FINANCIAL TIMES

المشهد على الطريق غير مريح من مقعد قيادة «أوبر»

المشهد على الطريق غير مريح من مقعد قيادة «أوبر»

المشهد على الطريق غير مريح من مقعد قيادة «أوبر»

خلال هذا العام، كانت شركة أوبر تترنح منتقلة من أزمة إدارية إلى أخرى، إلا هذه المجموعة المختصة بالمشاركة في التوصيل، تواجه تحديا أكبر حتى في الحفاظ على سائقيها، حيث إن بعضهم يتعين عليه أن ينام في سياراتهم من أجل الحصول على ما يكفي من المال، لكي يعيش حياة عادية.
في قاعة الانتظار في المطار في سان فرانسيسكو، هنالك موضوع واحد دائما ما يتداوله سائقو أوبر: أين هي أفضل الأماكن التي يمكن أن نمضي فيها الليل نائمين في السيارات؟. هنالك فرع لمطعم ماكدونالدز في آخر الشارع وفيه مكان اصطفاف فسيح للسيارات، ويقول السائقون إنه يمكنهم البقاء هناك وقضاء الليلة، بكل أريحية.
بالنسبة للسائقين ممن يعملون بمناوبة كاملة، هنالك فرع شركة سيفوي في مقاطعة كاسترو مع مساحة للاصطفاف، على الرغم من أن حراس الأمن هناك بدأوا أخيرا بتضييق الخناق على السائقين النائمين في مركباتهم.
كما أن ساحة الاصطفاف في بلانيت فيتنس، مركز للياقة البدنية، هي أيضا مكان مشهور، لأنه بإمكان السائقين التابعين للشركة الاستحمام في الصباح، بكل سهولة.
منذ أن تأسست شركة أوبر في 2009، كان لها تركيز كبير على شيء واحد: الراكب. وفي الوقت الذي ازداد فيه عدد الوجهات التي تصل إليها الشركة لأكثر من 70 بلدا، وحققت قيمة تبلغ نحو 70 مليار دولار، أصبحت الرحلات أفضل وأسرع وأرخص ثمنا، مع ارتفاع الاستخدام نتيجة لذلك.
إلا أنه خلال سنوات النمو الذي يخطف الأنفاس الذي حققته شركة أوبر، تعرض السائقون للإهمال.
لقد تراكمت الدعاوى القضائية واحدة تلو الأخرى، مدعية بأن تصنيف السائقين غير سليم، أو أن أجورهم لم تكن تحسب بطريقة صحيحة. في الوقت نفسه، وترك كثير من السائقين عملهم لدى الشركة: فقد انسحب نحو نصف سائقي الشركة في الولايات المتحدة خلال أقل من عام، وفقا لإحصائيات الشركة التي جمعت ما بين عامي 2013-2015.
وبدأ مزيد منهم في العمل لدى الشركة المنافسة ليفت، التي كانت آخذة في اكتساب حصة أكبر في السوق في الولايات المتحدة، جزئيا بفضل السمعة المؤيدة للسائقين.
ساء الوضع لدرجة أن التنفيذيين لدى شركة أوبر بدأوا في الاعتراف بأن هنالك مشكلة. قال آرون شيلدكراوت، رئيس منتجات السائقين في شركة أوبر، في حزيران (يونيو) الماضي: "هؤلاء السائقون هم أهم شركائنا، لكن تاريخيا، لم نبذل أقصى جهودنا المتمثلة في احترام تلك الشراكة". لقد أطلقت الشركة هذا الصيف حملة لمحاولة إصلاح العلاقة المتوترة.

تغيير النهج

على مدى الأشهر الثمانية الماضية، غرقت شركة أوبر في دراما شركات تختلف عن أي دراما شهدها وادي السيليكون في أي وقت مضى. لقد أطيح برئيسها التنفيذي السابق ترافيس كالانيك من قبل المستثمرين في حزيران (يونيو) الماضي، ما أدى إلى ترك الشركة بلا قائد حتى تم تعيين دارا خوسروشاهي في آب (أغسطس) الماضي.
كان يتعين عليه بسرعة إخماد حريق تلو الآخر، بما في ذلك قرار اتخذته هيئة النقل في لندن لإلغاء ترخيص أوبر في أهم سوق أوروبية لها ورحيل رئيسها لمنطقة شمال أوروبا.
هذا الأسبوع، وافق مجلس إدارة شركة أوبر بالإجماع على إجراء تغييرات حوكمة جذرية ستقلل من نفوذ كالانيك، وستعمل على إرساء أساس لصفقة استثمار كبيرة يقودها "سوفت بانك".
من شان هذه الصفقة أن تجرد المساهمين "أصحاب حقوق التصويت الفائقة" من حقوق التصويت الإضافية، وهذه خطوة غير عادية بشكل كبير، وتساعد في تعزيز قيادة خوسروشاهي.
في المقابل، تجري تغييرات جذرية بالقدر نفسه داخل الشركة، حيث أدت التسريبات عن التحرش، ورحيل كثير من كبار التنفيذيين إلى البحث عن الذات وانخفاض الروح المعنوية.
على أساس هذه الخلفية الفوضوية تحاول الشركة أن تفتح صفحة جديدة مع سائقيها. بشكل عام، السائقون هم أكبر التكاليف من كل أجرة التي تتلقاها الشركة: في النصف الثاني من هذا العام، وصلت أجور السيارات العالمية التي تتلقاها أوبر إلى 8.7 مليار دولار، ونحو سبعة مليارات دولار من هذا المبلغ ذهب إلى السائقين.
لقد انخفضت خسائر الشركة لتصل إلى 645 مليون دولار خلال الربع. لدى شركة أوبر أكثر من مليوني سائق في كل أنحاء العالم، ويعتبر البعض منصتها المرنة التي تترك للسائق حرية العمل في أي وقت يشاء، على أنها ابتكار لنموذج جديد لمستقبل التوظيف.
لدى الشركة بعض السائقين المقتنعين فعلا بها. فكتور ليوزي، سائق سيارة أجرة سابق، يقول إنه يحب العمل كسائق لدى شركة أوبر لأنه يستطيع تحقيق مكاسب مضاعفة عما كان يحققه في سيارة الأجرة.
"الآن، أنا أعمل وفق جدول زمني خاص بي"، يقول وهو في استراحة لتنظيف الزجاج الأمامي لسيارته، مستذكرا الأيام عندما اعتاد الاستيقاظ في الساعة الثالثة صباحا لإحضار سيارة الأجرة الخاصة به. "هنالك حرية، وهنالك مكاسب أكثر".
إحدى المنافع في هذا النظام هي أن أي شخص يمكنه الانضمام للعمل، طالما أنه يستطيع القيادة ويجتاز اختبار الخلفية، ما يجعل شركة أوبر صاحب عمل الملاذ الأخير بالنسبة لكثيرين. على أن تكاليف النظام غير مفهومة إلى حد كبير - لا سيما من قبل السائقين.
باعتبارنا متعاقدين مستقلين، فإن السائقين مسؤولون عن متابعة النفقات، ودفع الضرائب، وجميع الأعمال الورقية الخاصة بإدارة شركة صغيرة.
يقول كثير منهم إنهم لم يقوموا بتقديم إقرارات ضريبية للإيرادات المتحققة في شركة أوبر، ومعظمهم لا يتابع تسجيل الدخل الصافي الذي يحصل عليه.
روني فيرنانديز، الذي كان يعمل كسائق لدى شركة أوبر منذ عام 2015، دهمته في الفترة الأخيرة فاتورة ضريبية بقيمة خمسة آلاف دولار من إيرادات شركة أوبر السابقة، وهي فاتورة لا يستطع تحمل تكاليفها، حيث إنه يعمل من أجل دعم أربعة أولاد في سن الجامعة.
فيرنانديز، الذي يبحث الآن عن عمل آخر، يقول إن الأجر المنخفض هو أكبر مشكلة يواجهها السائقون. كما يقول: "إذا قمت بمقارنة جميع التكاليف، والبنزين الذي تشتريه، والصيانة وتغييرات الزيت، ستجد أنك لا تحقق ربحا".
وحيث إن سائقي شركة أوبر ليسوا من الموظفين، لا يحق لهم المطالبة بالحد الأدنى للأجور المطبق في سان فرانسيسكو البالغ 14 دولارا للساعة - يقول معظمهم إنه بعد اقتطاع التكاليف، يحققون أرباحا أقل من ذلك.
هاري كامبيل، الذي يعمل كسائق ضمن شركتي أوبر وليفت ويدير مكتبا للخدمات الاستشارية هو رايد شير جاي، يقول: "السائق العادي لا يدرك تماما مقدار التكاليف المترتبة عليه."
السائقون الأكثر معاناة مع النظام هم عادة الذين يقعون في موقف غير مستقر من الأصل، ولديهم أقل الفرص المتاحة للعثور على عمل آخر.
حاولت شركة أوبر أن تجعل إمكانية البدء بممارسة القيادة سهلة قدر الإمكان لأي شخص - حتى أن الشركة توفر بطاقات سحب آلي لمساعدة السائقين في ملء خزانات الوقود في سياراتهم.
يفسر أنثوني، سائق لدى شركة أوبر يعيش في سان خوزيه: "أخيرا، لم يكن لدي ما يكفي من المال لتعبئة البنزين". وهو يعتمد على بطاقة السحب الآلي لشركة أوبر، التي تسمح له بإنفاق ما يصل إلى 200 دولار للبنزين، ثم تُخصم من دخله.
يشرح الوضع قائلا: "يصبح الأمر مكلفا لأنك لا تفكر في الكمية التي تستخدمها. الأمر الذي تدركه فيما بعد أنه يجري اقتطاع مبلغ 200 دولار من راتبك، وتفاجأ، لذلك يصبح الأمر مخيبا للآمال".
كثيرا ما يقود أنتوني سيارته قريبا من وادي السيليكون، بحيث يقوم بإيصال عمال التكنولوجيا الذين يعملون لدى شركتي جوجل وفيسبوك الذين يختارون استخدام سيارة أوبر للعودة للمنزل بعد العمل، أو نقل مرتادي المطاعم ليلا في خدمة أوبر إيتس.
قبل بضعة أسابيع، اضطر للتوقف عن القيادة بسبب انتهاء فترة صلاحية ترخيص سيارته، ولم يكن لديه المبلغ المطلوب لتجديدها وهو 350 دولارا. ثم حصل على فرصة عمل في دهان الكنائس في الوقت نفسه. ويقول: "الواقع أني أحن إلى القيادة لدى خدمة أوبر".

