FINANCIAL TIMES

عودة التقلبات المفاجئة إلى الأسواق العالمية صدمة توقظ المريض من الغيبوبة

عودة التقلبات المفاجئة إلى الأسواق العالمية صدمة توقظ المريض من الغيبوبة

عودة التقلبات المفاجئة إلى الأسواق العالمية صدمة توقظ المريض من الغيبوبة

من المألوف تقديم مقارنات وأمثلة طبية أو بيولوجية للأسواق في هذه الأيام. منذ الأزمة، بدت المحاولات الرامية إلى وضع نماذج لحركة التفاعلات المالية على غرار ما يجري في العلوم الدقيقة مثل الفيزياء أو الرياضيات أمرا ساذجا، على الرغم من أن تصوير نموذج الأسواق وكأنها كائن حي، يبدو أمرا أكثر قبولا الآن.
على هذا الأساس، يمكن تشبيه عودة التقلبات المفاجئة إلى الأسواق العالمية الأسبوع الماضي، وكأنها صدمة توقظ المريض من حالة غيبوبة مستحثة طبيا.
بعد فترة طويلة بشكل غير طبيعي عندما كانت التقلبات في حدها الأدنى – أكثر الأعوام هدوءا العام منذ أكثر من نصف قرن، نمت خلاله أسواق الأسهم باطراد من دون انقطاع - تلقى المريض أخيرا حافزا، وأظهر أن ردود الفعل لهذا الحافز تعمل بشكل طبيعي.
جاء الإثبات على شكل حالة من التشنج القوي النشط، في الوقت الذي سجل فيه مؤشر "فيكس" الخاص بتقلبات البورصات الأمريكية، والذي يعرف باسم "مقياس الخوف" في وول ستريت، أكبر قفزة مئوية قياسية، في الوقت الذي تراجعت فيه البورصات في الولايات المتحدة وبقية دول العالم بشكل مفاجئ.
كانت تلك حادثة عنيفة، أسرع "عملية تصحيح" - انخفاض بنسبة تزيد على 10 في المائة - عاناها مؤشر ستاندرد آند بورز 500 الأمريكي العريض والمعياري أكثر من أي وقت مضى، عندما بدأ من أعلى مستوى على الإطلاق. بعد مضي أسبوع، انعكس مسار أكثر من نصف ذلك الانخفاض، لكن الأعصاب لا تزال متوترة. وهذا أمر جيد.
بافتراض أن العالم لا يزال ملتزما بالرأسمالية، حينها سيحتاج إلى أسواق رأسمالية لكي يعمل. ويجب أن يسمح لها بأن تؤدي عملية التدمير الخلاق، بحيث يتم قتل الشركات الأضعف وتوجيه رأس المال إلى مواطن، يمكن أن تساعد الاقتصاد على الازدهار.
الأفكار التي تقول إن الأسواق تتمتع بكفاءة تامة وتتحرك بسهولة لاستيعاب كل معلومة جديدة، الأمر الذي كان يشكل أساس المنتجات المالية التي انهارت في عام 2008، تبدو الآن محرجة.
تتخطى الأسواق وتخطئ في كلا الاتجاهين، وتفقد أحيانا هدوءها. وهذه هي الطريقة الوحيدة التي تأمل الأسواق في اتباعها لتكون الأمور سليمة في النهاية.
فكرة أن الأسواق لا تزال أفضل وسيلة لتخصيص رأس المال من أية فكرة أخرى، لا تزال قائمة.
خلال الفترة الطويلة من الغيبوبة الناجمة عن التسهيل الكمي، خسرت الأسواق وباطراد قدرتها على تنفيذ عملية اكتشاف الأسعار. الأسواق العامة واقعة تحت سيطرة الأدوات السلبية، التي تتعقب فقط المؤشرات العامة ولا تحاول تحديد أي الأسهم رخيصة دون الحد وأيها مكلفة فوق الحد.
مع هدوء الأسواق العامة بشكل غير طبيعي، انتقل البحث عن الأرباح إلى أماكن أخرى، بحيث أدى ذلك إلى نشوء "وحيدات القرن"- شركات تصل قيمتها إلى مليار دولار أو أكثر من دون أن يتم إدراجها في البورصة.
كما أن تشنج التقلبات أمر مرحب به أيضا لأنه يبين أن السوق، أو مجموعة المستثمرين، على استعداد لمواجهة الواقع. دورة الأعمال التجارية لم تنته بعد، والضغوط التضخمية آخذة في الارتفاع. تلك الحكاية هي التي استثارت حالة التشنج، ومن نواح كثيرة تعتبر أمرا يبعث على الاطمئنان.
عودة التضخم من شأنها أن تبين أن الاقتصاد يعود أخيرا إلى وضعه الطبيعي. إن كان بإمكان الأسواق استيعاب مثل هذه الظروف، فهذا أمر مشجع. انقضى جيل منذ أن كان التضخم في النهاية قضية خطيرة بالنسبة للاقتصادات الغربية، لذلك فإن المبالغة في رد الفعل مثل ما حصل الأسبوع الماضي، لن تكون أمرا مفاجئا ولا مؤذيا.
لسوء الحظ، تشير المقارنات بالطب أيضا إلى حصول مشاكل. عندما نوقف دعم الحياة للمريض، نكتشف أحيانا أنه غير قادر على العيش بشكل مستقل. والصدمة القصيرة الحادة يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بنوبة تشنجية أو الموت.
بتخفيف لهجة الكلام قليلا، سنرى أن العلاجات المسكنة التي لجأت إليها المصارف المركزية تسبب الإدمان الشديد. واتخاذ التدابير الجذرية للإقلاع عن هذا الإدمان أمر مبرر طبيا، لكن عملية التخلص من الإدمان عملية طويلة وشاقة.
ليس من الواضح أبدا ما إذا كانت الهياكل والممارسات الاستثمارية التي تكيفت مع بيئة التسهيل الكمي، يمكنها البقاء كنظام أيكولوجي في البيئة الجديدة التي نشأت بفعل تزايد التقلبات.
وكان الحافز وراء عمليات البيع الضخمة هو فشل المنتجات الأمر الذي سمح للمستثمرين بالمراهنة على أن التقلبات لن تعود - وبالتالي جعل الأمر أرخص بكثير على مديري المحافظ الاستثمارية الكبيرة، شراء التأمين مقابل عودة التقلبات.
فترة التقلبات المتواصلة المنخفضة الأخيرة كانت تلقب باسم "الاعتدال العظيم" وجاءت قبل أزمة الائتمان التي اندلعت في عام 2007. في ذلك الحين، ثبت أن تركيبة منتجات الائتمان المهيكلة المستندة إلى أسس هشة غير قادرة على البقاء بمجرد ارتفاع سعر الائتمان، وعادت التقلبات.
الآن، الهندسة المالية لفترة ما بعد الأزمة على وشك أن تقع تحت الامتحان. في الوقت الذي من المستبعد فيه تماما أن تكون قاصرة بشكل مذهل على النحو الذي كانت عليه بنية الائتمان في عام 2007، يشعر كثيرون بالتوتر إزاء ما يمكن أن ينتج.
وفيما يتعلق بموظفي الدعم الطبي، من غير الواضح تماما إن كانت صناعة الاستثمار تمتلك الآن المهارات اللازمة لمساعدة الأسواق في عملية اكتشاف الأسعار.
عملية انتقاء الأسهم من الأدنى إلى الأعلى استنادا إلى التحليل الدقيق لأساسيات الميزانية العمومية للشركات، أضحى فنا باليا، فهو ليس مهارة مفيدة لفترة من الزمن.
على أية حال، صناعة إدارة الأموال كما هي مشكلة حاليا تكافئ موظفيها على التجمع بطريقة تتجنب المخاطر، مع التأكد من أن النتائج مشابهة بما يكفي لنتائج كل شخص آخر من أجل تجنب رؤية تلك الأموال، تتعرض للسحب من قبل العملاء.
إنها لم تتشكل لمكافأة منتقي الأسهم الحذرين على تحليلهم للمخاطر، والانتظار بصبر من أجل تحقيق الأرباح طويلة الأجل.
من السليم تبديد جو الهدوء غير الطبيعي، لكن بعد التعرض للتخدير لفترة طويلة، ربما لا تصبح كل الأسواق مناسبة للبقاء على قيد الحياة في البيئة الجديدة، فالهدف من وجود الأسواق الرأسمالية هو أن تكون أماكن قاسية لا ترحم - ومرحلة إعادة الدخول إليها، تبشر بأن تكون مرحلة خطيرة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES