FINANCIAL TIMES

«أمازون» تثير الرعب في أوساط الشركات الأمريكية

«أمازون» تثير الرعب في أوساط الشركات الأمريكية

لا تزال المفارقات الأمريكية مستمرة. الأسبوع الماضي جلب ما يلي: مزيد من أعلى الأرقام القياسية تاريخيا لسوق الأسهم الأمريكية. تجدد التحذيرات من رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي الأسبق، ألان جرينسبان، من أن السندات الآن في فقاعة لا بد أن تنفجر. تقرير إيجابي آخر عن سوق الوظائف في الولايات المتحدة أظهر ارتفاع معدل التوظيف. وفي خضم كل ذلك تراجع آخر في معدلات الثقة في الرئيس دونالد ترمب.
هذا الرئيس الذي انتخب لإنعاش حظوظ مجموعة كبيرة من الأمريكيين في الطبقة الوسطى والطبقة العاملة، الذين تم التخلي عنهم، يبدو الآن في خطر فقدان هذه المجموعة. ويبدو أن أعضاء حزبه أكثر استعدادا بكثير لإحباطه مما كانوا عليه قبل ستة أشهر.
منذ بدء انتعاش ما بعد الأزمة عام 2009، مفارقة الأسواق المزدهرة والبيانات الاقتصادية الجيدة، وفي الوقت نفسه تفاقم الاستياء والغضب الاجتماعي، ازدادت عمقا. وللتوفيق بين هذه العوامل علينا أن نضع في الحسبان أمرين. الأول، أن مصالح المستثمرين والعمال تختلف وتتفاوت حاليا أكثر من أي وقت مضى. والآخر ظهر بصورة عجيبة قبل أسبوع، لبضع ساعات، عندما أُعلِن أن مؤسس أمازون، جيف بيزوس، هو أغنى رجل في العالم.
أمازون وكل ما تمثله يهيمن على المشهد والثقافة. فهي تهيمن على آمال ومخاوف الشركات. الطبعة الأخيرة من الصحيفة الساخرة "ذي أونيون" أوردت موضوعا ساخرا بقلم بيزوس بعنوان: "نصيحتي إلى أي شخص يطلق شركة هي أن يتذكر أنني في يوم ما سوف أسحقك".
تحليل أجرته "بلومبيرج" لتعليقات المديرين التنفيذيين للشركات خلال اجتماعات حول الأرباح تمت عبر الهاتف، وجد أن ذكر أمازون باعتبارها "مذهلة" ورد 635 مرة في أيار (مايو) وحزيران (يونيو) وتموز (يوليو)، بينما جاء ذكر الرئيس ترمب فقط 162 مرة، والأجور 111 مرة. وتكثف الانشغال ببيزوس خلال الشهر الماضي. الشركات تشعر بالقلق منه أكثر من شعورها بالقلق من ترمب.
كذلك ألقى بيزوس بظلاله على أرقام الوظائف القوية في تموز (يوليو). وجد أكثر من 200 ألف أمريكي وظائف في الشهر الماضي على شبكة الإنترنت، في حين انخفض معدل البطالة إلى مستوى جديد بعد الأزمة، حتى مع ارتفاع عدد الذين يجعلون أنفسهم متاحين للعمل. كان هذا إيجابيا بشكل لا لبس فيه، لكن ستيفن بليتز، من لومبارد ستريت ريسيرش، يشير إلى تأثير التجارة الإلكترونية. خلال الـ 12 شهرا الماضية، أظهرت الأرقام أن العمالة في تجارة التجزئة، باستثناء تجارة السيارات، تراجعت بمقدار 33 ألف وظيفة، بينما زادت فرص عمل السعاة والمراسلين بمقدار 24500. لقد جعلت التجارة الإلكترونية الحياة أكثر ملاءمة، وساعدت على توفير التكاليف، لكن الأثر كان استئصال عديد من الوظائف ذات الأجور المنخفضة واستبدلت بها الوظائف التي عادة ما تكون أقل أمنا، وحتى أكثر انخفاضا في الأجر. وهذا يبين سبب السخط الاجتماعي المتعمق والشعور المتزايد بعدم المساواة.
يمكننا أن نرى لماذا يمكن لأسهم أمازون أن تحقق أداء جيدا. لكن كيف يمكن للتعطيل الناجم عن التجارة الإلكترونية أن يترجم إلى أسواق قوية مثل هذه؟ في الأسبوع الماضي، أشار جيريمي جرانثام، مؤسس مجموعة إدارة صناديق GMO، إلى أن الظروف الاقتصادية التي تسبب مثل هذا الخوف الشديد هي أيضا ما يدفع المستثمرين إلى وضع تقييم أعلى على الأسهم. العامل الذي يدفع إلى مضاعِفات أكثر هو هوامش الربح - الهوامش الأعلى تؤدي إلى مضاعِفات أرباح أعلى. وفي الوقت الذي يغلب فيه على الهوامش إلى أن تعود إلى المتوسط، هذا هو بالضبط تقريبا الطريق الخاطئ للتعامل معها. وأشار جرانثام إلى أن على الناس أن يدفعوا المزيد للأسهم عندما تكون الهوامش منخفضة، وأن يدفعوا أقل عندما تكون الهوامش مرتفعة. لكن المستثمرين يتكدسون عندما تكون المضاعِفات مرتفعة. كانت الهوامش بعد الأزمة مرتفعة في الولايات المتحدة وبقيت كذلك. وسواء كان ذلك نتيجة لانخفاض التكاليف (بسبب شركات مثل أمازون)، أو ارتفاع القدرة الاحتكارية (من قبل شركات مثل أمازون)، أو الأجور المنخفضة بصورة متكررة (مدفوعة بشركات مثل أمازون)، لا تزال الهوامش مرتفعة. المستثمرون يحبون هذا. لكن كل الآخرين يكرهونه.
ثاني أهم محرك لمضاعِفات السعر إلى الأرباح التي وجدتها GMO كان التضخم. فكلما كان ذلك منخفضا كان أفضل، شريطة ألا ينحدر إلى انكماش مخيف. هذا هو ما لدينا اليوم، ربما جزئيا بفضل صعود التجارة الإلكترونية واقتصاد الوظائف المرنة. كانت مخاوف الانكماش في بعض الأحيان تُحدِث هزات في سوق الأسهم، لكن في معظم الأحيان التضخم المخدر هو فقط ما يريده المستثمرون.
لا الهوامش ولا التضخم هما بالضرورة سبب وجيه لدفع المزيد مقابل الأسهم. قوة هذه العوامل بدلا من ذلك هي سلوكية. كما يشير جرانثام، فإنها تجعل المستثمرين يشعرون بمزيد من الراحة. ويقول إن ظروف السوق الحالية تتماشى مع ما يمكن توقعه تاريخيا. الأمر غير العادي هو الظروف الاقتصادية والشركات، مع استمرار انخفاض التضخم وارتفاع هوامش الشركات.
إذا ارتفع التضخم بشكل حاد، أو إذا أدت الإجراءات السياسية إلى انخفاض الهوامش بشكل حاد، فمن شأن ذلك أن ينطوي على هبوط مفاجئ في أسعار السوق. حسب الوضع الحاضر يبدو اقتصاد أمازون راسخا بشكل جيد. وهذا يعني وجود أسهم أكثر تكلفة، وسندات باهظة الثمن، ومستثمرون يشعرون باسترخاء، وشعب غاضب أكثر من أي وقت مضى.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES