FINANCIAL TIMES

بروكسل تستهدف الجيل الجديد من عمالقة التكنولوجيا الأمريكية

بروكسل تستهدف الجيل الجديد من عمالقة التكنولوجيا الأمريكية

عندما كانت "مايكروسوفت" و"إنتل" تحكمان عالم الحوسبة، مثلت سلسلة من الغرامات القياسية المضادة للاحتكار ذروة الجهود التنظيمية في أوروبا لتقييد قوة الشركات.
الآن جاء الدور على جيل جديد من شركات التكنولوجيا الأمريكية المهيمنة، بعدما فرضت المفوضية الأوروبية أمس الأول غرامة بلغت 2.42 مليار يورو على "جوجل"، في أول إجراء من جانب بروكسل لمكافحة الاحتكار ضد عمالقة الإنترنت الجدد. الغرامة المذكورة أكبر من كامل الغرامات البالغة 2.2 مليار يورو التي فُرضت ضد "مايكروسوفت" في أربع حالات منفصلة على مدى عقد من الزمان.
إذا أرادت المفوضية أن تضع علامة فارقة، يبدو أنها اختارت المكان غير المتوقع. القضية ضد "جوجل" موجهة إلى جزء غامض من عالم التجارة الإلكترونية: مقارنة خدمات التسوق، حيث يمكن لمستخدمي الإنترنت مقارنة الأسعار وغيرها من ميزات المنتجات، ثم الانتقال إلى أماكن أخرى للشراء. في الوقت الذي تقوم فيه "أمازون" بجذب كثير من الاهتمام من خلال عالم التجارة الإلكترونية، وتراجع متاجر التجزئة الفعلية على الأرض أمام المنافسة عبر الإنترنت، فإن قضية تبلغ من العمر ثماني سنوات تلمس ركنا مبهما من التجارة الإلكترونية، تخاطر بأن تبدو وكأنها لا علاقة لها بالموضوع.
لكن من المرجح أن يكون التأثير أكبر بكثير من الأصول التي لم تكن تبشر بالنجاح للقضية المقترحة. وفقا لتقديرات محللين في "كريدي سويس"، ثلث عائدات الإعلانات على شبكة البحث في "جوجل" من أوروبا، أو ما يقارب 7 في المائة من إجمالي إيراداتها، يأتي من إعلانات التسوق التي تشكل جوهر شكوى الاتحاد الأوروبي.
الأمر الأهم حتى من ذلك هو أن القضية تفتح جوهر محرك بحث "جوجل"، وتضع سابقة يمكن للآخرين استخدامها للفوز بعرض أفضل في واحدة من أكثر خدمات الإنترنت استخداما. بالنسبة لشركات الإنترنت الأمريكية الكبرى الأخرى، التحذير واضح: استخدام منصاتها الرقمية المهيمنة على نحو متزايد لتعزيز خدمات جديدة، ابتداء من المدفوعات إلى المحتوى الترفيهي، يمكن أن يؤدي إلى رد مماثل.
وفي واشنطن، حيث تؤدي مثل هذه الإجراءات حتما إلى إثارة شكوك في أن هناك تحيزا ضد الولايات المتحدة، جلبت الغرامة إدانة فورية من ممثلي صناعة التكنولوجيا، خصوصا أن لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية بحثت القضايا نفسها، مثل بروكسل، وقررت في عام 2013 عدم توجيه اتهامات.
قال إد بلاك، رئيس اتحاد صناعة الكمبيوتر والاتصالات: "أعتقد أن الضغوط السياسية جزء من السبب في ما حدث. هناك استياء لأنها شركات ضخمة، وهي شركات أمريكية، تجني كثيرا من المال".
مع ذلك، يبدو رد الفعل الأمريكي كأنه أكثر ضعفا بكثير من آخر ثورة مماثلة عبر الأطلسي ــ العقوبة الضريبية التي بلغت 13.2 مليار يورو ضد "أبل" حول صفقة ضرائب تفضيلية مع إيرلندا. ويعود ذلك جزئيا إلى الواقع السياسي الجديد في واشنطن. فحتى الأشخاص المقربين من "جوجل" يعترفون بأنه ينظر إليها على أنها "شركة ديمقراطية" ــ مؤيدة للحزب الديمقراطي ــ وينظر إليها بشكوك أكثر في البيت الأبيض في ظل رئاسة دونالد ترمب. في المقابل، انتقد الرئيس باراك أوباما شخصيا بروكسل عندما قدمت شكواها في البداية في قضية التسوق. وكان إريك شميدت، رئيس "ألفابت" الشركة الأم لـ "جوجل"، مؤيدا كبيرا لهيلاري كلينتون في انتخابات العام الماضي.
في إشارة إلى غياب الحرارة السياسية الناتجة بسبب هذه القضية، فإن محاولة من قبل مؤيدي "جوجل" في الأيام الأخيرة للحصول على تواقيع من الكونجرس لإرسال رسالة احتجاج على الإجراء، لم تلق استجابة. وفي الوقت نفسه، توصل وادي السيليكون إلى استنتاج يفيد بعدم وجود جانب إيجابي يذكر في الدخول في معركة عامة مع الأجهزة المنظمة الأوروبية. هذا يتناقض بشكل صارخ مع التحركات المسرحية التي جاءت في أعقاب تغريم "أبل" في العام الماضي، حين ندد تيم كوك، الرئيس التنفيذي للشركة، بالحكم قائلا إنه "حماقة سياسية كاملة".
بعض شركات التكنولوجيا الأمريكية تُظهر منذ الآن أنها تعلمت طريقة أقل مواجهة للتعامل مع بروكسل. توصلت "أمازون" في وقت سابق من هذا العام إلى صفقة هادئة لتجنب أن تتعرض لتحقيق من الاتحاد الأوروبي، وغيرت شروط العقد لتجنب إقامة قضية ضد متجر كيندل إبوك. لكن "جوجل" فوتت فرصتها الخاصة للتوصل إلى تسوية مماثلة حول مقارنة التسوق، بعدما فشلت في كسب التأييد لثلاثة عروض تسويات منفصلة، ما أدى إلى جرجرة القضية على مدى عدد من السنوات وتركها عرضة لاتخاذ إجراءات أكثر جذرية عندما تغيرت الرياح السياسية في بروكسل في نهاية المطاف.
بالنسبة إلى المنتقدين في الولايات المتحدة، شبح الأجهزة التنظيمية الأوروبية التي تعبث بتصميم بعض منتجات التكنولوجيا الأكثر استخداما في العالم يدفع إلى إجراء مقارنات مع المحاولات السابقة لتقييد "مايكروسوفت"، بما في ذلك الوقت الذي اضطرت فيه شركة البرمجيات لبيع نسخة من "ويندوز" في أوروبا تم تجريدها من عدد من خواص البرنامج الرئيسة.
قال ديفيد بالتو، المحامي السابق لمكافحة الاحتكار في لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية: "العلاج الذي استخدمه الاتحاد الأوروبي ضد مايكروسوفت أثبت عدم فاعليته. لم يقبل المستهلكون اللعبة التي عرضت عليهم. وأعتقد أن الشيء نفسه قد ينتهي به المطاف في هذه القضية".
من خلال دق أول خازوق في الأرض لمكافحة الاحتكار ضد عمالقة التكنولوجيا الأمريكيين الجدد، تنظر بروكسل إلى نفسها على أنها خط الدفاع الأول.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES