المشراق

«تاريخ ابن قاسم» و«أعيان تميم» للجاسر .. مخطوطتان مفقودتان

«تاريخ ابن قاسم» و«أعيان تميم» للجاسر .. مخطوطتان مفقودتان

من أكثر الأشياء التي تؤلم الباحث حين يقرأ أو يسمع عن مخطوطة بذل فيها مؤلفها جهدا كبيرا، وجمع فيها علما غزيرا، إلا أنها ضاعت مع الأيام، أو أحرقت، أو اختفت، أو أخفيت. يتحسر الباحث لما فاته من علم في بطن هذه المخطوطة، ويتحسر ثانية على حرمان المؤلف من أن يطلع الباحثون والقراء على جهده الذي بذله في تأليف هذا الكتاب المفقود. وسنتحدث في هذه المقالة عن مخطوطتين في عداد المفقود.

تاريخ ابن قاسم:
الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن قاسم، عالم نجدي فاضل شهير، ولد رحمه الله سنة 1312هـ في بلدة البير القرية المعروفة شمال الرياض، وتوفي عام 1392هـ. وله العديد من المؤلفات والتحقيقات المطبوعة، كما أن له مؤلفا ضخما في التاريخ، تناول فيه التاريخ القديم معتمدا على المصادر القديمة كتاريخ الطبري وتاريخ ابن الأثير، وتاريخ ابن كثير، وغيرها، ثم واصل في التاريخ النجدي الحديث، والقسم القديم من تاريخه مطبوع، أما القسم الحديث من تاريخه فهو مفقود، وشاع بين الباحثين أنه أحرقه أو أتلفه أو أخفاه. وقد تحدث عن هذا التاريخ علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر، وهو صديق المؤلف الشيخ عبدالرحمن بن قاسم فقال: "الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي القحطاني نسبا المولود في بلدة البير من إقليم المحمل في نجد كان في أول أمره ذا عناية بتدوين الحوادث التاريخية المتعلقة بنجد وقد اطلعت على كتاب ألفه في هذا الموضوع قبل 40 عاما يقع في مجلدين سار فيه على طريقة المتقدمين من تدوين الحوادث من عهد آدم إلى هذا العصر بإيجاز غير أنه توسع فيما يتعلق بتاريخ نجد أو سكانها أو بذكر بلدانها وتواريخ إنشائها، وفي تراجم الأعيان من أهلها والشيخ عبدالرحمن كان من تلاميذ الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العنقري ويعتبر هذا من أوسع المعاصرين اطلاعا على حوادث نجد في العهود الأخيرة حيث إن الملك عبدالعزيز رحمه الله أمره بأن يكمل تاريخ ابن بشر ويستمر في تدوين الحوادث التاريخية إلى العصر الحاضر على ما جاء في جريدة "أم القرى". ولكن يظهر أن الشيخ عبدالرحمن بن قاسم في سنيه الأخيرة انصرف عن التاريخ ويتناقل المعاصرون قصة يقولون إنها هي التي حملته على ذلك ومما لا شك فيه أن القسم الذي سجله من تاريخه ذو فائدة لمن يعني بتاريخ هذه البلاد في عهودها الأخيرة، أما أنا فأرى أن سبب انصرافه هو اهتمامه بجمع مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية وترتيب فتاواه ورسائله هذا الجهد العظيم الذي أثمر ثمرة مباركة، حيث قدم للباحثين وللعلماء من فتاوى هذا العالم الجليل ورسائله غير الكتب الكبيرة المطبوعة قدم ما يزيد على 30 مجلدا". هذا ما قاله الشيخ حمد الجاسر في محاضرته عن مؤرخي نجد من أهلها. أما الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام فيقول في كتابه "علماء نجد خلال ثمانية قرون" عن ابن قاسم: "كان له ولع بالتاريخ والأنساب والجغرافيا، واشتغل بها مدة وجمع الشيء الكثير في ذلك، ولكن وقع له سبب جعله ينصرف بالكلية عن ذلك"، ثم أورد هذا السبب.
وأيا كان السبب فلا شك أن الشيخ عبدالرحمن بن قاسم من العلماء الأتقياء الفضلاء، ويقول الشيخ حمد الجاسر عنه إنه "من أرق من عرفت من العلماء نفسا، وألطفهم خلقا، وأسخاهم يدا"، ووصفه ابن بسام بأنه على جانب كبير من الأخلاق، حلو الشمائل، مستقيما في خلقه ودينه. وقد أثنى الكثيرون على خلق ودين وعلم وصفات الشيخ ابن قاسم، وهذا ما يزيد من حسرتنا على فقدان تاريخه، وليت الأيام تجود به.

تحفة الأحباب في أعيان تميم والرباب:
وليس هذا التاريخ هو الوحيد المفقود، فقد ألف العلامة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جاسر (1313- 1401هـ)، وهو من تلاميذ المؤرخ النسابة الشهير إبراهيم بن صالح بن عيسى، ألف ابن جاسر كتابا ضخما بعنوان "تحفة الأحباب في أعيان تميم والرباب"، وهو في عداد المفقود، وذكر الشيخ عبدالله البسام أنه رآه، وأنه يقع في سبعة أجزاء كبار، وذكر أنه بخط المؤلف، ثم قال إنه "أخفي بعد موته". ويقول الدكتور محمد بن فهد الفريح: "حدثني أخي الشيخ المؤرخ عبدالله البسيمي ــ حفظه الله ونفع به ــ أنه ما نصه: في يوم الإثنين 22-8-1423هـ اتصلت بالشيخ عمر بن محمد الجاسر أسأله عن مؤلف عمه الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجاسر الذي ألفه عن قبيلة تميم وعنوانه "تحفة الأحباب في أعيان تميم والرباب"، فأفادني الشيخ عمر أن عمه أخذ في تأليفه 20 عاما، وأن الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ قدم له، وقال الشيخ عمر: إن الشيخ حسن آل الشيخ أرسل لي شخصيا رسالة يستفسر فيها عن الكتاب. ويقول الشيخ عمر: إن عمي قد طلب مني طبع الكتاب المذكور, ولكني تأخرت وسوفت، فلما ذهبت إليه لآخذه للطبع كانت نظرة عمي قد تغيرت تجاه الكتاب".
وأيضا يتداول الباحثون روايات عديدة في سبب اختفائه. وليس لنا سوى المزيد من الحسرات على هذا التراث الذي بذل فيه أصحابه جهودا كبيرة ومضنية، ثم تذهب هذه الجهود سدى.
والشيخ ابن جاسر عالم موسوعي، فإضافة إلى معرفته العميقة بالفقه وعلوم الدين، فهو نسابة ومؤرخ وجغرافي يكاد يحفظ أغلب مواضع الجزيرة العربية، بل يروي ما قيل فيها من أشعار، وما ذكر عنها من أخبار، وما دار حولها من أحداث ومعارك منذ الجاهلية وحتى العصر الحديث.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من المشراق