FINANCIAL TIMES

تجاهل توجيهات «الاحتياطي الفيدرالي» نهايته الندم

تجاهل توجيهات «الاحتياطي الفيدرالي» نهايته الندم

من خلال رفع أسعار الفائدة، والأمر الأبرز الذي هو إعادة تأكيد توجيهات سياسته المستقبلية، وتحديد الخطط لانكماش تدريجي لميزانيته العمومية، أشار "الاحتياطي الفيدرالي" الأسبوع الماضي إلى أنه أصبح أقل اعتمادا على البيانات وأكثر جرأة لتطبيع السياسة النقدية. لكن بالحكم من أسعار الأصول، تظهر الأسواق فشلا في استيعاب ما يكفي من التحول في نظام السياسة النقدية. وفي حال ساد هذا التناقض في الأشهر المقبلة، قد يضطر “الاحتياطي الفيدرالي” إلى تطبيق إجراءات تتعلق بتشديد السياسة من النوع الذي يمكن أن يكون غير سار للأسواق.
مع استبعاده عدة إشارات تدل على حالة من الضعف الاقتصادي والتضخم البطيء، أقدم “الاحتياطي الفيدرالي” الأسبوع الماضي على ثلاثة أشياء تخفض التحفيز النقدي، الأول منها فقط هو الذي كان متوقعا على نطاق واسع من جانب الأسواق: رفع أسعار الفائدة 25 نقطة أساس. والاثنان الآخران هما إعرابه مجددا عن نيته رفع أسعار الفائدة أربع مرات أخرى بين الآن ونهاية العام المقبل (بما في ذلك رفعها مرة واحدة في عام 2017)، ووضع جدول زمني لتخفيض ميزانيته العمومية البالغة 4.5 تريليون دولار.
هذه الإجراءات الثلاثة تؤكد حدوث تطور في موقف “الاحتياطي الفيدرالي” من السياسة وتشير إلى أنه لا يبحث عن أعذار للحفاظ على سياسة نقدية تتسم بالتيسير العالي – وهو ميل مسالم هيمن خلال كثير من الوقت في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008. بدلا من ذلك، “الاحتياطي الفيدرالي” الآن أكثر ميلا لتطبيع تدريجي لكل من هيكله لأسعار الفائدة وميزانيته العمومية. بالتالي، هو أكثر استعدادا "للنظر" في النمو الضعيف وبيانات التضخم.
هذا التطور بدأ يظهر في آذار (مارس) عندما عمل المسؤولون في “الاحتياطي الفيدرالي” جاهدين، وبصورة متواصلة، لإدارة توقعات صاعدة بقوة كانت تضع احتمال رفع وشيك في أسعار الفائدة عند نسبة تقل عن 30 في المائة. لذلك رفع أسعار الفائدة الذي جاء لاحقا كان منظما.
لكن بالحكم من التطورات في السوق - بما في ذلك الاحتمال الضمني لرفع آخر بنسبة 50 في المائة هذا العام وتخفيض عام على العائد – يتبين أن المتداولين والمستثمرين يقاومون توجيهات “الاحتياطي الفيدرالي” المستقبلية التي أعاد تأكيدها. بدلا من ذلك يراهنون على تكرار الأعوام القليلة الماضية التي كان يغلب على المسؤولين فيها المبالغة في تقدير مدى تشديد السياسة، ومن ثم عكس المسار في مرحلة لاحقة والعودة إلى مسار أسعار الفائدة المنخفضة الذي وضعته السوق في اعتباراتها.
لكن هذه المرة، مثل هذه التساؤلات مشكوك فيها، نظرا للتطور في نظام سياسة الاحتياطي الفيدرالي.
ربما يساور محافظي البنو ك المركزية شعور إيجابي موثوق بما كان، حتى الآن، استجابة بطيئة بشكل غير عادي من جانب الإنتاجية والأجور والتضخم. بالتالي، هم واثقون من أن النمو سيرتفع وأن التضخم سيقترب بسرعة من هدفهم البالغ 2 في المائة.
وربما لديهم سبب أفضل للاعتقاد أن إدارة ترمب، بالعمل مع الكونجرس، ستكون قادرة على تقديم سياسات داعمة للنمو في الأشهر القليلة المقبلة. أو، ربما، هم يرون علامات مريحة على إنعاش عالمي أقوى لا يراه الآخرون.
على الرغم من أن هذه التساؤلات تدعو للتفاؤل، إلا أنها من غير المرجح أن تكون الأسباب الرئيسية للتفاوت الحالي بين “الاحتياطي الفيدرالي” والأسواق. من المرجح أن البنك المركزي يركز الآن أكثر على اتخاذ المخاطر المفرط من جانب المستثمرين والمتداولين، بما في ذلك تأثيره السلبي المحتمل على الاقتصاد.
وفي تطور آخر غير عادي، الزيادات الأخيرة في أسعار الفائدة من قبل “الاحتياطي الفيدرالي” رافقها تخفيف، وليس تشديدا، للشروط المالية. لكن بدلا من أن يؤدي ذلك إلى نشاط اقتصادي وتضخم أعلى، أدى إلى مزيد من المخاطر، مع انفصال الأسهم وسندات الشركات أكثر عن الأساسيات الاقتصادية للشركات. وكلما طال هذا، فإن خطر التصحيح المفاجئ الحاد للسوق يصبح أكبر، الأمر الذي يمكن أن يضعف كلا من الاستهلاك والاستثمار.
من الأفضل للأسواق أن تولي اهتماما أكبر للتوجيهات المستقبلية. نحن أمام "احتياطي فيدرالي" متطور سيحافظ، في غياب ركود اقتصادي كبير، على ميل أكثر تشددا في السياسة النقدية. ومع أنه متقدم للغاية عن الآخرين، إلا أنه ليس البنك المركزي الوحيد الذي يمر بمثل هذه المرحلة الانتقالية. بنك إنجلترا أيضا حريص على تشديد السياسات على الرغم من الاقتصاد الضعيف وعدم اليقين المترتب على "خروج بريطانيا". والبنك المركزي الأوروبي يمكن أن يحذو حذوه قريبا.
كلما طال نبذ الأسواق لتوجيهات “الاحتياطي الفيدرالي” للسياسة المعاد تأكيدها، زاد احتمال تعرض أسواق الأصول لخيبة أمل من مجتمع البنوك المركزية التي تتحول من كونها أفضل صديق لتصبح أقل تأييدا بكثير. وإذا تبين أن “الاحتياطي الفيدرالي” مخطئ من خلال تباطؤ كبير في الاقتصاد، فمن هذا الباب أيضا لن يكون لدى الأسواق أمور تذكر لتبتهج بها، نظرا لمدى الارتفاع الأخير المدفوع من السيولة.


*كبير المستشارين الاقتصاديين في «أليانتز» ومؤلف كتاب «اللعبة الوحيدة في المدينة»

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES