FINANCIAL TIMES

الديمقراطية تعمل تحت تأثير مفعول «فيسبوك»

الديمقراطية تعمل تحت تأثير مفعول «فيسبوك»

جاء إلى مكتبي أخيرا موظف سياسي، وفتح الكمبيوتر المحمول الخاص به وأراني كيف أنه خاض حملة انتخابية عبر "فيسبوك" في بلد أوروبي لم يسمح لي بذكر اسمه.
لنفترض أنك، في الانتخابات التي جرت في المملكة المتحدة، وأردت التأثير في مجموعة من النساء اللواتي تجاوزت أعمارهن 40 عاما واللواتي يمتلكن منازل في الخارج. تجهز مقطع فيديو لتيريزا ماي وهي تقول "الخروج يعني الخروج"، ثم تأخذ بتجربة صيغ مختلفة. أحدها قد يكون سؤالا: "هل الخروج الصعب محفوف بالمخاطر؟". والصيغة الأخرى هي جملة خبرية: "الخروج الصعب: أمر جنوني". تقوم بتغيير الألوان. وتدفع رسوما إلى "فيسبوك" من أجل نشر تلك المقاطع، وترى أيها سيحصل على أعلى عدد من نقرات "أعجبني". بعد ذلك تعيد استهداف الأشخاص الذين نقروا على الزر. هم فقط، ومعهم الأصدقاء الذين تشاركوا معهم المقاطع، سيرون ذلك الإعلان. لذلك، يمكنك إرسال إعلان مختلف تماما، ربما حتى إعلان مناهض لمسألة الخروج، للناخبين في أماكن أخرى. هذه حملة سرية من الناحية العملية. وهي رخيصة أيضا. أنفق صديقي نحو 50 ألف يورو ليتمكن من الوصول إلى أربعة ملايين ناخب. والهيئة المنظمة للانتخابات في بلده ربما لن تتمكن أبدا من العثور عليه، خاصة أنه لم يكن يعمل لصالح أي حزب.
أصبحت تلك الأساليب عالمية. يقول ماثيو أوزكوسكي، مدير المنتجات في "كامبريدج أناليتيكا"، شركة البيانات الكبرى التي عملت على إعداد حملة دونالد ترمب الانتخابية، ويقال إنها قدمت المشورة بشأن حملة التصويت لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء الذي جرى في بريطانيا: "نحن نتعامل مع انتخابات تجري الآن في إفريقيا وأمريكا الجنوبية، وأوروبا الشرقية والغربية". عمل "فيسبوك" على تغيير الديمقراطية. هذا ربما يساعد في تفسير نتائج الانتخابات المفاجئة في الآونة الأخيرة.
يواصل الاستهداف تحوله ليصبح أكثر دقة. حتى عام 2012 تقريبا، حافظ "فيسبوك" على إبقاء الإعلانات منفصلة عن محتوى المستخدمين ولم يشارك المسوقين بشيء يذكر من بيانات المستخدمين. لكن بعد ذلك، تم تعويم "فيسبوك" في البورصة وطالب المساهمون بمزيد من العائدات الإعلانية، خاصة تلك الآتية من الهواتف الذكية. الآن تظهر الإعلانات في خانة معلومات المستخدم، وسط عناصر إخبارية وتحديثات من الأصدقاء. حتى إن كثيرا من المستخدمين لا يدركون أن الإعلان هو إعلان. حاليا يعرف "فيسبوك" كل شيء يتعلق بمستخدميه (وهم في معظمهم من البلدان الغربية).
ويتيح "فيسبوك" أيضا للمسوقين استخدام مزيد من البيانات الشخصية. وقد ساعد هذا حملة ترمب الانتخابية في استهداف تلك الفئة من الناس الذين تركوا المدارس الثانوية الذين يحبون البنادق في ضواحي بيتسبرج. تم إرسال إعلانات أخرى لترمب إلى الأمريكيين السود في الولايات المترددة، تظهر فيها هيلاري كلينتون في عام 1996 وهي تتحدث عن "البلطجية"، لردعهم من التصويت لصالحها.
استهداف الناخبين أكثر فعالية وأرخص ثمنا من التحدث عبر التلفاز أمام "جمهور عام"، لم يعد له وجود على أي حال، بحسب ما يقول تشارليلي جوردان، المسوق الذي يعمل لدى وكالة أولد كونتيننت في بروكسل. يكون استهداف "فيسبوك" أكثر نجاحا في الأنظمة السياسية التي تعمل بنظام المقاطعات، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حيث يستطيع عدد قليل من الأصوات المحلية تغيير نتائج الانتخابات. أما الأخبار المزيفة فهي مجرد مجموعة فرعية من مشكلة "فيسبوك". فعبر الشبكات الاجتماعية، نادرا ما يعاقب على الكذب. ولا يتعين عليك إيراد مصادر الادعاءات. في الواقع، ربما يثق كثير من الناخبين بالمحتوى العادي البسيط الذي ليست له علامة تجارية، أكثر من ثقتهم بوسائل الإعلام الرئيسة. ويمكنك توظيف معلقين وهميين من أجل إضافة تعليقات وثرثرات لمنشوراتك، ما يعمل على إطالة مدى وجودها.
إرسال إعلانات إلى الآخرين يمكن أيضا أن يكون مفيدا. إذا كان مستخدمو "فيسبوك" يحبون حظرا مفروضا على المسلمين، يمكن للمرشح الاستفادة من ذلك. يمكنه أن يطلب من الأشخاص الذين سجلوا إعجابهم بالإعلان أن يقدموا له المال أو حضور الاجتماعات التي سيعقدها.
ركزت حملة ترمب على "فيسبوك" بشكل أكبر بكثير من تركيز حملة كلينتون. وبالمثل، عملت حملة التصويت لمغادرة بريطانيا للاتحاد على وضع 98 في المائة من ميزانيتها البالغة 6.8 مليون جنيه في مجال الإعلانات الرقمية وأرسلت قرابة مليار إعلان رقمي مستهدف، معظمها في "فيسبوك"، وفقا لمديرها دومينيك كامينجز.
كثير من الليبراليين الآن يعتبرون وكالة كامبريدج أناليتيكا (المملوكة في غالبيتها من قبل المتبرع روبرت ميرسر) أنها عبقرية شريرة. وهم يخشون من أن تستهدف الناس استنادا إلى التركيبة النفسية. من الممكن إلى حد تحديد أي المستخدمين هم من الأشخاص الانطوائيين (يستخدمون كلمات مثل "كتاب" وبوكيمون أو "لا") وأي المستخدمين هم من الأشخاص البغيضين (يفضلون كلمات السباب والشتم)، بحسب ما تفسر ساندرا ماتز، أستاذة علم النفس في جامعة كامبريدج.
يمكنك تكييف الإعلانات لتناسب كل مجموعة، وتدعي مجموعة كامبريدج أناليتيكا أيضا أن لديها خبرة في مجال القياس النفسي. لكنها لم تستخدم ذلك في الانتخابات التي أجريت في الولايات المتحدة، بحسب ما قال أوكزكوسكي. وبسبب الحاجة للوصول إلى 15 مليون ناخب قابلين للإقناع، عملت حملة ترمب على تقسيمهم إلى شرائح ديموغرافية واسعة بدلا من استهداف الأفراد.
يعترف أوكزكوسي بأن استهداف البيانات يتسبب له في متاعب بوصفه "تحرريا، لديه إيمان قوي بالخصوصية". مع ذلك، يضيف أن مستخدمي الإنترنت عادة ما يضحون بخصوصيتهم من أجل الراحة. وهذا يسمح لمجموعة كامبريدج أناليتيكا، مثلا، بالوصول إلى بيانات بطاقات الائتمان الخاصة بالأمريكيين.
القواعد الأوروبية حول خصوصية البيانات هي أكثر تشددا من ذلك. لكن القوانين الانتخابية عتيقة الطراز، والمنظمون ليسوا على دراية كافية تمكنهم من الإمساك بالمعتدين. مفوضية المعلومات في بريطانيا تحقق الآن في الحملات السياسية، بما في ذلك خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتقول: "لدينا مشاعر قلق بخصوص ما ذُكِر عن استخدام كامبريدج أناليتيكا للبيانات الشخصية".
لكن تم الفوز بالاستفتاء. وأي شخص يستهدف عملية انتخابية من الخارج هو في وضع مأمون على الأرجح. أخبرني صديقي الموظف السياسي أن الشعور الوحيد بالقلق الذي ساوره أصلا كان يتعلق بمؤسسة تعتبر جهازا تنظيميا بحكم الأمر الواقع، هي "فيسبوك" نفسها. وحذر قائلا: "هذا هو الوضع الذي توجد فيه السياسة الآن. إذا أصبحت السياسة جيدة في ممارسة التلاعب مثلما تفعل العلامات التجارية الاستهلاكية، فقد قضي علينا جميعا".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES