FINANCIAL TIMES

لمواجهة اليمين .. ميركل تلجأ للتلويح بورقة الوطنية

لمواجهة اليمين .. ميركل تلجأ للتلويح بورقة الوطنية

في الانتخابات الألمانية في أيلول (سبتمبر) تعود أنجيلا ميركل إلى الأسود والأحمر والذهبي.
قبل أربعة أعوام، حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الحاكم الذي تنتمي إليه المستشارة الألمانية أزال عملياً العلم الوطني وألوانه من مواد حملته لمجلس النواب الألماني، نتيجة شعوره بالقلق من أن يبدو مُحافظاً فوق الحد بالنسبة للألمان المعاصرين. حتى إن ميركل أخذت العلم من يد زميل لها من كبار أعضاء الحزب عندما كان يلوّح به في تجمع انتخابي عام 2013.
لكن المشهد السياسي تغير هذا العام. مع تكثيف حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي حملته لولاية رابعة لميركل، يواجه للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، تحدّيا من اليمين يتمثل في حزب "البديل لألمانيا" المناهض للهجرة.
وفي الوقت الذي تتصاعد فيه المشاعر القومية في بلدان تُقيم معها ألمانيا علاقات مهمة -من الولايات المتحدة إلى بولندا- تعد محاولة التقرب من الأطياف الوطنية وسيلة لتُظهر المستشارة أنها لا تخجل من وضع مصلحة ألمانيا أولاً.
لذلك، حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي يعود مرة أخرى إلى العلم الوطني، وإن كان في شكل قوس قزح مُصغّر ذي منظر عصري، يعرض حالياً داخل المقر الرئيس للحزب في برلين.
بيتر تاوبر، أمين عام حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والرجل الذي يقود الحملة، أخبر "فاينانشيال تايمز" أن حملة حزب يمين الوسط "ستكون أكثر وطنية قليلاً من قبل. لأننا في أوقات حيث الشعبوية اليمينية أقوى ونحن لا نريد ترك الوطنية لهؤلاء الأشخاص".
لكن في الوقت الذي تسعى فيه ميركل لتمديد أعوامها الـ12 في السلطة، فإن دورها في قلب الحملة ليس على وشك التغيير.
مع اقترابها من معادلة حالات الفوز بالمستشارية من عدد حالات فوز هيلموت كول، مرشدها في الحكم الذي توفي الأسبوع الماضي (تولى كول منصب المستشارية في الفترة 1982 - 1998)، تعتبر ميركل مرة أخرى عنصرا مهما لحزبها.
منذ وقت ليس ببعيد لم يكُن الأمر على هذا النحو، عندما تراجعت شعبيتها بسبب أزمة اللاجئين عام 2015-2016، حين بدأ ناخبوها الأساسيون التشكيك في حكمة سياسة الباب المفتوح. وفي بداية هذا العام بدا أنها مُهددة من الحزب الديمقراطي الاجتماعي المتجدد، الذي كان يتمتع بشهر عسل مع زعيمه الجديد، مارتن شولز.
الآن مهمة تاوبر تبدو أسهل. فمع مواجهتها لانعزالية الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وخروج بريطانيا، والإرهاب الدولي، والعداونية الروسية ارتفعت شعبيتها مرة أخرى إلى نحو 70 في المائة. في الوقت نفسه تعثّر شولز وحقق حزبه أداء سيئاً في ثلاثة انتخابات إقليمية متتالية.
الآن استطلاعات الرأي تعطي حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحليفه البافاري، حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، 39 في المائة من الأصوات، مقارنة بمستوى منخفض راوح بين 30 و31 في المائة في أوائل الربيع، وهي لا تقل كثيراً عن 41 في المائة سجّلها في عام 2013. الحزب الديمقراطي الاجتماعي، بعد أن وصل لفترة وجيزة إلى نسبة 30 في المائة تراجع إلى نحو 25 في المائة، وهي نسبة قريبة من النتيجة التي حققها في عام 2013، البالغة 26 في المائة.
يقول تاوبر: "يقول الناس: في مثل هذه الأوقات غير المؤكدة من الجيد فعلاً أننا نعرف من يقف على رأس بلادنا. يشعر الألمان أن الأحداث الخارجية لها تأثير مباشر علينا (...) لذلك من الصعب فعلاً الفصل بين السياسة الخارجية والمحلية - نرى هذا على وجه الخصوص في سياسة الأمن".
رغم إحساسه بالثقة، إلا أن تاوبر لا يترك أي شيء للصدفة. مع ميزانية الحملة التي تبلغ 20 مليون يورو، استثمر حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي مرة أخرى في وكالة إعلانية رائدة - هذه المرة ي"ونج فون مات" المعروفة بحملاتها البارعة. المؤسس، جان ريمي فون مات، أخبر وسائل الإعلام أنه لن يكون من الصعب تصوير ميركل "بطريقة رائعة" لأنها "رائعة"، ناهيك عن كونها "بارعة، ومرحة، وجريئة".
لوتز ماير، وهو منافس في مجال الإعلان، قدم النصح والمشورة خلال انتخابات عام 2013، يقول: "أنت لا تحتاج إلى تسويق أنجيلا ميركل. فهذه هي طبيعتها: إنها صادقة. إذا حاولت أن تبالغ في تفسير طبيعتها فوق الحد، فإن هذا لن ينجح".
رغم التلويح بعلم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي من أجل تحييد أي تهديد من حزب "البديل لألمانيا"، إلا أن حملة ميركل ستركز على المجال الذي أقامت عليه حياتها المهنية، وهو منطقة الوسط.
في السابق تبنت سياسات الحزب الديمقراطي الاجتماعي بخصوص كل شيء، من إنهاء التجنيد الإلزامي إلى إدخال الحد الأدنى للأجور، وأخذت من أدبيات حزب الخضر بأن دعمت مزيدا من الطاقة المتجددة.
ولا يتوقع ماير مفاجآت كبيرة من الحزب الديمقراطي الاجتماعي، مضيفا أن الناخبين يدركون أن الحاجة تدعو إلى بعض التغييرات، مثل الاقتراحات الداعية إلى زيادة المعونة الاجتماعية من الحزب الديمقراطي الاجتماعي، إلا أنهم لا يريدون هذه التغييرات في وقت يتسم بعوامل اللبس على المستوى العالمي. يقول: "الناس لا تريد أن تبدأ بتطبيق تغييرات شاملة على السفينة أثناء العاصفة. يريدون أولاً أن يدخلوا في منطقة المياه الهادئة".
على الجبهة الأوروبية، قالت المستشارة إنها منفتحة لفكرة منح منطقة اليورو وزيرا للمالية وميزانية مشتركة، مقدمة بذلك دعما لواحدة من سياسات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، المميزة.
ومع الإشارة إلى الرغبة في مزيد من الوحدة الأوروبية، حذّرت ميركل أيضاً المملكة المتحدة من أن أولويتها في محادثات "خروج بريطانيا" هي تجنّب الانشقاقات بين الدول الأعضاء الـ27 المتبقية في التكتل.
وقالت في المؤتمر السنوي لاتحاد الصناعات الألمانية، BDI: "خطر مفاوضات الخروج مع بريطانيا هو أننا لا نولي العناية الكافية لمستقبلنا. دعونا نبقى معاً، دعونا لا نفترق عن بعضنا بعضا".
الدعم الحذر لخطة إصلاح منطقة اليورو التي اقترحها ماكرون هو علامة على أن برلين حريصة على إعادة بناء العلاقات مع باريس التي كانت قد توترت خلال فترة الرئاسة السابقة.
لكن ميركل أوضحت أن الاتحاد الأوروبي لا يُمكن أن يتقدم إلا "إذا كانت الأوضاع مواتية، وإذا لم نتشارك الأشياء الخاطئة" وتم استخدام الميزانية المشتركة "لغايات معقولة". حذرها يعكس شكوكا في ألمانيا من أن تعميق منطقة اليورو بقيادة فرنسا يُمكن أن يؤدي إلى اضطرار دافعي الضرائب الألمان إلى تحمّل الديون المشتركة. وهي تعرف أنها تتّخذ مخاطرة سياسية، خاصة مع الانتخابات البرلمانية المُقررة في أيلول (سبتمبر).
وحث عدد من السياسيين البارزين في الاتحاد الأوروبي التكتل على استغلال فوز ماكرون في الانتخابات، والانتعاش الاقتصادي في المنطقة، واغتنام الفرصة لإجراء الإصلاحات. وأشارت ميركل إلى أن ألمانيا يجب أن تبذل مزيدا من الجهد لتكون معتمدة على نفسها، بالنظر إلى الشكوك الناجمة عن تراجع التوجه الدولي في العقلية الأمريكية وانسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
وقالت إنها تريد إجراء محادثات خروج بريطانيا التي بدأت رسمياً الأسبوع الماضي "بروح جيدة". لكنها شددت على أن "هذا لا يتعلق فقط بخروج بريطانيا، التي نريد أن نبقى أصدقاء معها، والتي نريد أن نعيش معها في شراكة جيدة، لكن هذا أيضاً يتعلق بمستقبل الاتحاد الأوروبي".
وكررت وجهة نظرها المتمثلة في أن الحريات الأربع للاتحاد الأوروبي -حركة البضائع، ورأس المال، والعمال، والخدمات- "يجب عدم المخاطرة بها"، ورفضت أي اقتراح يمنح بريطانيا وصولا إلى السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي في الوقت الذي تقيد فيه لندن حقوق العاملين.
وتشعر الشركات الألمانية بالقلق من تأثير خروج بريطانيا. وحذر ديتير كيمبف، رئيس اتحاد الصناعات الألمانية، من أن خروج بريطانيا هو "الخطر السياسي الأكبر" الذي يواجه التجارة والاستثمار الخارجي الألماني.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES