FINANCIAL TIMES

مصارف آسيوية تقاوم شراسة «أسماك القرش» الصينية

مصارف آسيوية تقاوم شراسة «أسماك القرش» الصينية

كانت قاعة المؤتمرات مكتظة بالعشرات من الدائنين الغاضبين، الذين يمثلون أكبر المصارف في آسيا. لقد أرادوا معرفة ما حدث لقرض بقيمة 650 مليون دولار، منح في آذار (مارس) 2014 إلى شركة الأسماك الصينية وشركات ذات صلة، مع تزايد المخاوف من عدم سدادها مطلقا.
كان ذلك في كانون الأول (ديسمبر) 2015، وراوح الدائنون بين مصارف HSBC وستاندرد تشارترد إلى مايبانك، أكبر مجموعة للخدمات المالية في ماليزيا.
وكانت تلك المصارف قد استدعت إن جي جو سيانج، الرئيس التنفيذي آنذاك لشركة الأسماك الصينية، وهي الشركة التي تسيطر عليها إحدى العائلات ومقرها هونج كونج، لشرح السبب في توقف الشركة عن الامتثال لشروط الدين - المؤمن لإعادة تمويل عملية شراء لأعمال مصائد الأسماك في بيرو في عام 2013.
في غضون دقائق سمع صوت إن جي وهو يصرخ في جمهور من الحضور، وهم يستجوبونه بلا هوادة على ما حدث لأموالهم، وفقا لثلاثة أشخاص حاضرين.
بعد عامين من ذلك الاشتباك في مكاتب "مايبانك "في الطابق الـ 18 من برج سيتيك في هونج كونج، لا يزال الدائنون ينتظرون.
منذ ذلك الحين تحولت المشاحنات إلى نيويورك، حيث قدمت الشركة طلبا للحماية من الإفلاس بموجب الفصل الـ 11 من القانون التجاري الأمريكي في حزيران (يونيو) 2016، وهو ما أثار دهشة الدائنين في هونج كونج.
عند إيداع الطلب لدى محكمة أمريكية، أثار بعض هؤلاء الدائنين مخاوف بشأن أسرة إن جي بسبب "التعاملات المشكوك فيها التي بلغ مجموعها أكثر من مليار دولار، والاشتباه في المبالغة في الإيرادات والمبالغ المستحقة القبض والمدفوعات المسبقة" التي قدمتها المجموعة.
وطلبوا من المحكمة تعيين وصي، وليام برانت، الذي يتنقل بين أمريكا الجنوبية ونيويورك وسنغافورة وهونج كونج، في محاولة لبيع الأصول بما في ذلك الأعمال في بيرو.
وقد أثار تحقيق مستقل في الشؤون المالية للمجموعة، قامت به FTI، الشركة الاستشارية، أسئلة حول الوجهة النهائية لبعض الأموال التي قدمتها المصارف.
يتولى برانت التحقيق في هذا الجانب من القضية، وفقا لوثائق المحكمة. وفي الوقت نفسه، تنفي عائلة إن جي وعلى الأقل أحد المحامين الذين يمثلون الأسرة، بيرتي ميهيجان من مكتب محاماة ميهيجان في هونج كونج، أن الأسرة قد ارتكبت أي خطأ.
امتنعت المصارف عن التعليق على صفقة قرض شركة الأسماك الصينية. وقد باعت جزءا كبيرا من ديونها لصناديق تحوط على جانبي المحيط الباسيفيكي في الأشهر الأخيرة. غير أن القضية أثارت أسئلة عما إذا كانت المصارف، في بعض الحالات، تبذل ما يكفي من العناية الواجبة، قبل أن تقدم القروض إلى العملاء من الشركات، على الرغم من الضمانات الإضافية التي أقرتها الهيئات التنظيمية بعد الأزمة المالية.
يقول المحامي الذي يمثل بعض حاملي السندات: "تحول الأمر إلى لعبة لوم ضخمة. لماذا لم يقل أحد في ذلك الوقت: من أين بدأ الأمر؟ كيف فاتنا ذلك؟"
تجلس أسرة إن جي على رأس شركة مباشرة نسبيا لصيد الأسماك الصناعية. منذ إطلاق شركة الأسماك الصينية في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، وسفنها تجوب المحيطات من ساحل تشيلي إلى المياه الباردة حول فلاديفوستوك.
مصانعها - معظمها في الصين ولكن لديها منشأة واحدة عائمة - تحول الصيد إلى مسحوق السمك، وأصابع الأسماك المجمدة.
في المقابل، فإن هيكلها التنظيمي هو أبعد ما يكون عن كونه بسيطا. في الجزء العلوي من المجموعة توجد شركة إن إس هونج للاستثمار المملوكة للقطاع الخاص، والمسجلة في جزر فيرجن البريطانية، صاحبة حصة مسيطرة في شركة باسيفيك أندس الدولية القابضة أو PAIH، التي أدرجت في هونج كونج في عام 1994.
بعد عامين من ذلك أدرجت الأسرة شركة باسيفيك أندس لتنمية الموارد، التي امتلكت فيها PAIH حصة تبلغ 66.5 في المائة اعتبارا من عام 2016، في سنغافورة.
وهي تسيطر على الأصول الأكثر قيمة لمجموعة شركة الأسماك الصينية، أعمال بيرو كوبينكا، التي دفعت مقابلها 800 مليون دولار في عام 2013.
تضم المجموعة عشرات الكيانات الأخرى. قدمت 16 منها طلبا لإعلان إفلاسها بموجب الفصل 11 من قانون الإفلاس في نيويورك في عام 2016. ومنذ ذلك الحين قدمت 21 شركة أخرى أيضا طلبا لذلك. تم تعليق الأسهم المدرجة في هونج كونج وسنغافورة عن التداول منذ تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2015.
بشكل منفصل، مجموعة كارلايل، شركة الأسهم الخاصة التي أنفقت 186.6 مليون دولار على حصة أقلية في شركة الأسماك الصينية في عام 2010، بتخفيض قيمة استثماراتها الخاصة إلى 12 مليون دولار، وفقا للوثائق التي بعثت بها للمساهمين. ورفض متحدث باسم شركة كارلايل التعليق.
في الأشهر الأخيرة، حاولت مجموعات الاستحواذ بما في ذلك بويو كابيتال، و KKR وPAG وضع قيمة على الشركة، ولكنهم يقولون إنهم يجدون أن مسار المال معقد فوق الحد على نحو لا يمكن متابعته، ومن الصعب التعامل مع الأسرة المسيطرة، والعملية فوضوية للغاية.
أحد التنفيذيين في الأسهم الخاصة في هونج كونج يصف أموال المجموعة بأنها "هيكل سباغيتي". وقد نظرت شركته في شراء شركة الأسماك الصينية في العام الماضي، قبل أن تقرر أن عبء الديون كان ثقيلا فوق الحد.
ويقول: "من الصعب فرز القروض التي بين الشركات، هناك الكثير من الديون على كل مستوى، وقيمة أصولها المادية منخفضة مقارنة بمستوى الاقتراض، وهذا دلالة على الجنون. ما الذي يجعل أي شخص يتكفل بهذا الكم الكبير من الديون؟"
إلقاء نظرة فاحصة على الأرقام التي أبلغت عنها الشركات العامة من المفترض أن يثير بعض الأسئلة.
على سبيل المثال، أفادت PAIH، وهي الكيان المدرج في هونج كونج الذي يقع مباشرة تحت الشركة القابضة التي تسيطر عليها الأسرة، في تقريرها عن إيرادات مجمعة بلغت في عام 2014 نحو 12.5 مليار دولار هونج كونج (1.6 مليار دولار)، في حين بلغ مجموع قيمة مدفوعاتها مجتمعة والفواتير والذمم المدينة الأخرى والمدفوعات مقدما نحو 11.9 مليار دولار هونج كونج – وهو ما يساوي إيراداتها.
ومع ذلك، فإن الدائنين بمنح قروض تزيد على 750 مليون دولار – أي قروض بالغة 650 مليون دولار كان المصرفيون متوترين بشأنها، إضافة إلى قروض إضافية من بنك مايبانك - إلى المجموعة.
وعلى الرغم من أن شركة الأسماك الصينية انتهكت شروط القرض على الفور، إلا أن المصارف منحت ثمانية تعديلات وتمديدات وإعفاءات بين نيسان (أبريل) 2014 وتشرين الثاني (نوفمبر) 2015، أي قبل أسابيع قليلة من المواجهة في مكتب بنك مايبانك.
لا تعترض الأسرة على أن الشركة انتهكت أحكام الاتفاقات، لكنها تقول إنها حاولت توضيح أن الكثير من مشاكل شركة الأسماك الصينية تنبع من تأثير ظاهرة إل نينيو، نظام طقس المحيطات، بين عامي 2013 و2015.
يقول أحد المصرفين بين المقرضين: "كنا نظن أنها شركة تجارية. كان هذا هو نموذج أعمالها. بالتالي حين يكون لديها هذا العدد الكبير من المستحقات التجارية والمدفوعات المسبقة، لم يكن أمرا مستغربا طالما كانت هناك سلع صالحة تستند إليها. أحيانا تراهن على نحو خاطئ".
البعض الآخر أكثر انتقادا للمصارف. يقول أحد المحامين الذي طلب عدم الكشف عن هويته: "أصبح الحرص الواجب بشأن القروض مجرد تعبئة المربعات الموجودة في استمارات القرض، وليس تقييما حقيقيا للجدارة الائتمانية على مدى الزمن. كانت مجموعة صغيرة من المصارف التي أصبحت متهاونة".
يقول أفراد الأسرة إن الأرقام الصادرة عن PAIH هي علامة على تعطل العمليات في بيرو نتيجة ظاهرة إل نينيو وتصر على أن الدفعات المسبقة - هوية الأشخاص الذين حصلوا على الأموال لم تحدد في الحسابات - كانت دفعات مقدمة مشروعة لموردين روس.
أشار إن جي في الإشارة الوحيدة إلى روسيا في إعلان النتائج الأولية عام 2014: "على الرغم من الظروف الاقتصادية غير المؤكدة أخيرا في روسيا، قدرتنا على استجلاب الأنواع البحرية من روسيا لم تتأثر. نحن واثقون بأن رد المبالغ المدفوعة مقدما بموجب اتفاقات توريد طويلة الأجل سيتم وفقا لجدول زمني".
يقول ميهيجان: "أحد الدروس المستفادة من هذه الحالة بالنسبة للشركات المملوكة للأسرة، هي أن المصارف التي تتعامل على أساس علاقة طويلة الأجل يمكن أن تكون متقلبة للغاية. ومع ذلك، واصلت عائلة إن جي محاولة الحفاظ على القيمة واستخراجها لجميع أصحاب المصلحة وليس للمصارف، التي سوف تسترد جميع المبالغ المستحقة لها بغض النظر عن نتيجة عملية إعادة الهيكلة".
في أواخر عام 2014، كلف بنك HSBC مكتب FTI في هونج كونج لمعرفة ما حدث للأموال التي قدمها المصرف إلى شركة الأسماك الصينية - أكثر من 100 مليون دولار.
ولم يبلغ الدائنين الآخرين بالتحقيق الذي كان سبب إثارته جزئيا مخاوف بشأن انتهاء الأعمال الروسية.
FTI، في تقريرها المؤرخ 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، حددت عدة صفقات وتحويلات نقدية مشكوك فيها داخل وحدات شركة الأسماك الصينية، وأشارت إلى أن الكيانات المؤسسية ذات الصلة بأسرة إن جي كانت متورطة في حركة دائرية للأموال. نفت الأسرة وميهيجان بشدة هذا وقالوا إن جميع المدفوعات كانت للروس مقابل إمدادات الأسماك. علاوة على ذلك، أي حركات أموال دائرية لا تشير بالضرورة إلى ارتكاب مخالفات.
تقول جيسي، شقيقة إن جي، التي حلت محله رئيسة تنفيذية بعد وقت قصير من اجتماع المصرفيين في عام 2015 "نحن نمثل البنك لموردينا الروس. أحد الأسباب التي جعلتنا كبارا للغاية هي اتفاقات التوريد طويلة الأجل المذكورة. إنها ميزة تنافسية لدينا".
نتيجة لانزعاج HSBC من تقرير FTI، قدم المصرف طلبا من جانب واحد لوضع الشركة في تصفية مؤقتة في هونج كونج.
وكان بعض المصرفيين الآخرين شديدي السخط من حركة HSBC، خوفا من أن ينظر إلى مزاد أصول شركة الأسماك الصينية على أنه بيع سريع بأسعار رخيصة، من شأنه أن يجعل من المستحيل عليهم استرداد كامل ديونهم.
قال جاي إيشيروود، وهو تنفيذي مسؤول عن مخاطر الائتمان في بنك ستاندارد تشارترد، في إحدى محاكم نيويورك إن المقرضين "فوجئوا بالخطوات الأحادية الجانب التي اتخذها HSBC دون التشاور، نظرا للجهود المكثفة التي بذلت لإعادة هيكلة المديونية بالتراضي حتى الآن".
بعد أسابيع، سحب HSBC طلبه. بيد أنه نجح في الحصول على حكم قضائي يسمح له بالاحتفاظ بمواد إجراءات التصفية الخاصة فيما يقول المحامون إنه خطوة غير عادية. طلب التصفية وطلب إبقاء تقرير FTI سريا هما موضع تحقيق مستمر يجريه الوصي في نيويورك. ورفض HSBC التعليق على ذلك.
كجزء من صفقة لجعل HSBC يسحب قراره، وافقت شركة الأسماك الصينية على قبول مسؤول إعادة الهيكلة، وتعيين شركة محاسبة مستقلة لبيع أعمالها في بيرو.
بعد ستة أشهر، وقبل أن تستوفي الشركة هذه الشروط، في 30 حزيران (يونيو) 2016، قدمت شركة الأسماك الصينية طلبا للحماية من الإفلاس بموجب الفصل 11 في نيويورك، "لأن المحاكم الأمريكية هي أكثر ودية مع المدينين"، بحسب ما تقوله إن جي.
تقرير ثان من FTI في كانون الثاني (يناير) 2017، الذي تم إعداده بصفتها مصفيا لبعض الأجزاء الأصغر من المجموعة، عمق المخاوف.
وأثار تساؤلات حول مدفوعات الشركة وقال: "لا يوجد دليل على أي أموال دفعت إلى شركات الصيد الروسية".
تنفي الأسرة الادعاءات الواردة في تقارير FTI. وتقول إن مبلغ 650 مليون دولار الذي قدمته مجموعة المصارف لإعادة تمويل شراء العمليات في بيرو، إما أنه ذهب لتسديد خطوط الائتمان السابقة أو لتمويل الموردين الذين يعملون قبالة ساحل روسيا.
علاوة على ذلك، تلوم الأسرة التقرير الأولي للشركة الاستشارية FTI فيما يتعلق بمشاكلها اللاحقة. "تسبب HSBC في تأثير الدومينو في السلسلة بأكملها"، كما تقول إن جي. "كان هناك تدمير للقيمة على كل مستوى".
امتنع HSBC عن التعليق على ذلك.
لا يزال من غير الواضح مقدار المال الذي سوف تسترده المصارف. قدم دائنو PAIH، هيئة هونج كونج، مطالبات بمبلغ 1.7 مليار دولار عن طريق محكمة نيويورك، أي أكثر من القيمة المحتملة لأصول شركة الأسماك الصينية.
ولكي تكون ملكية أسرة إن جي تساوي أي قيمة، يجب أن يكون تقييم الأصول بأكثر من ملياري دولار. يقول أحد التنفيذيين في إحدى شركات الاستحواذ التي تتطلع لشراء شركة الأسماك: "لا تستطيع الأسرة أن تبيع عند المستوى الذي تحتاج إليه لحل مشاكلها. إنهم لا يستطيعون البيع بسعر السوق. قيمة الأصول الجيدة ليست كافية".
باعت بعض المصارف، بما في ذلك تشاينا سيتيك و DBSفي سنغافورة وستاندارد تشارترد، في الأشهر الأخيرة ديونها لصناديق تحوط في نيويورك وهونج كونج، وفقا لما قاله التنفيذي.
الوضع لا يزال يمكن أن يستمر لعدة أشهر في الوقت الذي يبحث فيه برانت، الوصي، عن مشتر للأصول في البيرو. ويعتقد أن عملية البيع يمكن أن تجمع مبلغ 1.2 مليار دولار.
تنفي إن جي ثرثرة صندوق التحوط بأن الأسرة مولت بعض هذه المشتريات. وتقول: "أتمنى لو كنا وراءها نشتري". وتضيف: "نحن مستعدون للعمل مع الدائنين قبل أن تأخذ حقوق ملكيتنا أي شيء. أضافت الأسرة الكثير من القيمة إلى الشركة".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES