Author

تعثر صكوك «دانة غاز» .. ومخاطر قرارات الهيئة الشرعية

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية

قصة "دانة غاز" في التمويل الإسلامي أشبه بالسيناريو الغريب في هذه الصناعة التي لم تعتد على مناقشة موضوع إثر قرارات الهيئة الشرعية في حال الإخلال بالالتزام بالعقد، التي يمكن أن تكون فيها مخاطر بشكل أو آخر لمجموعة من الأسباب التي تؤثر بصورة مباشرة في الشركات أو المؤسسات المالية المتوافقة مع الشريعة إضافة إلى العملاء. هذه الإشكالية أو الحالة ليست جديدة ففي بعض الأحيان نجد أن بعض البنوك المتوافقة مع الشريعة أو التي تقدم خدمات متوافقة مع الشريعة يحصل فيها شيء من مثل هذه الأمثلة بسبب سوء التطبيق لبعض المنتجات المتوافقة مع الشريعة، فإذا ما تحقق وجود المخالفات واطلعت عليها إدارة الرقابة الشرعية يتم تجنيب هذه الأرباح ومن ثم التخلص من تلك الأموال بدفعها للمؤسسات الخيرية باعتبار أنها محرمة على المساهمين في الشركة.
الإشكالية في مسألة صكوك "دانة غاز" أنها تدعي أن الصكوك التي تم إصدارها بناء على رأي شرعي تعتبر اليوم صكوكا محرمة وبالتالي ينبغي عدم الاستمرار في تلك المعاملة وعلى الدائنين أو الشركاء في تلك الصكوك القبول بذلك القرار وبالتالي البحث في خيارات أخرى للتخارج مع حملة الصكوك بتكلفة غالبا ستكون أقل إضافة إلى عدم الالتزام بالمواعيد المتفق عليها في تلك الصكوك القائمة، والسبب في ذلك أن تلك الصكوك – بحسب ما قررته الشركة – فيها مخالفات شرعية فينبغي عدم الوفاء بما تضمنته من التزامات.
والسؤال الذي يرد على إعلان شركة دانة غاز هو من الذي أصدر القرار الذي يسمح بممارسة هذه المعاملة من الناحية الشرعية؟ كما أنه من الذي أصدر قرارا يؤكد فيه أن المعاملة غير متوافقة مع الشرعية؟ إذ من غير الواضح من التقارير التي تصدرها الشركة ومنه الإعلان عن عدم الالتزام والعناصر الثلاثة التي اعتمدوها كدليل على تحريم تلك المعاملة واعتبارها غير شرعية دون وجود إعلان للعلماء الذين قرروا ذلك، علما بأن المعاملات التي يعلن أنها متوافقة مع الشريعة يرد في وثائق تلك المنتجات أسماء الهيئة الشرعية التي قررت أن تلك المعاملة من خلال المراجعة أنها متوافقة مع الشريعة ابتداء ومن ثم غير متوافقة مع الشريعة بعد اقتراب موعد تسديد الالتزام على الشركة، فقرارا الجواز والتحريم لا بد أن يصدرا من شخص متخصص يمكن الاعتماد على رأيه في المسألة؛ إذ إن مسائل الفتوى في الشريعة الإسلامية لا يمكن الارتجال فيها أو الاعتماد على أسلوب المحامين في الاعتراض على بعض الممارسات من منطلق مواد قانونية؛ إذ إن معارضة الفتوى بفتوى أخرى أو حكم في قضية بحكم آخر لا يتم إلا وفق إجراءات مقبولة شرعا بما لا يترتب على ذلك أضرار لأطراف أخرى إلا إذا كان ذلك في أمر بالغ الوضوح، فعلى سبيل المثال لا يمكن القبول بالطعن في عقد زواج مثلا بمثل الطريقة التي تم اتخاذها من قبل شركة دانة غاز تجاه حملة الصكوك إذا ما اعتمدت على إجراءات معتمدة شرعا حتى لو كان ذلك الرأي لدى شريحة أقل من الفقهاء، وهذا فقط للتوضيح باعتبار أن أي عقد من العقود المتوافقة مع الشريعة الموجودة حاليا يمكن الطعن فيها بالطريقة نفسها التي تمارسها شركة دانة غاز.
ولذلك من المهم العناية بجوانب مهمة في هذا الموضوع فيما يتعلق بوضع الهيئات الشرعية بما يحد من تكرار مثل هذه الحالة التي يمكن أن تؤثر في أي شخص له علاقة بالتمويل الإسلامي ومنها: أهمية حوكمة عمل المؤسسات المالية الإسلامية فاتخاذ قرار كالذي تم من قبل "دانة غاز" لا يمكن أن يتم في ظل وجود حوكمة، إذ إن قرار عدم الالتزام باعتبار أن المعاملة غير متوافقة مع الشريعة يتطلب مجموعة من الإجراءات خارج سلطة وصلاحيات الشركات التي لها علاقة بالتمويل الإسلامي، وإلا سنجد عدم التزام في النهاية من قبل المؤسسات المالية التي ترى أن من مصلحتها عدم الالتزام مستقبلا بحجة أنها اكتشفت عدم توافق التزاماتها مع الشريعة. كما أنه من المهم العمل على إصدار معيار يتعلق بتغير الفتوى سواء كان ذلك من قبل الهيئة الشرعية نفسها أو بسبب تغيير أعضاء الهيئة الشرعية أو بعضهم أو بسبب تغيير عام في فتوى المجامع الفقهية في مسألة محددة. من الأمور المهمة هو تحديد المسؤولية والالتزام في حال كان قرار تغير الفتوى بسبب تقصير ونتج عنه شيء من الضرر لأحد أطراف المعاملة التي قد تصل بخسارة البعض لملايين أو مئات الملايين، وبالتالي تأتي أهمية العناية باختيار أعضاء الهيئة الشرعية وأهمية عنايتهم بالاطلاع على جميع التفاصيل الخاصة بالمعاملة ومسؤولية الشركات والمؤسسات تجاه إخفاء أي معلومة مؤثرة إضافة إلى مسؤولية الهيئات الشرعية تجاه أي تقصير في إبداء الرأي المناسب للمعاملة.
فالخلاصة أن صكوك "دانة غاز" يمكن أن تؤثر بشكل سلبي من ناحية المخاطر للمعاملات المالية المتوافقة مع الشريعة وهذا يتطلب العمل على ضبط مسألة عمل الهيئات الشرعية بما لا يسمح باتخاذ إجراءات من قبل أحد طرفي العقد باتخاذ قرار عدم الالتزام لما يرى أنه التزم بمنتج اكتشف لاحقا بأنه غير متوافق مع الشريعة، ما يستدعي العمل على حوكمة عمل المؤسسات المالية المتوافقة مع الشريعة ومنتجاتها بشكل عام، إضافة إلى وضع معيار يتعلق بالإجراء المناسب في حال حصول عدم التزام بسبب تم التحقق بأن المنتج غير متوافق مع الشريعة، وما الالتزامات على أطراف العقد والهيئات الشرعية في حال حدوث تقصير في اتخاذ القرار المناسب.

إنشرها