Author

المنظمة الدولية .. ومأزق حقوق العرب في القدس الشريف

|

حينما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها في عام 1945 دعت الولايات المتحدة كل دول العالم للاجتماع في سانفرانسسكو في ولاية كاليفورنيا لمناقشة إنشاء هيئة الأمم المتحدة بدلا من عصبة الأمم.
وكان الهدف الرئيس من إنشاء منظمة الأمم المتحدة هو إنشاء منظمة أقوى تستطيع أن تمنع الحروب وتكرس الأمن والسلم الدوليين!
وكان المجتمعون يرون أن عصبة الأمم فشلت في حماية الأمن والسلم الدوليين، وأنها لم تكن من القوة، بحيث تستطيع أن تمنع اندلاع الحرب العالمية الثانية ( 1939ــ 1945)، ولذلك يتعين إلغاء عصبة الأمم وإنشاء منظمة الأمم المتحدة لتحل محلها.
والآن مضى على إنشاء منظمة الأمم المتحدة أكثر من 70 عاما، وما زالت الحروب والصدامات المسلحة تنتشر في كل مكان من العالم، بل ما زالت الدول العظمى تمارس أدوارا مشبوهة هنا وهناك تؤدي إلى تأجيج الصراعات بين الدول، وتساعد هذه الدول أو تلك لمزيد من التوتر وعدم الاستقرار!
وواضح مما يجري في مناطق التوتر أن عصبة الأمم ظُلمت، حينما اُتهمت بأنها لم تكن قادرة على منع اندلاع الحرب العالمية الثانية، لأن قرارات الأمن والسلم الدوليين هي قرارات تتخذها الدول الأعضاء في المنظمة وليس المنظمة، إذ إن المنظمة الدولية هي مجرد سكرتارية أو أمانة عامة وظيفتها تنفيذ القرارات التي تتخذها الدول الأعضاء، ولا تملك المنظمة أي حق لمنع هذه القرارات أو اتخاذ أي قرار مخالف للقرارات التي تتخذها الدول الأعضاء.
أؤكد هنا أن هيئة الأمم المتحدة (مجلس الأمن)، أو جامعة الدول العربية، أو مجلس التعاون الخليجي ليست دولا تملك قراراتها وليس لها جيوش تأتمر بأمرها، وليس لها إدارة تملك سلطاتها، وإنما هي منظمات دولية أو إقليمية دولية لا تزيد على كونها سكرتارية للدول الأعضاء تنفذ ما تصدره هذه الدول الأعضاء من قرارات وتعليمات!
ولذلك فإن من يعيب على جامعة الدول العربية أو مجلس التعاون الخليجي تخاذلهما في الدفاع عن القضايا العربية أو القضايا الخليجية الكبرى يخطئ ويجانبه الصواب، وإنما الملامة تقع على الدول الأعضاء في الجامعة العربية أو مجلس التعاون الخليجي التي لم تتخذ القرارات المناسبة لحماية المكتسبات العربية أو الخليجية.
ويبدو من الشكل العام الذي عليه مجلس الأمن الدولي بعد مرور نحو 70 عاما من إنشائه أن المجلس هو بمنزلة الجائزة الكبرى التي غنمتها الدول التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية، فأصبحت قرارات المجلس لا تراعي قضايا الأمن والسلم الدوليين، بل تراعي المصالح الخاصة لهذه الدول، وهذه الدول هي الولايات المتحدة خاصة والغرب عامة، أما بقية دول العالم فهي دول مغلوبة على أمرها، ويكفي أن يكون مصير العالم كله في (حق الفيتو) الذي منحه مجلس الأمن بغير وجه حق لخمس دول فقط تقرر مصير العالم كله.
بمعنى أن مقولة إن منظمة الأمم المتحدة هدفها الرئيس هو حماية الأمن والسلم الدوليين مقولة غير صحيحة، بل قرارات مجلس الأمن هي لحماية مصالح مجموعة من الدول بعينها، وما إسرائيل إلا مصلحة كبرى لبريطانيا (العظمى) والولايات المتحدة (الكبرى) وفرنسا (الحرة)، ثم بقية القطيع.
الأمر من هذا وذاك أن بعض دول مجلس الأمن تقترح وتتبنى قرارات المجلس وتدعو إلى التصويت عليها، ثم بعد مرور فترة زمنية من الوقت تنقلب على كل ما اقترحته وتبنته وصادقت عليه، وتقوم بأفعال مناقضة لتلك القرارات، خذ الولايات المتحدة التي كانت من الدول الرئيسة التي وافقت على قرار مجلس الأمن رقم 242، وهو القرار الشهير الذي طالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها بالقوة العسكرية في حرب 1967 الذي أشار إلى أن القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، ثم القرارات التي اتخذها مجلس الأمن وحذر جميع دول العالم من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبالتالي طالب بعدم نقل سفاراتها إلى القدس.
كل هذه القرارات وغيرها من قرارات هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الآمرة إلى إعادة الحقوق العربية المشروعة إلى أصحابها لم تمنع الولايات المتحدة من اتخاذ قرار منفرد في عام 2017 بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس وتجاهل كل القرارات السابقة التي صدرت من مجلس الأمن، والاعتراف ضمنا بأن كل الأراضي الفلسطينية المحتلة بالقوة العسكرية في حرب عام 1967 وما بعدها هي أراض إسرائيلية!
حقا شيء مؤسف أن تمارس دولة عظمى أسهمت في صناعة قرارات مجلس الأمن على مدى 70 عاما، تمارس دورا مزدوجا يبدأ بالاقتراح والتبني والتأييد والتوقيع على القرارات، ثم ينتهي بالانقلاب على نفسها، وعلى كل القرارات التي أسهمت في صياغتها وتبنيها وإصدارها ومباركتها.
أمام هذا الموقف الأمريكي المتقلب والمتغير، فإن إسرائيل ما زالت تتلاعب بقرارات المجتمع الدولي في ظل حماية كاملة من الولايات المتحدة وبعض الدول الكبرى في مجلس الأمن.
وفي ضوء ذلك يمكننا القول إن الدول التي خرجت منتصرة من الحرب العالمية الثانية، ودعت إلى تأسيس هيئة الأمم المتحدة وكل مؤسساتها هي التي تستغل الهيئة الدولية لتحقيق مآربها ومصالحها المشبوهة.
والسؤال الآن: هل مجلس الأمن يحمي الأمن والسلم الدوليين، أم أن مجلس الأمن يعمل على تقويض الأمن والسلم الدوليين؟!
المؤسف أن كثيرا من القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن منذ تأسيسه في عام 1945 قرارات تفتقر إلى مبادئ الحق والعدل والحيدة، ولذلك فإن القول إن مجلس الأمن هو الغنيمة التي كسبتها الدول التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية مقولة فيها شيء كبير من الصدقية.

إنشرها