Author

صعوبات التجارة الإلكترونية في المملكة .. الحلول

|

يكثر الحديث هذه الأيام عن التجارة الإلكترونية، لكن من المهم أن نقول إن التجارة الإلكترونية ليست قطاعا اقتصاديا واضح المعالم بعد، فالتجارة الإلكترونية حتى الآن ليست سوى "أفاتار" الأسواق الحية، أي أنها مبادرات إلكترونية للتبادل السلعي والمقايضة، وتحتاج هذه الأسواق الافتراضية إلى أن تتحول إلى صناعة قبل أن نعتبرها قطاعا اقتصاديا، وعلينا ألا نخلط بين القطاعات الاقتصادية التي تستخدم التجارة الإلكترونية كمصدر للتوزيع والتجارة الإلكترونية نفسها كخدمة بذاتها مستقلة عن السلع التي تباع من خلالها. ومهما بلغت التجارة الإلكترونية فإن السلع الحية والمنتجات الملموسة هي أساس التبادل الاقتصادي، وهي محل القيمة والتقييم ومخزن الخدمات الرئيس. ما أضافته الأسواق الإلكترونية إلى العالم حتى الآن هو فضاء الإنترنت الخالي من الإجراءات المعقدة لبناء مكان لالتقاء البائع مع المشتري، دون شروط مسبقة، ولأن الأصل في النمو الاقتصادي ــ كما عرفه البشر ــ هو الحرية، فقد وجد الناس من كل شعوب الأرض في التجارة الإلكترونية حرية واسعة وتنافسية حقيقية دون قيود حكومية أو رقابة مؤسسية أو بعد مكاني، بل حتى عدم القدرة على الملاحقة الضريبية، أو الرسوم الإدارية، لكن تظل أصعب المراحل في التجارة الإلكترونية قائمة على بعدين: الأول صعوبة التقايض، والثاني صعوبة تسليم السلع الحقيقية، أو لنقل صعوبة الانتقال من الاقتصاد الافتراضي إلى الاقتصاد الحقيقي. فالتقايض حتى الآن يواجه عقبة التحول من العملة الحقيقية النقد "الكاش" إلى العملة الإلكترونية، وتسليم السلع يواجه صعوبات لوجيستية كثيرة.
من جانب مشكلة التقايض نقرأ في حديث مدير الإدارة العامة لنظم المدفوعات في مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" على هامش حلقة حوارية بعنوان "تمكين التجارة الإلكترونية في السعودية" في مقر الهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات في الرياض، أن التعامل النقدي الحقيقي "الكاش" لا يزال أكثر من التعامل عبر البطاقات المصرفية، وأن 60 في المائة من مستخدمي التجارة الإلكترونية يفضلون الدفع النقدي بدلا من استخدام البطاقات الائتمانية. وفي وضع كهذا من الصعب التنبؤ بنمو قوي للتجارة الإلكترونية في المملكة، ذلك أن هناك فجوة ثقة واضحة في عملية التقايض، وأن البطاقات الائتمانية تواجه صعوبة في الاعتماد عليها كوسيلة للشراء، على الرغم من وجود 29 مليون بطاقة مصرفية في المملكة، جزء منها بطاقات مسبقة الدفع والجزء الآخر بطاقات "مدى".
وزارة التجارة والاستثمار من جانبها تؤكد أن الثقة لم تزل ضعيفة بالتجارة الإلكترونية، والحل المقترح هو منصة إلكترونية تعالج المشكلات مثل الإعلانات الكثيرة والخصوصية وتضمن المقايضة العادلة، بحيث يضمن التاجر وصول بضائعه عن طريق الجمارك والبريد، إضافة إلى أن المستهلك يحفظ حقوقه ويطلع على العقد الإلكتروني وسياسة الاسترجاع. لكن من المهم هنا أن نؤكد أن التجارة الإلكترونية تمثل فضاء علميا مفتوحا، ولذا يجب أن يأتي تدخل الحكومة لمنح الثقة بالتعامل، وليس لفرض قيود بيروقراطية تستهلك الوقت والمال من أجل الحصول على ترخيص أو رقم إلكتروني أو حساب. وهنا لا بد من فهم آليات السوق الإلكترونية، وأن الحاجة اليوم هي شراكة واسعة من قبل مؤسسة النقد وتقليل التحفظ، ومنح مزيد من المرونة الائتمانية وتقبل المخاطر.
في الجانب اللوجيستي تبدو الأمور واعدة أكثر، فالجمارك تعمل حاليا على عملية ربط إلكتروني مع الجهات والشركات المعروفة على الصعيد العالمي التي يتم استيراد البضائع منها بشكل كبير، كما أن البريد السعودي قام أخيرا بتوقيع اتفاقيات في ثلاثة مطارات لتخصيص مساحة تقدر بـ 30 ألف متر مربع لكل موقع في قرى الشحن الموجودة في هذه المطارات، وستخصص هذه المساحة لسلع وبضائع مستخدمي التجارة الإلكترونية، ومع ذلك فإن الحركة الفعلية للسلع والوصول السهل والآمن والسريع لها هو المحك. وبشكل عام إذا لم تحل مشكلة التقايض الإلكترونية بشكل أساسي فإن التجارة الإلكترونية في المملكة ستجد صعوبة في ملاحقة النمو العالمي.

إنشرها