FINANCIAL TIMES

صفقات جانبية مع قطر تقود «باركليز» و4 تنفيذيين إلى العدالة

صفقات جانبية مع قطر تقود «باركليز» و4 تنفيذيين إلى العدالة

صفقات جانبية مع قطر تقود «باركليز» و4 تنفيذيين إلى العدالة

كان جون فارلي في مكتبه في الطابق الـ31 في مقر باركليز في كاناري وارف في لندن عندما اتصل بفريق من المديرين التنفيذيين المتوجهين إلى قطر على متن طائرة خاصة تابعة للمصرف وأبلغهم ببعض الأنباء المقلقة.
الرئيس التنفيذي لباركليز كان قد تم إبلاغه للتو من قبل الجهاز التنظيمي المسؤول عن القطاع المالي في المملكة المتحدة ما هي نسبة رأس المال التي يحتاج المصرف للوصول إليها في الأشهر القليلة المقبلة لتفادي خطة إنقاذ حكومية: 8 في المائة. وسرعان ما عمل الفريق على مقدار الأموال التي يجب أن يجمعها المصرف لبلوغ ذلك الهدف. كان الجواب 13 مليار جنيه استرليني.
كان ذلك في عطلة نهاية الأسبوع الثانية من تشرين الأول (أكتوبر) 2008، بعد أربعة أسابيع فقط من إعلان ليمان براذرز الإفلاس في الولايات المتحدة، محدثة هزة في النظام المالي العالمي. توجه فريق باركليز إلى قطر في مهمة لإقناعها للمرة الثانية في ذلك العام باستثمار مليارات الجنيهات لإنقاذ المصرف.
يقول شخص مشارك في الأحداث التي وقعت نهاية ذلك الأسبوع: "كان الضغط هائلا. لم نكن ننام لعدة أسابيع. ينسى الناس كيف كان الجو محموما في ذلك الحين. كل يوم كان يبدو وكأن مصرفا مختلفا سينهار".
قد يواجه كل من باركليز وفارلي وفريقه السابق من كبار المصرفيين ليالي مليئة بالأرق لبعض الوقت في المستقبل، بعدما اتخذ مكتب الاحتيال الخطير في المملكة المتحدة خطوة غير مسبوقة يوم الثلاثاء بتوجيهه اتهاما إلى المصرف، وفارلي، وروجر جنكينز -رئيس قسم الشرق الأوسط في المصرف الاستثماري- واثنين من كبار المصرفيين في ذلك الوقت، توم كالاريس وريتشارد بوث، بتهمة الاحتيال بخصوص الصفقة التي وقعت مع القطريين.
يدرس باركليز موقفه في أعقاب التهم، في حين قال اثنان على الأقل من المدعى عليهم إن القضية هي نتيجة سوء فهم ويعتزمان الاعتراض على هذه الادعاءات. ورفض باركليز ومكتب الاحتيال الخطير التعليق.
وفي حين أن قيادة باركليز السابقة ستكون حرفيا في قفص الاتهام في الثالث من تموز (يوليو)، يواجه الرئيس التنفيذي الحالي، جيس ستالي، اعتراضات من المساهمين بخصوص تحقيق تنظيمي منفصل يتعلق بمحاولته كشف القناع عن أحد المبلغين عن المخالفات.
التهم الجنائية التي وجهها مكتب الاحتيال هي أول تهم في العالم منبثقة من الأزمة المالية ضد مصرف عالمي وفريقه القيادي. لكن موضوع القضية، بدلا من أن يدور حول دور هؤلاء التنفيذيين في إسقاط أحد المصارف، فإن الموضوع يتحول إلى ما فعلوه لتجنب انهياره.
أجرى باركليز عمليتين طارئتين اثنتين لجمع رأس المال في عام 2008 للبقاء خارج سيطرة الحكومة: جولة تمويل بقيمة 4.5 مليار جنيه استرليني في حزيران (يونيو)، وأخرى بقيمة 7.3 مليار جنيه استرليني في تشرين الأول (أكتوبر). وشارك مستثمرون قطريون في كليهما.
كما شاركت منافستها الخليجية، أبو ظبي، في الدعم المالي في تشرين الأول (أكتوبر). يواجه المصرف دعوى منفصلة بقيمة مليار دولار من "بي سي بي كابيتال بارتنرز"، الشركة التي أسستها أماندا ستافيلي، التي نسقت لصفقة أبو ظبي.
لكن الصفقات الجانبية التي أبرمت في الوقت نفسه مع القطريين بقيمة 2.4 مليار جنيه استرليني -بما في ذلك قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار تماما في الوقت الذي تم فيه إبرام صفقة تشرين الأول (أكتوبر)– هي التي اجتذبت التدقيق من مكتب الاحتيال، وسلطة السلوك المالي، وستافيلي.

الأزمة المصرفية

في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) 2008، كان فارلي الذي وصل إلى أعلى منصب في المصرف قبل أربع سنوات من ذلك، جالسا القرفصاء في مكتبه، متجاهلا بثبات دعوة الحكومة الانضمام إلى مصارف منافسة كانت تناقش في وزارة المالية خطة إنقاذ على مستوى القطاع بأكمله.
بدلا من ذلك كان ينسق محاولات المصرف المحمومة لجمع الأموال. في تلك المرحلة كان الفريق المتجه إلى قطر في الطائرة الخاصة يعلم مقدار المبالغ المترتبة على هذا الأمر. كان من المقرر أن يتناولوا طعام العشاء مع الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، رئيس الوزراء القطري آنئذ، الذي كان يتمتع بنفوذ كبير. كما كان يشغل منصب رئيس مجلس إدارة شركة قطر القابضة، صندوق الثروة السيادية في البلاد.
وكانت المملكة المتحدة وقطاعها المصرفي المثقل بالرفع المالي من بين أكثر القطاعات تضررا من الاضطرابات التي كانت تعصف بالأسواق المالية العالمية في ذلك العام. تمكن رويال بانك أوف اسكتلند بأعجوبة من جمع 12 مليار جنيه استرليني من رأس المال في نيسان (أبريل)، على الرغم من أنه سرعان ما أصبح واضحا أن المبلغ لم يكن كافيا.
في حزيران (يونيو) اتخذ باركليز الخطوة الاحتياطية وتقدم بطلبات للحصول على تمويل أثمرت عن استثمارات من "قطر القابضة" والأداة الشخصية للشيخ حمد بن جاسم، إلى جانب صندوق الثروة السنغافورية "تيماسيك" وجهات أخرى. وبحلول تموز (يوليو) فشلت محاولة "هاليفاكس بانك أوف اسكتلند" HBOS في جمع أربعة مليارات جنيه من مساهميه. وكانت المصارف الأصغر تنهار أيضا.
ثم انهار ليمان وانتشر الذعر على نطاق واسع. وبحلول نهاية أيلول (سبتمبر)، قرر جوردون براون، رئيس الوزراء العمالي في المملكة المتحدة في ذلك الحين، أن على بريطانيا إنشاء صندوق بقيمة 50 مليار جنيه لإنقاذ المصارف. هذا البرنامج الذي تم التوقيع عليه في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) وكُشف النقاب عنه لرؤساء المصارف في اجتماع في وقت متأخر من الليل، لم يستغرق وقتا طويلا في الحصول على أول عميل له. ففي غضون يومين، عاد إلى وزارة المالية رويال بانك أوف اسكتلند الذي سبق أن اعترض مدعيا أنه لا يحتاج إلى مزيد من رأس المال.
وسرعان ما أصبح من الواضح أن مصرف HBOS والمصرف الذي كان ينقذه، لويدز، لا بد من إنقاذهما أيضا.
كان يبدو أن فارلي عازم على ألا يكون هو المصرف التالي الذي يخضع لعملية إنقاذ. يقول بول ماينرز، الذي كان مسؤولا عن الخدمات المالية في وزارة المالية في تلك الحقبة: "لم يستطع جون قبول فكرة أن تتولى حكومة عمالية إنقاذ المصرف".
يضيف اللورد ماينرز أن ذلك كان تقييما غير سليم. "رأس المال المذكور (من قطر وأبو ظبي) كان مكلفا بشكل لا يصدق وأدى بشكل غير عادي إلى إضعاف نسبة حقوق الملكية للمستثمرين الحاليين. كان من الممكن لمساهمي باركليز أن يحصلوا على صفقة أفضل بكثير في حال قبِل المصرف أموال الحكومة البريطانية".
لكن خطة الإنقاذ الحكومية كان من شأنها أن تأتي مع فرض قيود على المكافآت المدفوعة لكبار التنفيذيين، والضغط من أجل تقليص المصرف لأعماله في المصرفية الاستثمارية. وكان من شأنها أيضا أن تؤدي إلى تقويض استراتيجية لاغتنام الأزمة لدفع نفسه إلى الطبقة العليا من المصارف الاستثمارية عن طريق شراء أعمال ليمان الأمريكية وإنقاذها من الإفلاس.
العقل المدبر وراء عملية الاستحواذ هذه كان بوب دياموند، المصرفي الاستثماري الأمريكي، الذي حل بعد ذلك محل فارلي في منصب الرئيس التنفيذي. وقد أطلق زملاء دياموند على توقعاته التي لا يمكن كبتها في ذلك الوقت مصطلح Bobtimism (الذي يعني تفاؤل بوب).
