Author

«مأسسة» العمل الرياضي

|

المؤسسات الرياضية تعد من أهم مؤسسات العمل المجتمعي غير الهادفة لتحقيق الربح؛ حيث تقوم بعمل كبير ومهم في مجال رعاية الشباب واستكشاف المهارات وتنميتها، وأضحت الرياضة في عصرنا هذا من أهم أدوات الهوية الوطنية، التي يمكن أن تستثمر في علاقات الشعوب، وفي إشهار الدول، وتوطيد العلاقات الاجتماعية والإنسانية بين شعوب العالم. وقد عانت مؤسساتنا الرياضية كثيرا ضعف مأسسة العمل فيها، ومن مخاطر عدم استثمار قدراتها ماليا بما يحقق الاستدامة لها، والتطور والإشهار الذي تجده الرياضة في الدول المتقدمة. الصناعة الرياضية والصناعات المرتبطة بها تشكل منظومة اقتصادية هائلة، يجب ألا تغفل، وأن تكون ضمن خطط المملكة المستقبلية لتطوير الرياضة، وتطوير الصناعتين الاقتصادية والإعلامية المرتبطتين بها.
كتبت في "الاقتصادية" 23 آذار (مارس) 2011 مقالا بعنوان "الأندية الرياضية .. الحوكمة لتأسيس مستقبل مشرق"، عن ضرورة توفير بيئة تحقق الاستدامة المالية للمؤسسات الرياضية، وتطبيق معايير الحوكمة على هذه المؤسسات من تعيين مجالس الإدارات، توفير الإدارات التنفيذية المختصة، تطوير الاستثمار فيها، تفعيل دورها المجتمعي في التواصل مع أبناء المجتمع، استخدمها كأداة في التطويرين الثقافي والأخلاقي. ومع الأسف، ظلت مؤسساتنا الرياضية رهينة أنظمة لم تتطور، وظلت ممارسات الإدارة فيها كما لو أنها رياضة محلية، ترتبط بعدد محدود من المشجعين لمتابعة لعبة أو لعبتين، وظلت مؤسساتها تسير وفق ما يجود به المحسنون من أعضاء الشرف، ومداخيل بسيطة تأتي من برامج الرعاية، والنقل التلفزيوني، وما تقدمه الدولة من إعانات مالية لو تأخرت لسقطت هذه المؤسسات.
ولي العهد له رأي آخر لا يتسق مع جميع هذه الممارسات غير المؤسسية وغير المستدامة. بدأ بتوجيه رئيس الهيئة العامة للرياضة بإعادة مأسسة هذه المؤسسات لتصبح أكثر احترافية، وسيطلق قريبا برنامج خصخصة المؤسسات الرياضية لتصبح مؤسسات مالية قادرة على ممارسات نشاطاتها، باتباع معايير حوكمة عالمية، لتطوير هذه المؤسسات. وحسب تصريح المستشار لصحيفة "الشرق الأوسط"، "فإن الرياضة السعودية كانت تتجه إلى كارثة قبل لقاء ولي العهد السعودي، الذي يقف داعما بصورة كبيرة لكل ملفات الرياضة ومن بينها كرة القدم على وجه الخصوص".
كانت أهم المشكلات التي تواجه المؤسسات الرياضية السعودية مشكلة الديون المتراكمة عليها من سنوات، التي قاربت مليار ريال، كانت ستمثل عائقا كبيرا في طريق أي إدارة قادمة لهذه المؤسسات، وقد تصل بالرياضة إلى ساحات المحاكم الرياضية الدولية بعد تصعيد الأمر إلى اتحاد كرة القدم الدولي "فيفا". فإن مقدار الدعاوى القضائية تمثل نحو 32 في المائة من هذه الديون، والرواتب تشكل 28 في المائة، وهذا يعطي انطباعا عن عدم مهنية بعض الإدارات السابقة من حيث سداد كل الالتزامات المترتبة على قراراتهم.
جاءت "رؤية المملكة 2030" محتوية على تطلعات طموحة بخفض الاعتماد على مداخيل النفط إلى أقل من 50 في المائة في ميزانية الدولة، كما رسمت أهدافا كبيرة في مجالات الخصخصة ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ورفع الوعي وممارسة الرياضة المجتمعية إلى 40 في المائة، وفتح الاستثمار الأجنبي داخل المملكة. وكل هذه الإجراءات وغيرها كثير سيسهم في رفع فاعلية المؤسسات الرياضية، ويسهم في إيجاد اقتصاد معتمد على هذه الصناعة، قادر على توليد الفرص الوظيفية ودعم الاقتصاد.
لهذا جاءت مكرمة ولي العهد التي أعلن رئيس الهيئة العامة للرياضة تكفل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بسداد جميع ديون الأندية المتعلقة بالقضايا الخارجية، كخطوة أخرى في سبيل مأسسة هذا القطاع المهم، ويظل الدور على رسم سياسات حوكمة رشيدة، تسهم في تطوير هذا القطاع وحمايته، من أجل مستقبل المملكة وأبنائها، الذين يحرص كثيرا على تقديم الأفضل لهم دائما.

إنشرها