FINANCIAL TIMES

صراع الهوية يهدد أيقونة الهند «تاج محل»

صراع الهوية يهدد أيقونة الهند «تاج محل»

بعد تشييده في عام 1632 من قبل الإمبراطور المغولي شاه جاهان ليكون قبرا لزوجته، يجتذب هذا الضريح الرخامي الجميل ملايين الزوار سنويا، بمن فيهم معظم كبار الشخصيات من الأجانب والسياح الذين يمرون بمدينة دلهي.
وقد وصفه الفائز بجائزة نوبل الشاعر الهندي الكبير رابيندراناث طاغور بأنه: "دمعة على خد الزمن"، وكان هو المكان الذي وقفت فيه ديانا أميرة ويلز وحيدة في عام 1992 أثناء زيارة لها إلى الهند مع الأمير تشارلز - وهي صورة ألمحت إلى الوحدة التي تعيش فيها، قبل فترة قصيرة من انفصالهما رسميا.
رأيت تاج محل لأول مرة في عرض شرائح قدم في المدرسة الثانوية، وزيارتي الأولى - بعد وصولي إلى الهند بيوم واحد في عام 1994 - لقد كان أيقونة مذهلة بالفعل، فاقت بقدر كبير ما كنت أتخيله عنها، بكثير.
لم أفكر كثيرا في موضوع هذه الأيقونة عندما تخلت أكبر ولاية في الهند، أوتار براديش - التي يحكمها الآن الكاهن الهندوسي المثير للرعاع يوجي أديتياناث، الذي ينتمي إلى حزب جاناتا بهارتيا الحاكم بزعامة رئيس الوزراء مودي - عن إبراز تاج محل في منشور رسمي لها يستهدف الترويج لمعالمها السياحية.
في الوقت الذي اندلعت فيه مشاجرة إعلامية حول ذلك الإغفال في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، قبيل ذروة موسم السياحة، اعتقدت أنه ليس بالأمر المهم، لأن الضريح موجود في مسار كل رحلة للسياح الأجانب الذين يزورون شمال الهند، على اختلاف شاكلاتهم وانتماءاتهم.
وفكرة أن إحدى ولايات البلاد الأكثر تخلفا قد تحاول تعزيز الموارد الاقتصادية التي تجنيها من الحركة السياحية باستهداف مناطق أقل شهرة، بدت وكأنها فكرة منطقية، أيضا.
مع ذلك، كان من السذاجة أن أعتبر أن ذلك الاستبعاد هو مجرد إهمال مستغرب، لا ضير فيه، بتاتا.
بعد مرور أسابيع قليلة، أوضح سانجيت سوم، وهو مشرع مثير للجدل من حزب بهارتيا جاناتا في برلمان الولاية، ما يكمن بالفعل وراء إغفال إدراج تاج محل ضمن ذلك المنشور الدعائي الرامي إلى الترويج للسياحة: ألا وهو كراهية القوميين الهندوس اليمينيين المتطرفين لذلك المَعلم المبني، من قبل حكام الهند المسلمين السابقين.
في اجتماع حاشد، وصف سوم تاج محل بأنه: "وصمة عار على الثقافة الهندية" قائلا إنه بني "من قبل خونة" اضطهدوا الهندوس، ويجب أن يتم محو ذكرياتهم من التاريخ. وكان أديتياناث قد أعرب عن مشاعر مماثلة، منتقدا الحكومات الهندية السابقة لتقديمها تماثيل مصغرة على شكل تاج محل، إلى الشخصيات الأجنبية.
علي خان محمود أباد، أستاذ التاريخ في جامعة أشوكا، قال لي إن العداء اليميني تجاه هذا المعلم ينبع من الرأي الذي مفاده أن حكام الهند من المغول، كانوا أجانب على شبه القارة الهندية بقدر ما كان المستعمرون البريطانيون الذين جاؤوا بعدهم.
قال محمود أباد: "القضية المتعلقة بتاج محل هي أحد أعراض القضية الأوسع نطاقا والمتعلقة بماضي المسلمين في الهند، وما إذا كان الماضي الإسلامي في الهند هنديا، أو بقايا للاحتلال الأجنبي. إن الأمر يتعلق بما هو هندي الهوية، وما هو غير ذلك".
تم تأسيس سلالة المغول في عام 1526 من قبل بابور، المنحدر من آسيا الوسطى. وقد تزاوجت ذريته مع الأعيان من السكان المحليين، بمن فيهم الهندوس من ذوي الطبقات العليا.
وبعد تأثر الطبقات الهندية العليا بشكل كبير بالثقافة الفارسية، تم تشكيل البلاط المغولي أيضا من خلال معتقدات وعادات الكثير سكان شبه القارة، واجتذب أفرادا موهوبين من كثير من الأديان.
عندما أطيح بآخر حكام المغول من قبل شركة الهند الشرقية البريطانية في عام 1857، كان ينظر إليه على أنه حاكم من السكان المحليين، ورمز للتمرد الفاشل المعادي لبريطانيا من قبل جيش شمل كثيرا من الهندوس.
منذ حركة الاستقلال في الهند، أشيد بالمغول على نطاق واسع، على أنهم رموز للوئام الديني والتسامح - ونهجهم نحو التنوع يقدم قالبا للهند العلمانية المعاصرة.
إلا أن القوميين من الهندوس ينظرون إلى التاريخ بشكل مختلف، فهم يصورون المغول على أنهم غزاة، تدخلوا وأوقفوا العصر الذهبي للهندوس، وقمعوا الثقافة الخاصة بالسكان الأصليين.
وهم يريدون إقصاء المغول من كتب التاريخ المدرسية. ويدعي البعض أن تاج محل كان في الأصل معبدا للإلهة شيفا سرق من قبل المغول، على الرغم من أن المؤرخين – و"معهد الآثار الهندية" - يقولون إنه لا يوجد أي دليل موثوق على ذلك. في المقابل، فإن فكرة التستر يجري نشرها إعلاميا، بشكل واسع النطاق يكاد أن يبلغ الشمول، عبر مقاطع فيديو تنتشر مثل الفيروسات على الإنترنت.
من خلال تحدي فكرة "الطابع الهندي" للمغول والمعالم الأثرية الخاصة بهم، يتحدى القوميون من الهندوس مطالبة 180 مليون مسلم في الهند، من أن يكون لهم ولغيرهم من الأقليات دور في تشكيل مستقبل البلاد.
بالنسبة للمتطرفين الهندوس فإن المسلمين هم في أفضل الحالات، مجرد ضيوف، وفي أسوأ الحالات أجانب، بحسب ما يقول محمود أباد.
بالنسبة للوقت الحالي، يحاول أديتياناث التأكيد على الضجة التي أثيرت حول تاج محل. بعد زيارته للمَعلم للمرة الأولى في حياته، أعلن أن كل الخلافات التي أثيرت لا مبرر لها، ذلك لأنه تم بناء الهيكل "من قبل عمال من الهند"، في التفاف إن لم يكن تراجعا عن موقفه الأول، بعد أن أسهم في تفجير القضية، لتسري سريان النار في الهشيم.
النقاش حول ما يشكل الهوية الهندية – ومن الهندي الحقيقي - من غير المحتمل أن ينتهي بهذه السرعة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES