المشراق

نجد والكويت لا تسكنهما الجن من شدة الحر.. أكذوبة

نجد والكويت لا تسكنهما الجن من شدة الحر.. أكذوبة

نجد والكويت لا تسكنهما الجن من شدة الحر.. أكذوبة

بين يدي الآن رحلة ابن بطوطة (ت 779هـ) المسماة "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، بتحقيق الدكتور علي المنتصر الكتاني، وهي الطبعة الرابعة التي صدرت عام 1405هـ/ 1985، وتقع في جزأين ومجموع صفحاتهما 832 صفحة. وكنت قرأت هذه الرحلة قديما، ورجعت لها مرارا، وما دفعني إلى مراجعة الرحلة هو كلام قرأته في رسالة وصلتني ضمن الرسائل التي تنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يعرف كاتبها ولا مصدرها. وتنسب هذه الرسالة كلاما إلى ابن بطوطة زاعمة أنه قال فيه: "مررت بأرض في وسط نجد لا تسكنها الجن من شدة الحر". وهو كلام لا يتفق مع ما أذكره من كلام ابن بطوطة عن نجد، ولا مع كلام غيره من الشعراء والأدباء والرحالة والمؤرخين ممن تحدثوا عن نجد، وتغزلوا بهوائها العليل. وعدت إلى رحلة ابن بطوطة (ص 305- 306) فوجدته يصف طريقه من البحرين إلى القطيف ثم هجر، التي قال إنها تسمى اليوم "الحسا"، ثم يقول بعد زيارته للأحساء، "ثم سافرنا منها إلى مدينة اليمامة وتسمى أيضا بحجر، مدينة حسنة خصبة ذات أنهار وأشجار، تسكنها طوائف من العرب، وأكثرهم من بني حنيفة، وهي بلدهم قديما، وأميرهم طفيل بن غانم، ثم سافرت منها في صحبة هذا الأمير برسم الحج وذلك في سنة 32 فوصلت إلى مكة شرفها الله تعالى". وفي موضع آخر (ص 191) يصف ابن بطوطة طريقه من مكة المكرمة إلى النجف في العراق، واجتاز خلاله أرض نجد، فيقول، "ثم رحلنا من وادي العروس ودخلنا أرض نجد، وهو بسيط من الأرض على مد البصر، فتنسمنا نسيمه الطيب الأرج، ونزلنا بعد أربع مراحل على ماء يعرف بالعسيلة ثم رحلنا عنه ونزلنا ماء يعرف بالنقرة، فيه آثار مصانع كالصهاريج العظيمة، ثم رحلنا إلى ماء يعرف بالقارورة، وهي مصانع مملوءة بماء المطر مما صنعته زبيدة ابنة جعفر، رحمها الله ونفعها، وهذا الموضع هو وسط أرض نجد فسيح طيب النسيم، صحيح الهواء، نقي التربة، معتدل في كل فصل".
هذا ما قاله ابن بطوطة عن نجد، وليس في رحلته نص الجن السابق. ثم عدت إلى محرك البحث جوجل، لأبحث عن مصدر هذه المقولة، وحملني "جوجل" إلى "تويتر" وهناك عثرت على تغريدة كتبها أ.د. طارق الحبيب يقول فيها، "قال ابن بطوطة، مررت بأرض في وسط نجد لا تسكنها الجن من شدة الحر!!" (منقول) رحم الله ابن بطوطة". والدكتور الحبيب يبين أنه نقل هذا الكلام عن غيره ولم يسمه، ومن الواضح أنه نقله ظانا صحة نسبته إلى ابن بطوطة. ثم رأيت عشرات التغريدات التي تنقل هذه الجملة المنسوبة إلى ابن بطوطة عن حر نجد، وكلهم يظنها صحيحة، كما رأيت بعض التغريدات التي تنكر ذلك، منها تغريدة للدكتور زاهر عثمان.
ثم قادني "جوجل" إلى صحيفة الوطن الكويتية لأجد مقالة لعبدالله الهدلق يذكر أن المقولة تتعلق بالكويت، يقول الهدلق، "ذكر الرحالة ابن بطوطة في كتابه عجائب الأسفار قائلا، ‏مررت بأرض دون أو أسفل البصرة يقال لها كاظمة ـ يقصد الكويت ـ لا يسكنها الجن من شدة حرها ولواهيبها، هذا ما قاله الرحالة ابن بطوطة عندما مر بالكويت صيفا، ولكن يبدو أننا تفوقنا على الجن". كما قادني "جوجل" إلى مقالة في صحيفة القبس الكويتية ليوسف الشهاب ذكر فيها أن مقولة ابن بطوطة عن كاظمة الكويتية، ونسب الشهاب إلى ابن بطوطة هذا النص، "مررت على موقع في جنوب البصرة، يقال له كاظمة ـ ويقصد كاظمة الكويتية ـ وهي شديدة الحرارة، لا يستطيع الجن العيش فيها". وعدت مرة أخرى إلى رحلة ابن بطوطة، فلم أجد أي ذكر لكاظمة في رحلته، فلم يمر بها قط. فالجملة السابقة هي أكذوبة محضة، لم يقلها ابن بطوطة ولا غيره من المتقدمين لا عن نجد ولا عن كاظمة، وإنما هي جملة مختلقة في السنوات الأخيرة، اختلقها نكرة مجهول، ليروجها مع الأسف بعض الفضلاء.
في رحلة ابن بطوطة من الغرائب والعجائب التي تحتاج إلى تحقيق وتدقيق للتأكد من صحتها وصحة نسبتها إليه ما يغنينا عن أكاذيب جديدة تلفق عليه.

ابن بطوطة:
ترجم له الزركلي في الأعلام وذكر أنه ولد سنة 703هـ وتوفي سنة 779هـ/ 130- 1377، وقال عنه، "محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي، أبو عبد الله، ابن بطوطة، رحالة، مؤرخ. ولد ونشأ في طنجة Tanger في المغرب الأقصى. وخرج منها سنة 725هـ فطاف بلاد المغرب ومصر والشام والحجاز والعراق وفارس واليمن والبحرين وتركستان وما وراء النهر وبعض الهند والصين والجاوة وبلاد التتر وأواسط إفريقية. واتصل بكثير من الملوك والأمراء، فمدحهم، وكان ينظم الشعر، واستعان بهباتهم على أسفاره. وعاد إلى المغرب الأقصى، فانقطع إلى السلطان أبي عنان، من ملوك بني مرين، فأقام في بلاده. وأملى أخبار رحلته على محمد ابن جزي الكلبي في مدينة فاس سنة 756 وسماها "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" ط. ترجمت إلى اللغات البرتغالية والفرنسية والإنجليزية، ونشرت بها، وترجمت فصول منها إلى الألمانية نشرت أيضا. وكان يحسن التركية والفارسية. واستغرقت رحلته 27 سنة 1325 - 1352 ومات في مراكش. وتلقبه جمعية كمبردج في كتبها وأطالسها بأمير الرحالين المسلمين Prince of moslems travellers وفي نابلس بفلسطين أسرة الآن تدعى بيت بطبوط، وتعرف ببيت المغربي وبيت كمال، تقول إنها من نسل ابن بطوطة".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من المشراق