في إطار تحقيقاته في الصفقة القطرية، أجرى مكتب الاحتيال الخطير "مقابلة على أساس الاشتباه" مع دياموند. عادة في المقابلات التي من هذا القبيل يتلو المحقق حقوق الأفراد قبل الاستجواب، الذي يشير إلى أن الشخص الخاضع للتحقيق هو مشتبه به محتمل وليس شاهدا. وقرر المكتب أنه لم يكن هناك ما يكفي من الأدلة لتقديم اتهامات ضده. كالاريس، رئيس وحدة إدارة الثروات الذي كان مسؤولا أمام دياموند، هو أحد المدعى عليهم الأربعة الذين وجهت لهم اتهامات.
نتيجة للاستحواذ على شركة ليمان، تم إجراء مناقشات غير رسمية في أيلول (سبتمبر) مع قطر حول مزيد من إعادة الاستثمار في باركليز.
أقنع باركليز السلطات بأنه يستطيع أن يجمع 6.5 مليار جنيه من السوق وأنه سيبيع ذراع إدارة الأصول من أجل الوصول إلى الرقم المطلوب، وهو 13 مليار جنيه استرليني.
واعتُبِر من المستحيل في ذلك الحين إصدار أسهم تقليدية من مساهمين مؤسسين، لأن ذلك يستغرق وقتا طويلا فوق الحد. ولم يكن هناك عدد يذكر من مديري الصناديق الذين لديهم شهية لسكب المال في المصارف.
وكانت الفكرة هي إصدار أسهم تفضيلية بقيمة ثلاثة مليارات جنيه بحلول كانون الأول (ديسمبر) 2008، ثم جمع 3.5 مليار جنيه على شكل حقوق ملكية في حزيران (يونيو) 2009. لكن المستثمرين المؤسسيين لم يكونوا حريصين على الاشتراك حتى في أسهم الأفضلية ما لم يعزز المصرف نسبة رأس المال لديه. يتذكر زميل سابق: "ما كانوا يطلبونه من الآخرين يعتبر خدمة وتضحية كبيرة حتى في أفضل الأوقات. وتلك لم تكن أفضل الأوقات. وإنما كانت Bobtimistic إلى حد كبير".
كان الحل هو استنباط نوع من السندات من شأنه أن يتحول إلى أسهم عادية في حزيران (يونيو) -وهو الموعد النهائي الذي أعطاه المصرف إلى بنك إنجلترا وإلى الجهاز التنظيمي– والسند سيدفع فائدة مقررة حتى ذلك الحين. وكان هذا هو منشأ أدوات رأس المال الاحتياطي التي دفعت فائدة ضخمة نسبتها 14 في المائة التي اشترك فيها القطريون في تشرين الأول (أكتوبر).
فيما وراء مبالغ الفائدة، كانت صفقات باركليز الجانبية مع قطر هي التي لفتت انتباه المحققين. فهي تشمل "اتفاقية خدمات استشارية" كانت تدفع مبالغ إلى "قطر القابضة" مقابل المساعدة في تعزيز أعمال باركليز في الشرق الأوسط. وفي حزيران (يونيو) 2008 كان المبلغ المدفوع بموجب اتفاقية الخدمات 42 مليون جنيه استرليني. وسبق أن تم الإفصاح عن وجود الاتفاقية للسوق، لكن لم يتم الإفصاح عن مبلغ الرسوم المدفوعة. وفي تشرين الأول (أكتوبر) من ذلك العام، تم تمديد الاتفاقية بمبلغ 280 مليون جنيه. وقبل إغلاق عملية جمع الأموال، وافق المصرف على إقراض وزارة الاقتصاد والمالية القطرية ثلاثة مليارات دولار.
وأجرى مكتب الاحتيال تحقيقا فيما إذا كان المصرف قد أقرض المبلغ إلى القطريين بشكل سري من أجل إعادة استثماره في باركليز، بهدف إزالة أي خطر بعد أن شهدوا قبل ذلك انهيار استثمارهم الذي تم في حزيران (يونيو): الأسهم التي كانت قيمتها 282 قرشا في حزيران (يونيو) تراجعت إلى 207.5 قرش بحلول تشرين الأول (أكتوبر). وسبق للمصرف أن قال إن وثائق القرض الخاصة به تحظر أي إعادة استثمار من هذا القبيل.
ولم يتم الكشف عن تمديد اتفاقية الخدمات الاستشارية ولا عن القرض إلى السوق في وقت جمع الأموال في تشرين الأول (أكتوبر). وقد تم تنظيم صفقة تشرين الأول (أكتوبر) في الغالب على شكل إصدار سندات. هذه الصفقات لديها متطلبات إفصاح أقل صرامة من إصدار أسهم الحقوق.

الظل الطويل

بعد تسع سنوات، تمت إعادة النظر في التدابير التي اتخذتها المصارف لإنقاذ نفسها في عام 2008. قد تكون هناك تساؤلات عما إذا كانت الغاية تبرر حقا الوسيلة. هذا يتجاوز باركليز. فقد نجح رويال بانك أوف اسكتلند في الإفلات من محاكمة مدنية محرجة بشأن إصدار أسهم حقوق بقيمة 12 مليار جنيه من خلال مناقشات حول تسوية جرت مع المساهمين في اللحظة الأخيرة هذا الشهر. يشار إلى أن استحواذ مصرف لويدز على HBOS يقع في صلب دعوى أخرى للمساهمين من المقرر أن تذهب إلى المحاكمة في تشرين الأول (أكتوبر).
حتى بنك إنجلترا لم يكن محصنا: خضع لتحقيق جنائي من قبل مكتب الاحتيال الخطير حول ما إذا كان مسؤولوه قد تواطأوا مع المصارف للتلاعب في مزادات تمويل السيولة التي عقدت في بداية الأزمة. ولم يعثر مكتب الاحتيال الخطير على أي دليل على وجود سلوك جنائي وقرر يوم الجمعة إغلاق التحقيق.
بالنسبة إلى باركليز، يلقي تشرين الأول (أكتوبر) 2008 ظلا طويلا بشكل خاص. إذ يحقق مكتب الاحتيال الخطير بشكل مستقل في ما إذا كان المصرف أعطى "أرقاما منخفضة بشكل غير واقعي" في عروضه إلى عملية تحديد سعر فائدة ليبور المرجعي، من أجل إعطاء انطباع وهمي بجدارته الائتمانية خلال الأسابيع المذكورة.
إذا وصلت القضية ضد باركليز، وفارلي، وجنكينز، وبوث، وكالاريس إلى مرحلة المحاكمة، فسيكون ذلك بعد أكثر من عقد من الأحداث موضوع القضية. وسيكون من اللازم أيضا مواجهة القضية الموازية من سلطة السلوك المالي التي تم تعليقها، ثم أعيد فتحها، وربما يعاد تعليقها مرة أخرى بانتظار أي محاكمة.
يرى أناس عملوا مع فارلي أنه أقل المصرفيين الكبار احتمالا لأن يُحكَم عليه بالسجن على ارتكاب أخطاء في الأزمة المالية. يقول زميل سابق له: "أن يوجد اسم فارلي وكلمة التحايل في جملة واحدة يعد خطأ بيِّنا".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES