Author

السياسة المالية السعودية .. ومصداقية عالمية

|

من الواضح جدا أن الاتجاه الاستثماري العالمي لم يعد مغرما بالعائد المرتبط بالمخاطر المرتفعة، خاصة تلك التي تقدمها سندات الدين في الاقتصادات الناشئة، والسبب قد يعود جزئيا إلى أن العائد على تلك المخاطر لم يعد مغريا مقارنة بالعوائد الرأسمالية الناتجة من بيع الأصول نفسها، ففي موجة تعتبر الأعلى لهذا العام سحب مستثمرون 8.6 مليار دولار من صناديق السندات المرتفعة العائد، وهذا الاتجاه بدأ مع إعلان البنك المركزي الأوروبي خفض مشترياته من السندات. والسبب الأبرز في انخفاض تدفقات رؤوس الأموال إلى الأسواق الناشئة يعود جزئيا إلى ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، وتزايد قوة الدولار، وانخفاض أسعار السلع الأساسية، وضعف التجارة العالمية. ولكن المهم معرفة تأثير مثل هذا الاتجاه في السندات الحكومية التي تصدرها المملكة.
من المهم القول، في خضم هذه التوجهات الاستثمارية العالمية، إن السياسة المالية الرشيدة للمملكة تؤتي ثمارها، فالمملكة ليست من دول المخاطر وذلك بدلالة التصنيفات العالمية، وهي بحمد الله قادرة على الوفاء بالتزاماتها، ولهذا كان الإقبال كثيفا جدا عندما أصدرت المملكة إصدارها الأول من السندات للأسواق العالمية. وأخيرا أعلنت المملكة أنها لن تصدر مزيدا من السندات الدولية بل تتجه إلى تنمية السوق المحلية في هذا الجانب، وهذا مؤشر قياسي على تحسن كبير في عملية إدارة الدين العام والسندات الحكومية السعودية وهو ما يعزز متانة الاقتصاد. الأحداث العالمية تثبت دائما أن القرارات التي تتخذها المملكة تنم عن قدرة كبيرة في قراءة الاقتصاد العالمي والتوجهات المستقبلية. فقرار المملكة عدم التوجه لإصدار سندات دولية أثبت مناسبته مع الأحداث التي تلت التي أشار إليها تقرير "رويترز" من اتجاه المستثمرين نحو السندات الأمريكية بسبب ارتفاع العوائد هناك، وإذا كانت الولايات المتحدة تصنف بالأقل مخاطر ومع ارتفاع العوائد رغم هذا المستوى من المخاطر، فإن أي إصدار للسندات من أي دولة أخرى سيكون مضطرا لأن يقدم نسبا من الفائدة أعلى من السندات الخالية من المخاطر، وهذا سيتسبب حتما في ارتفاع مصروفات خدمة الدين، مع صعوبة كبيرة في تحصيل المبالغ المخطط لها. لهذا فعندما تقرر المملكة أن تتجه إلى الأسواق المحلية في إصدارها التالي من السندات، فإن مثل هذا القرار ينم عن وعي اقتصادي عميق، وأيضا قراءة مسبقة للاتجاهات العامة لمعدلات الفائدة العالمية.
من المهم أن نلفت النظر إلى أن المالية السعودية تمر بمرحلة مهمة من الاستقرار، وأن القرارات التي تم اتخاذها نحو كفاءة الإنفاق الحكومي، وأيضا تنويع مصادر الدخل للمالية العامة وعدم الاعتماد على مصدر واحد، كل هذا يؤتي ثماره اليوم وبشكل واضح، فالمتوقع أن تكون معدلات العجز في الميزانية المقبلة أقل مما سبق، مع تنوع في الدخل خاصة أنه سيتم لأول مرة تقدير الإيرادات الناتجة من ضريبة القيمة المضافة، وهذا بشكل عام يعزز الخطوات الإصلاحية للاقتصاد السعودي والمالية العامة بشكل خاص، ويؤكد أن المملكة عازمة على تحقيق برنامج التوازن المالي المخطط له، وإن تم تعديل تاريخه المتوقع.

إنشرها