FINANCIAL TIMES

الأزمة الاقتصادية العالمية التالية.. آتية

الأزمة الاقتصادية العالمية التالية.. آتية

نحن جميعا سجناء خبراتنا. بالنسبة إلي وإلى الأشخاص من جيلي، الذين يغلب عليهم الآن اتخاذ القرارات الرئيسية في مجال التمويل والاستثمار، شملت تجربتنا فقاعات مالية ضخمة وأزمات في العالم الغربي، ومجموعة غير مسبوقة من الأزمات في العالم الناشئ. هل هذا يعني أننا سنقضي كثيرا من الوقت في التفكير في الأزمات المحتملة في المستقبل؟
فريق أبحاث الأسواق في "دويتشه بانك"، بقيادة جيم رايد، لا يعتقد ذلك. هذا الأسبوع أنتج المسح السنوي للأصول على المدى الطويل، وكرسه كله تقريبا لـ "الأزمة المالية المقبلة".
إنه بحث هائل وممتاز، سأحاول أن أستعرض النقاط الأكثر إثارة للاهتمام فيه. أولا، الحقبة التي نعيش فيها تعاني أزمات مالية أكثر من الفترات التي ذهبت من قبل. هذا صحيح على الصعيد العالمي، ويظهر مع وجود إحصائيات واضحة، وهناك نقطة بارزة بدأت عندها الأزمات تتراكم: آب (أغسطس) 1971، عندما أنهى الرئيس ريتشارد نيكسون اتفاق بريتون وودز، منهيا بذلك ربط الدولار، وفي نهاية المطاف معظم العملات الأخرى، مع سعر الذهب.
قبل تلك النقطة كان الذهب يفقد في المتوسط 1.5 في المائة سنويا "بالمعدلات الحقيقية" منذ عام 1900. ومنذ نهاية بريتون وودز، سجل عائدا بلغ في المتوسط 3.7 في المائة. وتبلغ الأرقام المعادلة للأسهم الأمريكية 6.4 و6.2 في المائة.
في الوقت نفسه، يرى المؤلفون أن الانتقال إلى عملات مدعومة بالقوة الحكومية بدلا من توريد الذهب المستخرج من الأرض، مكّن من تراكم الديون بشكل لم يسبق له مثيل. تقديرهم للتحفيز على المستوى العالمي خلال العقد الذي انقضى منذ الأزمة، الذي يجمع بين طباعة النقود الإضافية واتساع العجز في الميزانيات الحكومية، يبلغ 34 تريليون دولار. أدى التخلي عن قيود معيار الذهب على الأقل إلى إعطاء الحكومات خيار التعامل مع أي أزمة عن طريق ضخ أموال جديدة، وهو ما كانت تفعله.
في نظام أصبح عرضة للأزمات، وبديون لم يسبق لها مثيل، هذا يعني أننا نتمتع بأطول فترة هدوء خلال عقدين من الزمن، وأن فرص حدوث أزمة في المستقبل هائلة.
لكن ربما الجزء الأكثر إثارة للقلق في دراسة "دويتشه" هو النطاق الضخم للمحفزات المحتملة للأزمة. فهي يمكن أن تكون مدفوعة من الركود "الذي من شأنه أن يجد الحكومات قد استنفدت ذخيرتها وأسعار الأصول أصبحت مكشوفة"، أو تكون مدفوعة من جهود التفكيك من جانب البنوك المركزية، في محاولاتها للانسحاب من برامج التحفيز الكبيرة "ستبدأ فيها الولايات المتحدة بطريقة لطيفة الشهر المقبل" التي سترفع أسعار الفائدة وتستثير حالة من الانهيار، أو تكون مدفوعة من الانكماش الذي من شأنه أن يجلب التحفيز ومزيدا من أسعار الفائدة السلبية ويؤدي إلى انهيار المصارف، أو من أسعار الأصول التي تزيد كثيرا على قيمتها الحقيقية، إذ من الواضح أن الأسهم والسندات مبالغ في أسعارها، وستبدأ في الانهيار بسبب عدم صدقيتها أو عدم وجود سيولة في السوق، في الوقت الذي يتوقف فيه التداول بشكل خاص في سندات الشركات، ما يسمح بزيادة المبيعات الصغيرة نسبيا لتتضخم حتى يصبح الهبوط كارثيا.
إذا كنت تريد مزيدا من النقاط المثيرة، "دويتشه" يذكر إيطاليا "اقتصاد كبير ومثقل بالديون مع نظام مصرفي منكوب وانتخابات مقبلة لا يمكن التنبؤ بها". والصين لا تزال تعاني اختلالات مالية عميقة مع الغرب، ويبدو أن معدل نمو الديون بعد الأزمة غير مستدام. واليابان التي كانت في ركود مستمر منذ عقود مدفوع بالوضع السكاني، وتضيف الميزانية العمومية الضخمة لبنك اليابان الآن بعدا أكبر للمخاطر. وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي يمكن أن يعرض البنية المالية والدفاعية في أوروبا للخطر. ثم هناك خطر الشعبوية في كل مكان. واختر ما يحلو لك من ذلك.
ما الاستنتاجات التي يجب على المستثمرين التوصل إليها؟ النقطة الأولى هي أن مجموعة سيناريوهات الكوارث تبين أن المختصين في "دويتشه" ببساطة لا يعرفون ماذا سيحدث بعد ذلك. هناك عدد من السيناريوهات لديهم تتعارض مع بعضها بعضا. وقد بينوا أن الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر إلى أجل غير مسمى، لكنهم لم يبينوا كم من الوقت سيستمر أو كيف سينتهي. وهم ليسوا وحدهم في ذلك. ينبغي لنا جميعا أن نعمل على افتراض أننا لا نعرف ما سيحدث بعد ذلك.
على هذا الأساس، سيكون من الخطر غير المقبول الخروج من الأصول الخطرة تماما. حين تضع كل ما تملكه من المال نقدا، إذا كنت بحاجة إلى نمو تحويشتك، فإن هذا في بعض النواحي محفوف بالمخاطر مثل وضع كل شيء في الأسهم. يمكن أن تفوت تلك الطفرة الكبيرة للنمو في الأسهم التي من شأنها أن تمكنك من تمويل معاشك التقاعدي، أو أيا كان. ومع انتشار المخاطر سيكون من الحكمة أن تُبقي استثماراتك متنوعة.
ثانيا، ومع ذلك، أوضح "دويتشه" أن هناك أزمة مقبلة، وبالتالي من الضروري التحضير لذلك. وذلك قد يعني الذهب والمعادن الثمينة - ولكن يمكن أن يكون من الصعب التداول فيها في بعض الظروف، وستكون ذات أداء سيئ في ظل الانكماش.
أكثر المسارات حكمة هي الاحتفاظ بمزيد من النقدية. النقد نفسه يمكن أن يتعرض للخطر في سيناريوهات الدمار الكبير. وإذا استمر ارتفاع الأسهم لفترة من الزمن، وهو احتمال وارد إلى حد كبير، فهذا يعني تقليل المكاسب لديك - على الرغم من أنه ستبقى لديك مكاسب.
لكن الفكرة هي أنها تعطيك بعض الخيارات. من السهل – ومن غير المكلف – أن تخرج من سيناريو معين وتتوجه نحو شيء آخر في عجلة حين يبدأ شكل الأزمة في الوضوح. من الأفضل أن تكون مستعدا.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES