FINANCIAL TIMES

ما الأفضل .. صناعة الرئيس أم شراؤه؟

ما الأفضل .. صناعة الرئيس أم شراؤه؟

منتج جنرال إلكتريك الأحدث هو مسؤول تنفيذي أمريكي أصلع يبلغ من العمر 55 عاماً، مع خلفية في مجال التمويل.
جون فلانيري خرج من مصنع جنرال إلكتريك لقادة الشركات الأسبوع الماضي، مستعداً لخلافة جيف إميلت في آب (أغسطس)، وليصبح الرئيس التنفيذي العاشر فقط في تاريخ الشركة متعددة الجنسيات التي بلغت من العمر 125 عاماً. التبشير بمقدمه جاء بعد عملية دقيقة ومكثفة بقدر دقة تصنيع شفرة مروحة مركّبة لواحدة من محركات الطائرات التي تنتجها.
جاء الخبر في أعقاب ضغط على إميلت من المستثمرين، لكن جنرال إلكتريك تقول إنها بدأت التخطيط للخلافة بالتفصيل في عام 2011 - عندما كان هناك عشرة مرشحين قيد الدراسة - وإن المجلس منذ فترة طويلة تعود إلى عام 2013 حدد هذا الصيف باعتباره الوقت المثالي للانتقال إلى قائد جديد.
فلانيري الذي يُدير قسم الرعاية الصحية في جنرال إلكتريك، شخصية مُخضرمة تعمل في جنرال إلكتريك منذ 30 عاماً، وقد تم تشكيله على خط إنتاج قادتها وصقله من خلال مهام مختارة بعناية في الولايات المتحدة والخارج.
جنرال إلكتريك دائما ما كانت من بين مُعدّي قادة المستقبل الأكثر دقة، مستفيدة من أفضل الممارسات، بدءا من ممارسات المدرسة المركزية للحزب الشيوعي الصيني إلى فريق بوسطن كيلتكس لكرة السلة. لكن طريقة جنرال إلكتريك بدأت وكأنها استثناء مُكلف، حتى إنها متخلفة زمنيا، قياسا بالطرق التي يستخدمها كثير من الشركات لتشكيل قادتها المستقبليين - هذا إذا تكلّفت عناء تشكيلهم على الإطلاق.
انهيار القيادة في "أوبر"، التي استقال رئيسها التنفيذي المؤسس، ترافيس كالانيك، الأسبوع الماضي، يركّز الاهتمام على ما يُمكن أن يحدث للمنظمات التي تفشل في تطوير قادتها.
ولطالما أدركت الشركات الكبيرة أنها لم تعُد قادرة على إعداد القادة باستخدام أنموذج ثابت. وكما قال إميلت الأسبوع الماضي، لم يتم اختيار خليفته "بسبب ما يعرفه (لكن) لمدى السرعة التي نعتقد أنه يُمكن أن يتعلم بها". باستثناء الضغط الحتمي على ميزانيات التدريب، التحوّل من التسلسل الهرمي للشركات إلى شبكات أكثر مرونة ونقل السلطة إلى فِرق عمل تُدار ذاتياً يعني أن الشركات لم تعُد قادرة على أن يُديرها قادة مُسيطرون تعلّموا من كُتيّبات الإدارة. تُريد مجالس الإدارة الاختيار من مجموعة دولية أكثر تنوعاً من القادة المستقبليين - مجموعة قد لا تكون متوافرة داخلياً. في الوقت نفسه، الموظفون الشباب الواعدون الذين كانت منظماتهم تعتمد عليهم للبقاء لعقود يتوقّعون الانتقال بشكل متكرر، أو الانفصال كأصحاب مشاريع بحد ذاتهم. هذه الضغوط أدت إلى التوتر بين أنموذجي "بناء" و"شراء" التطوير التنفيذي. بيتر كابيلي، مدير مركز الموارد البشرية في كلية وارتون في جامعة بنسلفانيا، يقول إنه يشهد تراجعا طويلا في عدد الشركات التي ترغب في الاستثمار في الخطط المكثفة لتطوير القادة على غرار جنرال إلكتريك. ويضيف: "حجة (الشركات) هي أننا إذا طوّرناك، سوف نخسرك، بالتالي لماذا ينبغي أن نفعل ذلك؟".
من الصعب وضع رقم للمبلغ المنفق على إعداد قادة الشركات المقبلين. باربرا كيليرمان، المُحاضِرة في القيادة في كلية كينيدي في جامعة هارفارد، قدّرت في عام 2012 أكثر من 50 مليار دولار أن يتم إنفاقها على تطوير القيادة سنوياً في الولايات المتحدة، بما في ذلك مساقات في إدارة الأعمال. ومن رأي "ديلويت" أن الشركات الأمريكية أنفقت في عام 2013 مبلغا وصل إلى 15.5 مليار دولار على تدريب القادة المستقبليين.

لا للمدير مدى الحياة
في المقابل، كثير من الشركات الكبيرة تُفضّل إنفاق المال على تعيين مسؤولين تنفيذيين كبار جاهزين بدلاً من تطويرهم.
تقرير خاص تم إعداده في عام 2013 لتحديد الاتجاهات المستقبلية للإنفاق على تكنولوجيا الموارد البشرية، قدّر إجمالي السوق المتاحة لإعلانات الوظائف وأنظمة التوظيف بـ 30 مليار دولار. هذا كان عشرة أضعاف حجم السوق المستقبلية للتكنولوجيا الخاصة بإدارة وتطوير الموظفين الحاليين - علامة على المكان الذي قد تكمُن فيه الأولويات.
شركة سبنسر ستيوارت المختصة في البحث عن كبار الموظفين، تقول إن عُشر المسؤولين التنفيذيين الجُدد فقط في الشركات المدرجة على مؤشر ستاندرد آندر بورز 500 تم تعيينهم من شركة أخرى في العام الماضي، وهو أدنى مستوى منذ عام 2004.
لكن المشاكل يُمكن أن تنشأ عندما لا يكون لدى الشركات مجموعة عميقة بما فيه الكفاية من البدائل المحتملة. مايكل بيرشان، الشريك في "ماكينزي"، يقول: "على الأقل بعض العملاء الذين راقبتهم كانوا يجذبون مزيدا من القادة من الخارج. ليست هناك وظائف لمدى الحياة، الموظفون لا يُريدون وظائف لمدى الحياة".
نتيجة لذلك "سيكون هناك عدد أقل من الشركات في الاقتصاد كله تبني القادة الخاصين بها"، وسيُصبح أكثر أهمية بالنسبة للشركات أن تكون قادرة على دمج المسؤولين التنفيذيين الموهوبين من المنظمات الأخرى.
الشركات التي تُدير مبادرات أعمق لتطوير القادة ترى فائدتها، لكنها تعترف بأن الطريقة التي يتم بها اختيار القادة المستقبليين وتدريبهم والاحتفاظ بهم يجب أن تتغير، جزئياً لتطوير مهارات أكثر اعتدالاً، مثل التعاطف أو الإبداع.
من أجل كبار التنفيذيين فيها، البالغ عددهم 130، تُنظّم "سكاي"، شبكة البث التي يوجد مقرها في المملكة المتحدة، برنامجا يحمل اسم "المستقبل الآن" Now Future.
البرنامج يشتمل على مداخلات من مفكّرين، وأصحاب مشاريع، ورياضيين، وورش عمل، وخلوة سنوية. ويتم أيضاً ربط التنفيذيين بتطبيق على الإنترنت، سكاي هايف، الذي يسمح لهم بتبادل الأفكار ومشاهدة مقاطع فيديو عن الرفاهية والذكاء العاطفي. الهدف من ذلك ليس توفير تدريب فني أو إداري ـ وهو ما توفّره سكاي أيضاً ـ لكن تشجيع الثقافة الصحيحة وإثارة التفكير الإبداعي.
ومنذ فترة طويلة تقدم جنرال إلكتريك لـ 650 من كبار التنفيذيين فيها تدريباً مكثّفاً للقيادة في كروتونفيل، مركزها التدريبي في وادي هادسون شمال مانهاتن، أو المراكز التابعة له في الخارج. كما تُرسل أيضاً معظم كبار المسؤولين في زيارة لمدة يومين أو ثلاثة إلى أماكن مثل شواطئ إطلاق العمليات في نورماندي، أو إلى جسر في ألاباما، حيث اشتبك متظاهرو الحقوق المدنية في عام 1965 مع الشرطة المسلحة بسبب حقوق التصويت للأمريكيين السود. تقول سوزان بيترز، نائبة الرئيس للموارد البشرية في جنرال إلكتريك: "من المفترض أن تكون هناك لحظات من التعلّم والتأمل يأخذها الناس معهم إلى بيئات (العمل) الخاصة بهم".
في فئة البرامج المخصصة، قدّمت "جونسون آند جونسون" لأعلى سبعة تنفيذيين فيها فريقا من المختصين، بمن فيهم مختصون في التغذية ومختص في الأداء، لحمايتهم من الإرهاق. وأطلقت شركة الرعاية الصحية هذا العام برنامجا بقيمة 100 ألف دولار للشركات الأخرى، أيضاً.
وتعترف بيترز بأن جنرال إلكتريك لديها ميزة على الشركات الأصغر تتمثل في إمكانية تكييف التدريب للتنفيذيين من ذوي الإمكانات العالية فيها، وتدوير قادتها المستقبليين بين مختلف الوظائف. تقول: "تم منح جميع المرشحين (لمنصب الرئيس التنفيذي) فرصة للتنقل في الأقسام ليُظهروا، من منصات مختلفة، طريقة قيادتهم". حتى إن جنرال إلكتريك استحدثت وظيفة خاصة لفلانيري في الهند لمنحه الخبرة في إدارة الأنشطة الصناعية. "يونيليفر" شركة أخرى متعددة الجنسيات لديها ما يكفي من الثقل والاتساع لتوفير مهام مختلفة للمديرين الذين يبشرون بالخير. لينا ناير، كبيرة الإداريين للموارد البشرية في شركة المنتجات الاستهلاكية، تصف بعضهم بأنهم "مواهب الرهان الكبير" عندما ينهون خمسة أو ستة أعوام. تقول إن فوائد "البناء مقابل الشراء" على المدى الطويل كبيرة. وتضيف: "بناء المواهب الخاصة بك أكثر ذكاءً بكثير من الناحية الاقتصادية".
لكن، مثل السيدة بيترز في جنرال إلكتريك، تُضيف أن مثل هذه البرامج يجب تحديثها باستمرار للتكيّف مع المتطلبات الجديدة للقادة: "كل عام ننظر إلى بعضنا بعضا ونقول: يا إلهي، نحن بحاجة إلى بذل مزيد من الجهد".

جولات العمل
في الوقت نفسه، يشعر المديرون الشباب بالغضب لأنهم لا يحصلون على الفرص نفسها التي تحصل عليها الأجيال الأكبر. دراسة أجرتها ديلويت على جيل الألفية في عام 2016 وجدت أن 63 في المائة من الموظفين المولودين بعد عام 1982 قالوا إنه لم يتم تطوير مهاراتهم القيادية بالكامل.
تقول ناير إن خطط التطوير المُشكّلة على نحو سليم تجذب المديرين الشباب وتساعد على الاحتفاظ بهم، على الرغم من الرغبة في الانتقال بين الوظائف التي يأتي ذكرها كثيرا. "إذا قلت لهم إنكم ستؤدون هذه الوظيفة لمدة خمسة أعوام وأن الأمر سيكون هو نفسه على نطاق واسع، بالطبع أنت لن تحتفظ بهم". وتتابع: "لكن إذا قلتَ لهم يمكنكم تشكيل هذا (...) وقد ترغبون أيضاً في المشاركة في هذا المشروع (حول شيء سيُثير اهتمامهم) عندها سيبقون".
من الناحية الواقعية، يجب على بعض الشركات ترك المسؤولين التنفيذيين فيها ينتقلون من أجل التطوير، إذا لم تستطع توفير الفرص لهم داخل المنظمة. رئيسة الموارد البشرية في إحدى المجموعات الأوروبية تقول إنها تتعقب شبكة من الخرّيجين، بانتظار اللحظة التي ستكون فيها قادرة على جذبهم مرة أخرى. ريد هوفمان، مؤسس "لينكدإن"، طوّر فكرة "رحلات العمل" التي بموجبها تُحدد الشركات بعثات محددة لمدة عامين إلى أربعة أعوام للموظفين، بعدها يستطيع أي الطرفين تقرير ما إذا كان ينبغي التوقف.
يقول البروفيسور كابيلي إن هذا أمر يتطابق مع روح وادي السليكون، حيث انزلق الاستثمار في تدريب القيادة بعيداً، ما أدى إلى حالة متأصلة من عدم الولاء ومعركة مكلفة للحصول على أفضل الموظفين. جوجل شجّعت الموظفين لتعليم بعضهم بعضا من خلال نظام أطلقت عليه G2G، يتضمن درجة ماجستير مصغرة في إدارة الأعمال لمدة سبعة أسابيع. لكن يُلاحظ النقاد أن الشركة ليست لديها مشكلة في جذب أفضل الموظفين. يقول البروفيسور كابيلي: "تقول الشركات إنها تُريد أن تُصبح أفضل في التعيين وأفضل في الاحتفاظ بموظفيها، الأمر الذي، كنظام، لا يُمكن أن ينجح". في الواقع، يقول هوفمان إن من الممكن تنفيذ بعثات متتالية داخل شركة واحدة - ويستشهد بجنرال إلكتريك. في كتاب "ذا ألاينس" ’التحالف‘، الذي شارك بن كاسنوشا وكريس ين في تأليفه، يكتب المؤلفان: "ما من شخص أصبح رئيسا تنفيذيا لجنرال إلكتريك دون أن ينهي عديدا من جولات العمل".
مع ذلك، يُقدّم وادي السليكون حكاية تحذيرية حول الحاجة لتطوير القيادة، تتمثل في شركة أوبر. قبل استقالة كالانيك، عيّنت فرانسيس فراي، الأستاذ في كلية هارفارد لإدارة الأعمال، في منصب نائب رئيس أعلى للقيادة والاستراتيجية - إحدى نتائج اعتراف المؤسس بأنه "كان في حاجة إلى مساعدة قيادية".
واحدة من التوصيات الأوضح للتحقيق في سلسلة من الفضائح في شركة النقل كانت أنه ينبغي على كبار المديرين الحصول على تدريب قيادة إجباري. ينبغي أن يشتمل، كما قال التقرير الذي قدّمه إريك هولدر، وزير العدل السابق في الولايات المتحدة، على دروس أساسية مثل "كيفية تحديد الأهداف التنظيمية بشكل فعال" وكيفية تشجيع "ثقافة يتم معها سماع الجميع بطريقة تجعلهم يشعرون بالراحة، ويشعر الموظفون بالأمان لاقتراح الأفكار".
إنها طريق طويلة من البرنامج المنهجي على غرار جنرال إلكتريك، لكنها البداية.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES