الارتباط بالدولار، حيث أكد الفريق أهمية بقاء الارتباط، نظرا لهيكل الاقتصاد السعودي، هنا يجب أن نتوقف ونناقش المسألة بجدية أكبر، فهذه الملاحظة وربطها بهيكل الاقتصاد السعودي تستحق الاهتمام. فالولايات المتحدة التي نعرفها يوم قررت المملكة ربط الريال بالدولار ليست هي الولايات المتحدة اليوم، والاقتصاد السعودي الذي نشأ في ذلك الحين والدولار هو الأقوى على الإطلاق وكل السلع تتدفق من الولايات المتحدة فقط لم يعد كذلك اليوم أيضا، والعالم على عتبات حرب اقتصادية "لا مفر منها" وقد تسوء الأمور كثيرا في المستقبل، لهذا كله فإن دراسة جادة وحقيقية لمسألة فك الارتباط لا بد أن تبدأ الآن، لا نريد لهيكل الاقتصاد السعودي أن يكون مرتبطا بهذه المسألة.
التقارير الاقتصادية حول العالم تشير بوضوح إلى عدم قدرة الاقتصاد الأمريكي على المنافسة، لصعوبات جمة تراكمت على طول الطريق منذ أعلنت الولايات المتحدة كسر قاعدة الذهب، ومنذ اتكأت على نظرية الرجل الأمريكي الذي لا يقهر، ومنذ توقعت أن العالم لن يفطم نفسه بنفسه من المنتجات الأمريكية ومن فوائد ديونها، ومنذ أن ظنت الولايات المتحدة أن الحجم الضخم للاقتصاد والدولة مفيد. لكن الواقع تغير كثيرا خاصة مع انتشار التقنية وسهولة نقل المعرفة والصناعة بين الأمم، بل حتى الأفراد، لم يعد بالإمكان الحفاظ على الأسرار اليوم، والعالم الذي لم يكن يعرف مبادئ إعداد الجدول الدوري للمواد أصبح يراهن على اكتشاف مواد لم تعرفها الولايات المتحدة أبدا، كل هذا وغيره جعل الولايات المتحدة تنتخب ترمب لأنه يلوح بالعصا الغليظة ويريد من العالم كله أن يخضع للإرادة الأمريكية، ولكن ليس لمنح فرصة للاقتصاد الأمريكي للعودة، بل كي يبقى الجميع باقتصاد ضعيف، وهذا هو جوهر المعركة التي تدور رحاها اليوم على ساحة الاقتصاد السياسي.
وفق الوقت الراهن كل شيء يبدو جيدا لمصلحة الولايات المتحدة، فالجميع سيخضعون تحت وطأة الضغط السياسي الأمريكي، لكن هذا لن يجعل الاقتصاد الأمريكي في وضع أفضل، ولن يساعد على استقرار الدول الأخرى، وستندلع كثير من الاختلالات السياسية في العالم، فالشعوب لا تفهم ما يدور خلف كواليس السياسة. والصورة الآن هي كما يأتي، الاقتصاد الأمريكي متضخم جدا ولا يستطيع المنافسة لدرجة أنه لم يعد قادرا على تغذية نفسه إلا من خلال تعطيل عجلة الآخرين، والآخرون في عجلة من أمرهم، فالشعوب التي ذاقت طعم القوة الاقتصادية والاستقرار السياسي الذي تنتجه لا تقبل تحمل العودة للخلف، لكن أدوات الولايات المتحدة سواء السياسية أو العسكرية لم تزل هائلة، وهذا يمنحنا فرصة كبيرة للتخطيط بشأن مستقبلنا الاقتصادي. ليس هذا فحسب ما يجبرنا على إعادة النظر في فك الارتباط، بل إن العالم لم يعد قادرا على تحمل تبعات تأثير ضعف الدولار أو قوته على النفط، فالتغيرات السريعة والمربكة في الدولار وكذلك في حجم الطلب العالمي على النفط تجعل التنبؤ صعبا جدا حتى لفترات قصيرة، وبالتأكيد سيحسم العالم أمره بشأن ارتباط الدولار بالنفط قريبا.
ليس لدي تصور معين -ولا أعتقد فيما قرأت أن هناك من لديه تصور- للحل الممكن، ذلك أن فك الارتباط بشكل مفاجئ وسريع سيولد كثيرا من الصعوبات، نظرا لارتباط الهيكل الاقتصادي في المملكة بهذا الارتباط كما أشار فريق صندوق النقد، كما أن تجربتنا في تعديل سعر الفائدة بناء على متطلبات السوق الداخلية لم تزل ضعيفة، ونحن نحتاج إلى تمرين قوي وتدريب عقول أكثر لإدارة الاقتصاد والنقد في المملكة. الولايات المتحدة قوة اقتصادية هائلة اليوم ولا يمكن لأحد أن يجادل في هذا الشأن، وهذا يمنحنا كثيرا من الوقت للدراسة والتأمل والتجريب والاختبار، لكن العالم يريد أن يتحرر من نفوذ الاقتصاد الأمريكي، وهذا واضح في الصين والهند والكوريتين حتى إفريقيا. لقد كان درس اليابان قاسيا، ولا أحد يريد أن يذوق ما ذاقته اليابان في التسعينيات، ولولا أن اليابان ترتكز على قوة طلب محلية كافية لكانت الآن خارج مجموعة الدول الثماني، بل حتى العشرين. العالم يراقب ماذا سيحدث بين الصين والولايات المتحدة، وإذا كانت من المتوقع أن تخسر الصين الرهان كما خسرته اليابان من قبل، نظرا لأن خبرات الدبلوماسية الصينية الاقتصادية لن تسعفها كثيرا في مواجهة ترمب، لكن النتائج أيا ما كانت ستكون ذات أثر في إعادة ترتيب الاقتصاد العالمي، في المستقبل القريب لن يكون هناك مجال للضعفاء، والتحالفات هي سيدة الموقف وشبح الكساد العالمي قد يعود، ولأننا في دولة قوية من جميع النواحي ومستقرة من الجوانب كافة، فإننا قادرون على أن نكون بين حلف الأقوياء.

إنشرها