" إنهم يسيطرون على كل شيء"

على رأس المخاوف المتعلقة بالأجور، يعرب كثير من السائقين عن شعورهم بإحباط أوسع نطاقا. يقول كامبل: "في الماضي، كان الأمر يبدو دائما وكأنني مجرد رقم موجود في جدول بيانات شركة أوبر. كان شعوري هو أنني جزء من معاملة".
تحاول شركة أوبر منذ فترة إيجاد حل لبعض تلك المشاكل. وقد أدخلت حملة ميزات جديدة مثل التعويض المقدم للسائقين مقابل وقت الانتظار، وإضافة خط مساعدة على الهاتف يعمل ليل نهار، ودفع أجور إضافية للطلبيات الإضافية. كما أضافت شركة أوبر أيضا خيار دفع البقشيش للتطبيق، وهي في ذلك تحذو حذو شركة ليفت الشركة المنافسة.
يقول كبار التنفيذيين لدى شركة أوبر إن هذا جزء من الجهود المبذولة لتغيير طريقة عملها المرتكزة على السائق. يقول أحد التنفيذيين السابقين في شركة أوبر: "واصل النظام إثبات كفاءته، وقدمنا كل الميزات الإيجابية إلى المستهلكين. كانت إيرادات السائقين ثابتة. هذا أمر غير مقبول".
التغييرات، التي وفرت تعزيزا ضئيلا لإيرادات السائقين، هي في جزء منها استجابة للنجاحات الاستراتيجية التي حققتها شركة ليفت.
يقول ماكس وولف، كبير الاقتصاديين في "مستشاري تكنولوجيا التعطيل"، وهو مصرف متخصص: "كانت الحال هي أن تفوز شركة أوبر بهذا السباق من خلال وجود مزيد من السائقين العاملين لديها.
في الوقت الذي يصبح فيه المستهلك المستخدم لهذه الخدمة أكثر تطورا، يصبحون أكثر انضباطا وتناغما مع نوعية التجربة، وليس كمية السيارات".
هذا يعني أنه من المهم بالنسبة لشركات طلب سيارات الأجرة ليس فقط وجود عدد أكبر من السائقين، بل أيضا وجود الأفضل منهم.
القوى الآتية من خارج أوبر أوبر بإمكانها إحداث تغييرات أكبر حتى، حيث يجادل عديد من الدعاوى القضائية للعمالة بأنه ينبغي تصنيف سائقي أوبر كموظفين أو عاملين، بدلا من اعتبارهم متعاقدين مستقلين.
لدى السائقين مشاعر متباينة إزاء مكانتهم. تقول أونيدا أوليفيرا، التي كانت تعمل سائقة لدى شركة أوبر بشكل متقطع على مدى عام، وعملت سابقا مساعدة تنفيذية: "الموضوع بأكمله المتعلق بـ’المتعاقد المستقل‘ هو كلام فارغ. تتلاعب شركة أوبر بالمنصة تماما. هم يسيطرون على كل شيء".
وتقول: "إذا ألغيتَ رحلة، أو إذا قبلتَ رحلة، كل شيء مبني على التقييمات. ثم إنهم يلغون عملك دون سابق إنذار".

الشعور وكأنك روبوت

يقول عدة سائقين إن الحس بالسيطرة يتزايد بفعل الطريقة التي يبدأ فيها التطبيق بالتحكم في كل خطوة لأنه يوجههم في الطريق ويخبرهم عن الراكب الذي سيذهبون إليه.
يقول هيرب كوكلي، سائق لفترة طويلة طور تطبيقا يساعد السائقين في العمل لدى كل من شركتي أوبر وليفت في آن واحد: "يصل الأمر إلى حد يسيطر فيه التطبيق نوعا ما على وظائفك الحركية".
كما يفسر قائلا: "يصبح الأمر وكأنها تجربة من التنويم المغناطيسي. يمكنك التحدث مع السائقين وستسمعهم يقولون أشياء مثل: قدتُ السيارة بمجموعة من الركاب لدى شركة أوبر لمدة ساعتين، وعلى الأرجح ركب معي ما بين 30 إلى 40 شخصا، لكن ليس لدي أدنى فكرة إلى أين كانت الوجهة.
ويقول: "في تلك الحالة، هم يستمعون فقط إلى الأصوات (الصادرة عن تطبيقات السائق). يتوقفون عندما يطلب منهم ذلك، يلتقطون الزبائن عندما يسمعون الأمر، يستديرون بالسيارة عندما يطلب منهم ذلك، فتدخل حينها في عملية إيقاعية، وتبدأ تشعر وكأنك روبوت".
ما يضيف إلى شعور السيطرة هو الطريقة التي تستخدم فيها شركة أوبر مجموعة متغيرة باستمرار من أهداف العلاوات الإضافية التي تهدف إلى حث السائقين على القيام بجولة أو جولتين فقط، إضافة إلى ما قاموا به من جولات. هذه الجولات، التي تعرف باسم "الطلبات"، تكون المدفوعات الإضافية بمستويات مختلفة لكل سائق، لأن خوارزميات شركة أوبر تقيم نوع الحوافز المالية التي ربما تجذب كل شخص من أجل العمل لفترة أطول قليلا.
يقول السائقون العاملون بدوام كامل في سان فرانسيسكو إنهم يعتمدون على المكافآت لتسديد النفقات - يمكن أن تبلغ قيمة مدفوعات الحوافز ما بين 25 إلى 30 في المائة من إيراداتهم الأسبوعية.
تحقيق الأهداف يمكن أن يكون أمرا صعبا، غالبا ما يتطلب ساعات عمل طويلة في السيارة، لمدة سبعة أيام في الأسبوع.
تقول السيدة أوليفيرا إنها نادرا ما تكون قادرة على الحصول على المكافآت المجزية. مع ذلك، تواصل عملها في القيادة. وتقول وهي تتنهد: "أصبحت شركة أوبر كل حياتي. أصبحت مدمنة على هذا العمل". حتى أنها تجد نفسها مدفوعة بأن تتفحص التطبيق عندما تكون في عطلة من العمل. "إنه أمر محبط، لكننا بحاجة للعمل".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES