default Author

إفريقيا .. ضرائب وديون .. وإيرادات

|


تقوم الإيرادات الضريبية بدور حيوي في إيجاد حيز في الموازنة العامة للإنفاق على الخدمات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم والاستثمارات العامة. ولما كانت مستويات الدين العام قد سجلت ارتفاعا حادا في إفريقيا جنوب الصحراء، فإن زيادة الإيرادات الضريبية هي أداة تثبيت الدين الأكثر أمانا بالنسبة للنمو. وبشكل أعم، يحتل بناء القدرات الضريبية موقعا محوريا في أي استراتيجية إنمائية ممكنة لتلبية الاحتياجات المستمرة للتوسع في خدمات التعليم والرعاية الصحية، وسد فجوات البنية التحتية الكبيرة.
وسيتسمر حرصنا دائما في تقديم المشورة على مراعاة ظروف كل بلد وكل سياق، لكننا نرى إمكانية رفع الإيرادات الضريبية بنحو 1 في المائة من إجمالي الناتج المحلي سنويا على مدار السنوات الخمس المقبلة تقريبا في كثير من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء. ورغم أن هذه النسبة تمثل هدفا طموحا، فإن تجارب المنطقة وغيرها تشير إلى إمكانية تحقيقه بصورة قابلة للاستمرار ومواتية للأعمال. وجدير بالذكر أن تحسين القدرات المحلية في مجال تحصيل الضرائب والإيرادات الأخرى هو أحد الأهداف التي اتفقت عليها البلدان ضمن أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
زاد متوسط الإيرادات الضريبية من غير الموارد الطبيعية في المنطقة على مدار السنوات القليلة الماضية، ولكنها لا تزال منخفضة بالمعايير الدولية وبالنسبة لاحتياجات الإنفاق الكبيرة على التنمية في المنطقة.
ويشكل الهيكل الضريبي أهمية أيضا. واليوم، على خلاف الاقتصادات المتقدمة، تعتبر نسبة ضرائب الدخل الشخصي منخفضة نسبيا في المنطقة، في حين أن نسبة ضرائب الاستهلاك أعلى. وبمرور الوقت، مع زيادة الدخول وانتقال مزيد من الأنشطة الاقتصادية إلى القطاع الرسمي، يمكن أن تتوقع البلدان دورا أكبر لضرائب الدخل في تحصيل الإيرادات.
وهذا هو الاتجاه العام طويل الأجل في الاقتصادات المتقدمة، حيث زادت نسبة الضرائب الحديثة التي تتضمن ضرائب الدخل والقيمة المضافة، بينما انخفضت نسبة الضرائب التقليدية (بما فيها ضرائب التركات والضرائب الانتقائية وضرائب المبيعات، والرسوم الجمركية).
ونرى اتجاهات مماثلة في إفريقيا جنوب الصحراء، فعلى سبيل المثال، انخفضت الأهمية النسبية لإيرادات الضرائب التقليدية على مدار 25 عاما الأخيرة من نحو 75 في المائة إلى أقل من 40 في المائة من مجموع الإيرادات الضريبية. والفارق الأساسي بين هذين النوعين من الضرائب هو أن الضرائب الحديثة تعتمد على المعلومات المستمدة من الغير، مثل أصحاب الأعمال والمصارف وصناديق الاستثمار والتقاعد، في حين أن الضرائب التقليدية القائمة على الإقرار الذاتي تتطلب قدرا أقل من المعلومات وتتسم بسهولة أكبر في إدارتها.
ونظرا للوقت الذي يستغرقه بناء القدرات لتحصيل مزيد من ضرائب الدخل الشخصي، فمن المرجح أن تكون ضرائب القيمة المضافة والضرائب الانتقائية هي أكبر مصدر محتمل للإيرادات الإضافية على مدار السنوات القليلة المقبلة. فعلى سبيل المثال، تشير دراسات أجراها الصندوق أخيرا إلى احتمال تحصيل إيرادات قدرها نحو 3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي من ضريبة القيمة المضافة في كابو فيردي والسنغال وأوغندا، و0.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي من الضرائب الانتقائية في كل بلدان إفريقيا جنوب الصحراء. ويمكن أن يؤدي إجراء إصلاحات في تصميم النظم الضريبية للصناعات الاستخراجية مثل النفط والغاز إلى مساعدة البلدان على أن تحقق للحكومة نصيبا أكثر عدالة من الإيرادات دون الإضرار بالاستثمار.
ويأتي تأثير سياسة المالية العامة في توزيع الدخل من جانبي النفقات والضرائب. ففي البلدان التي تتميز سياسة المالية العامة فيها بتأثيرها الكبير في الحد من عدم المساواة، يأتي معظم هذا التأثير من خلال الإنفاق، وهو ما يكتسب أهمية خاصة عند تقدير ضريبة القيمة المضافة. فبينما يمكن أن تكون ضريبة القيمة المضافة تنازلية، يرجح أن يكون التأثير الكلي في عدم المساواة إيجابيا إذا استخدمت الإيرادات في تمويل النفقات والبرامج الاجتماعية الموجهة للفئات الأقل دخلا.
ومن المهم أيضا النظر في مصادر جديدة للإيرادات، كالضرائب العقارية. وتعد مساهمة الضرائب العقارية بالغة الانخفاض حاليا ــــ لا تزيد على 0.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. وإضافة إلى إمكاناتها الإيرادية الكبيرة، يمكن أن تستخدمها البلدان كأداة لإعادة توزيع الدخل. وتتسم الضرائب العقارية بالعدالة والكفاءة، ولكن فعالية تصميمها وتنفيذها تعتمد على القدرات الإدارية. وفي الحالات التي لا يتسنى فيها تنفيذ الضرائب العقارية المتعارف عليها، ربما تكون هناك نظم مبسطة بديلة تستطيع الحكومات استخدامها، مثل النظم القائمة على المساحة. كذلك فإن استخدام التكنولوجيات الجديدة لرسم الخرائط وتحصيل الضرائب يتيح فرصا كبيرة للتقدم بخطى واسعة نحو نظم ضريبية أفضل.
وبخلاف الحاجة إلى إعادة ضبط الضرائب الحالية والنظر في ضرائب جديدة، هناك عدة عوامل إضافية تعوق تحقيق الإمكانات الضريبية في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء:
ـــ فهناك مواطن ضعف واضحة في مجالات تصميم السياسات والأطر القانونية والتنظيمية والإدارة الضريبية. ومن أمثلة ذلك الاستخدام المفرط للإعفاءات والحوافز الضريبية، إضافة إلى تآكل القواعد الضريبية ونقل الأرباح بعيدا عن المنطقة.
ــــ ويؤدي ضعف الصياغة القانونية إلى تفسير القواعد السائدة بصورة جزافية وزيادة تكلفة الامتثال.
ـــ ومما يشير إلى مواطن ضعف كبيرة في الإدارة الضريبية الافتقار إلى عمليات التدقيق القائمة على المخاطر، وضعف التنسيق بين الإدارة الضريبية والجمركية، وانخفاض مستويات تقديم الإقرارات الضريبية، والاستخدام المحدود للتكنولوجيات الحديثة، والخدمات غير الكفؤة المقدمة لدافعي الضرائب.
وللمساعدة في معالجة هذه العيوب، يعمل الصندوق مع البلدان الأعضاء بسبل متعددة منها مراكزه الإقليمية للمساعدة الفنية لوضع استراتيجيات للإيرادات على المدى المتوسط. وقد أنشأت منصة التعاون بشأن الضرائب هذا المفهوم واقتراحه، وهو خريطة طريق عالية المستوى يمكن أن تستخدمها البلدان لإصلاح النظام الضريبي في غضون فترة تتراوح بين أربع وست سنوات.

إنشرها