Author

اتفاقية خفض الإنتاج .. إلى أين؟

|

بداية أود أن أعود مع القارئ الكريم إلى مطلع عام 2016 عندما وصلت أسعار النفط إلى ما دون الـ 30 دولارا، وهو أقل سعر وصل إليه برميل النفط منذ عام 2003. هناك أسباب كثيرة أسهمت بشكل مباشر بإصابة الأسواق النفطية بتخمة شديدة أخلت بتوازنها ما انعكس سلبا على الأسعار ووصلت إلى ما وصلت إليه. من الأسباب الرئيسة لهذه التخمة والتراجع الحاد في الأسعار التباطؤ الاقتصادي للصين التي تعتبر من أكبر الدول استيرادا للنفط، حيث إن هذا التباطؤ أثر بلا شك في كمية الطلب العالمي على النفط. من أحد أهم المؤشرات الاقتصادية في الصين حركة الشحن السنوية عبر السكك الحديدية حيث إنها انخفضت بما يقارب 12 في المائة في عام 2015 بنسبة انخفاض تجاوزت 200 في المائة مقارنة بعام 2014 التي انخفضت حركة الشحن السنوية فيها نحو 4 في المائة فقط!
زامن ذلك أيضا رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران فيما يخص ملفها النووي ما أتاح لها تصدير كميات كبيرة جدا من النفط في فترة قصيرة جدا قدرت بنصف مليون برميل يوميا آنذاك. أيضا احتدم السباق النفطي في تلك الفترة بين المنتجين سواء من أعضاء "أوبك" أو من المنتجين المستقلين خارجها للحفاظ على الحصص السوقية. إضافة إلى ضخ مزيد من النفط من كل من ليبيا ونيجيريا بعد انخفاضه قسريا لدواع أمنية، وكذلك دخول النفط الصخري الأمريكي في المعادلة النفطية العالمية. عندها حملت السعودية لواء الخروج من هذه الأزمة وقامت بعدد كبير من الزيارات والاجتماعات على أعلى مستوى مع المنتجين داخل "أوبك" وخارجها ما نتج عن ذلك الاتفاقية التاريخية لخفض الإنتاج التي دخلت حيز التنفيذ فعليا في كانون الثاني (يناير) من عام 2017 لخفض الإنتاج بما يقارب 1.8 مليون برميل يوميا لمدة ستة أشهر. تم بعد ذلك تمديد الاتفاقية مرة أخرى إلى آذار (مارس) من عام 2018 ومن ثم تم التمديد مرة أخرى حتى نهاية عام 2018.
بالنظر إلى الأرقام وليس هناك أصدق من لغة الأرقام، منذ بداية التوطئة للاتفاق على خفض الإنتاج منتصف عام 2016 وحتى يومنا هذا ارتفعت أسعار النفط بأكثر من 100 في المائة، حيث تجاوزت أسعار النفط حاجز 74 دولارا. هذا بلا شك نجاح كبير يسجل لجميع أعضاء الاتفاقية بشكل عام وللسعودية بشكل خاص، فهي من قادت هذه المرحلة باقتدار منطلقة من سمعتها الرصينة والتزامها بوعودها وهذا ديدنها، ما عزز الثقة بهذه الاتفاقية ونتج عن ذلك تمديدها أكثر من مرة.
السؤال الذي قد يتبادر للقارئ الكريم، هل ستنتهي الاتفاقية نهاية هذا العام بحسب ما اتفق عليه؟ أم أن هناك احتمالية للتمديد حتى عام 2019؟ وجهة نظري الشخصية أن هناك بوادر إيجابية جدا من المنتجين المؤثرين داخل "أوبك" وخارجها لتمديد الاتفاق. أتوقع إن كان التقييم إيجابيا وازداد الطلب على النفط وتعافت الأسواق النفطية تماما من التخمة النفطية ما سيرفع الأسعار بشكل كبير، أن يتم الاتفاق على زيادة جزئية للإنتاج بحصص معلومة تكون ضمن إطار هذه الاتفاقية وتحت أعين لجنة مراقبة الإنتاج المتفق عليها. حيث إن الهدف الرئيس لهذه الاتفاقية هو استقرار أسواق النفط ووقايتها من التخمة مستقبلا.

إنشرها