ثقافة وفنون

«توم كروز» .. العالق بين السياسة والمخدرات

«توم كروز» .. العالق بين السياسة والمخدرات

«توم كروز» .. العالق بين السياسة والمخدرات

ما إن أرى إعلانا لفيلم يحمل صورة توم كروز، حتى أقرر مباشرة أن يكون الخيار الأول لي ضمن باقة الأفلام المعروضة في صالة السينما، ورغم أن كروز ليس أفضل ممثل في العالم، إلا أن سطوع نجوميته ووسامته تدفع كثيرين بطريقة عفوية للمسارعة ومشاهدة أفلامه بغض النظر عن قصته أو تصويره أو إخراجه.
لذلك ما إن شاهدت صورة توم كروز الباسم خلف نظارة الريبون السوداء في إعلان فيلمه الجديد American Made، حتى سارعت إلى شراء التذاكر متشوقة لرؤية توم كروز أكثر من حماسي لمشاهدة الفيلم، لذلك وجدت نفسي مشدودة ومسحورة بنجمه من اللحظات الأولى للفيلم، غير مكترثة لقصته التي تتضمن كثيرا من الثغرات.
فيلم American Made هو فيلم يجمع بين الكوميديا والأكشن، مقتبس من قصة حقيقية للطيار الأمريكي باري سيل الذي يتعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في عملية سرية لمواجهة الشيوعيين في بلدان أمريكا الوسطى، قبل أن يبدأ بتهريب المخدرات لمصلحة أحد أشرس كارتلات كولومبيا.

هوية تاريخية

ولقد كان واضحا هوية الفيلم الوثائقية التاريخية، حيث سلط الضوء على حقبة السبعينيات والحرب الباردة الدائرة آنذاك، والتنافس الروسي الأمريكي، فنتعرف في بداية الفيلم على الطيار باري سيل، يقوم بدوره الممثل توم كروز، الذي يعمل على خطوط طيران TWA ويعيش حياة عائلية مستقرة مع زوجة شقراء جميلة تدعى لوسي تلعب دورها الممثلة سارة رايت، وطفلان، يقوم بتهريب السيجار الكوبي خلال رحلاته كنوع من زيادة الدخل غير المشروع، ولكن حياته انقلبت رأسا على عقب عندما قابل رجل المخابرات الأمريكي شايفر، يلعب دوره الممثل دومينال جليسون، الذي يخبره عن معرفته بجريمة التهريب التي يقوم بها، ولا يدينه عليها، ولكن يريد استغلال مواهبه بصورة أفضل، حيث ستعطيه الدولة طائرة صغيرة رائعة ليقوم بتصوير مناطق النزاع في أمريكا الجنوبية، ولم يحتج سيل لكثير من الإغراء أو الإقناع، ولم يكترث لرفض زوجته لتركه عمله ذا التأمين الطبي العائلي والمنافع العديدة، فيستقيل ويبدأ مغامرته في العمل مع رجال المخابرات.

دخل المخدرات

ولكن باري سيل لم يكن رجلًا قانعًا ولا صاحب مبادئ، لذلك عندما حاول تجار الكوكايين إغراءَه على العمل معهم لتهريب المخدرات من أمريكا الجنوبية حتى الولايات المتحدة لم يتردد وغامر بحياته وطائرته ليكمل مهمته، لكن ألقي القبض عليه أثناء ذهابه لأخذ المال مقابل العملية التي قام بها.
تنقذه المخابرات من السجن، فعاد أدراجه إلى عائلته في منتصف الليل وأخذهم هربا إلى بلدة صغيرة اسمها مينا في أركنساس، وهناك يعطيه شايفر مئات الأمتار من الأرض ومنزلا كبيرا ومطارا به عدد من الطائرات، وذلك لاستخدامه في نقل السلاح للمقاومة في نيكاروغوا التي تدعمها السياسة الأمريكية، ولكن الكونجرس لم يوافق على إمدادهم بالأسلحة، ولكن سيل لا يكتفي بذلك، بل قرر استخدام طائراته وطاقمه في عمليات تهريب ضخمة، فهو يذهب بالأسلحة إلى أمريكا الجنوبية، ويعود بالمخدرات التي يوزعها في بلاده، ويكدس الأموال التي لا يجد لها مكانًا ليخبئها فيه من كثرتها.

كروز ودي كابريو

وكعادة هوليود، فإنها دائما تقدم أفلاما متشابهة إلى حد ما، فعندما يغوص المشاهد بفيلم American Made سيعود إلى شريط ذاكرته رائعة سكورسيزي وليوناردو دي كابريو في فيلم ‎ the wolf of wall ‎street، فهما يتشابهان بنفس الأسلوب تقريبًا في عرض الأحداث، وشخصية سيل تشبه كثيرًا بيلفورت ‏الباحث عن المال أيًا كانت الوسيلة، ونفس الصعود السريع بلا اهتمام بالنتائج‎.‎
كذلك سارة رايت في دور الزوجة الشقراء الجميلة، كانت مطابقة لدور مارجوت روبي كزوجة بيلفورت، ‏ولكن الفرق أن فيلم‎ American Made ‎ لم يكن بنفس الحيوية والأداء المشوق، ولم تكن أيضا قصته بنفس التماسك على ‏الرغم من كونها مقتبسة من أحداث حقيقية‎.‎
وكذلك عادت بي الذاكرة إلى فيلم آخر وهو‎  Kill the messenger  ‎ لجيرمي ‏رينير الذي تناول كذلك مشكلة تهريب المخدرات من أمريكا الجنوبية للولايات المتحدة خلال أزمة نيكارغوا، ‏وكشف على أنّ ذلك كان بدعم من المخابرات الأمريكية، حيث يتم استخدام أموال المهربين بعد إلقاء القبض ‏عليهم في دعم المقاومة بدون الإخلال بميزانية الدولة.

بساطة الفيلم

ولقد بدا واضحا البساطة التي تميز بها الفيلم من الناحية الإخراجية، فضلا عن بساطة الحوار الذي كتبه جاري سبينيللي، فهو في النهاية فيلم بسيط جدا لكنه مشوق يأسر المشاهد من البداية حتى النهاية، ولعل السبب في ذلك يعود إلى أداء توم كروز المتميز، لكن الأدوار المساعدة فى الفيلم للأسف لم تكن بنفس القوة المتوقعة أو التي تتناسب مع أداء توم كروز، خاصة سارة رايت التى قامت بدور لوسي، بالإضافة لباقي الأدوار في الفيلم، فضلا عن ذلك فإن كمية المشاهد الكوميدية التي تم عرضها كانت كافية لكسر الروتين والقضاء إلى حد بسيط على الثغرات الموجودة.
ديكورات الفيلم كانت مميزة وبسيطة واستطاعت أن تأخذنا لفترة الثمانينيات بسهولة، والموسيقى الخاصة بالفيلم والأزياء كانت متناسقة مع الأحداث والفترة الزمنية التي تدور فيها، وطبعًا المؤثرات الخاصة ومشاهد قيادة السيارات وغيرها من الأمور كانت كلها في أفضل حالاتها، واستطاع الإخراج أن يطوعها لخدمة أحداث الفيلم.
 
روح التسعينيات

انتهى الفيلم وعدت أدراجي وفي خاطري مئات الأسئلة عن قصة الفيلم، فأمضيت سهرة بعدها على غوغل أكتشف كيف تم التوفيق بين الأحداث الحقيقية والتمثيلية، فكانت المفاجأة أن البطل باري سيل ليس كما تم تقديمه في الفيلم، فهو لا يتمتع بالوسامة ولا الرشاقة التي تميز كروز، أما من ناحية الأحداث فوجدت أن المخرج أغفل بعض النقاط الأساسية في الفيلم أبرزها أن عمليات تهريب الممنوعات كانت تتم بعلم ودعم السلطات الأمريكية، حيث يتم استخدام أموال المهربين بعد إلقاء ‏القبض ‏عليهم في دعم المقاومة بدون الإخلال بميزانية الدولة، إلا أن المخرج ‏‏بدلًا من تسليط الضوء على هذه القضية، فضل التعامل مع قضية ‏تهريب المخدرات بسطحية شديدة كوسيلة لكسب ‏البطل مزيدا من المال، دون التركيز على شخصيات قوية ‏مثل بابلو إسكوبار وزملائِه من تجار المخدرات، وهو من الأسماء المشهورة والتاريخية في هذا المجال، كذلك أغفل طرح تأثير تلك التجارة على أمريكا خلال عهد ريجان‎.‎
وعلى الرغم من انبهاري بالنجم كروز وأدائه التمثيلي البارع، لا يعدو فيلمه الجديد American Made  إلا مجرد فيلم أكشن حاول تقديم قصة حقيقية مثيرة وتحمل كثيرا من التفاصيل لكنها خالية من أي عمل فني ضخم.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون