الناس

أبو بكر سالم .. معلم نحو ترك التدريس فأصبح «مدرسة»

أبو بكر سالم .. معلم نحو ترك التدريس فأصبح «مدرسة»

أبو بكر سالم .. معلم نحو ترك التدريس فأصبح «مدرسة»

"أبشركم حبايبي، أنا بخير". انتظرها محبو أبو بكر سالم رطبة بصوته الشجي. كما رددها بعد شائعات سابقة ليكذبوا خبر رحيله ولكنه لم يفعل هذه المرة فقد رحل حقا بعد تكريم واحتفاء أخير أصر فيه على الحضور رغم ظرفه الصحي منشدا مع جمهوره الغفير في يوم الوطن بتمام الإحساس وكماله ومن على كرسيه المتحرك "قوة الإيمان بالإيمان والعزم المتين .. يا بلادي واصلي والله يحميك إله العالمين". هي الدعوة والوصية الأخيرة إذن بأن يحمي الله بلادا طالما تفنن أبو بكر سالم في حبها بكلمات صنعها لأجلها وألحان أبدعها صونا لعهدها. أبو أديب صاحب الصوت الدافئ ولد مع بشائر الربيع منتصف آذار (مارس) 1939 في مدينة تريم التاريخية في حضرموت. نشأ في أسرة عريقة عرفت بالعلم والأدب. تخرج من معهد إعداد المعلمين. معلما للنحو ومنشدا الأدب والشعر في بداياته المهنية لثلاثة أعوام عشرينية متواصلة. ترك بعدها التدريس ليصبح فيما بعد مدرسة عربية موسيقية فريدة من نوعها يشار إليها ببنان الطرب والتطريب.
سبعة ألوان، مجموع الأصوات الممكنة وغير الممكنة لحنجرة استثنائية أعادت صياغة موروث جزيرة العرب من ضفاف بحر العرب مرورا بخليجه وليس انتهاء بساحل البحر الأحمر. لتشهد له بذلك أكبر منظمة ثقافية عالمية. إذ اختارت اليونسكو صوته علم 1978 كأفضل صوت في العالم من حيث طبقات الصوت في أغنية "أقوله إيه".
وبينما كثير هم المقلدون المنتفعون من حمولة فولكلورية ملقاة كالأحجار الكريمة على قارعة التاريخ. قليلون جدا هم الاستثنائيون في تعاطيهم مع هذه الحمولة الثمينة. إذ تميزت أعمال الراحل بأصالة تراثية يزينها دائما بالتحديث عن سابق علم وممارسة. ثم يحملها بين جنبات صوته وفكره حيثما انتقل وحل. من جدة إلى بيروت مرورا بالقاهرة وعودا على الرياض فضلا عن جولات خليجية وعربية عابرة تألقت من خلالها كثير من الحناجر الغنائية العربية بكلمات وألحان أبو بكر المشبعة بدان الجنوب المميز والممهورة بنكهة مدرسة أبي بكر الخاصة جدا.ولأنه معلم نحو وأديب شاعر يحب ما يعرف ويعرف ما يحب فلم يخل حديث أبو بكر وحواراته يوما كما مسامراته الخاصة من منطق أو استشهاد عميق ومؤثر عاطفة وفكرا. لذلك ترك رحيله في نفوس مجالسيه المقربين منه ألما مضاعفا. فيما يظل أبو أديب بالنسبة للجميع مدرسة درسها الوحيد الجد والاجتهاد فيما تحب ولأجل من تحب.
فالمتأمل لمسيرة حافلة بالعطاء والإبداع لن يخطئ لمسة المثابرة المتواصلة إحساسا وتنويعا في الكلام والألحان والأنغام. لتخرج كل أغنية بزخم جمالي وأداء مميز يعطي كل حرف حقه وكل كلمة وجملة لحنية مسارها التطريبي الخاص قرارا وجوابا على أوتار حنجرة يبدو عليها تماما شغفها بإبداع ما تصنع وتمكنها من سبر مقومات ما حباها الله. "أجود بالدمع والدموع على الخد .. شهود على الأشواق والحزن والوجد". أبيات رثى فيها الراحل الكثيرين وها هي اليوم جموع محبيه ترثيه بها لما نالها من وحشة البعد حضورا وجسدا. بينما يبقى صوت أبو بكر سالم الفاخر جدا يجول في سماوات الذكرى الطيبة، حرا طليقا فريدا، يؤنس كل أحد، ولا يشبهه أحد.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من الناس