FINANCIAL TIMES

تزايد الشكوك حول مستقبل الحي المالي في لندن

تزايد الشكوك حول مستقبل الحي المالي في لندن

بعض من أكبر المجموعات المالية الأمريكية بما في ذلك مورجان ستانلي، وبانك أوف أمريكا، وسيتي جروب، تدرس ما إذا كان ينبغي نقل التعاملات التي تصل إلى مئات المليارات من الدولارات خارج لندن إلى مراكز منافسة بسبب "خروج بريطانيا"، الأمر الذي يدعو إلى التشكيك في دور الحي المالي في لندن باعتباره واحدا من المراكز الرائدة في العالم للخدمات المصرفية الاستثمارية.
أكبر المصارف في العالم تحجز الكثير من الأعمال التي تقوم بها في جميع أنحاء العالم في لندن، ليس فقط من عملاء أوروبيين، لكن أيضا من عملاء في آسيا، وإفريقيا، والأمريكيتين، والشرق الأوسط.
الدولارات الأمريكية التي يتم تداولها في لندن هي ضعف تلك التي تتم في نيويورك، والمملكة المتحدة تُمثّل ما يُقارب 40 في المائة من سوق المشتقات لأسعار الفائدة التي بقيمة ثلاثة تريليونات دولار يوميا في العالم، على الرغم من أن الولايات المتحدة تفوّقت عليها أخيرا.
ومع أن رؤساء المصارف أصدروا كثيرا من البيانات التي تصدّرت العناوين الرئيسة للصحف حول نقل آلاف الوظائف خارج المملكة المتحدة بسبب مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي، إلا أن احتمال أنهم سيستنزفون بعضا من مجموعات أموالهم الكبيرة خارج لندن جذبت قدرا أقل من الانتباه.
لكن تقليص الأموال التي يحتفظون بها في المملكة المتحدة يُمكن أن تكون له عواقب على كل جانب تقريبا من جوانب وجودهم في البلاد - بما في ذلك على الموظفين.
يقول ستيفن آدمز، وهو مدير أول في شركة جلوبال كاونسيل الاستشارية: "من وجهة نظر إشرافية، الأمر المهم هو التوفيق بين اتّخاذ المخاطر والإدارة والمال، على شكل رأس المال والإيرادات".
ويقول تنفيذيون كبار في بعض المصارف إنهم ينظرون في طريقة التعامل مع الأعمال "في بقية العالم"، إذا اضطروا إلى تحويل رأس المال والسيولة من المملكة المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي.
وهم يخشون من أنه إذا كان "خروج بريطانيا" الصعب سيقطع إمكانية الوصول إلى الخدمات المالية بين السوقين، فإن لندن ستُصبح أقل فعالية كمركز حجز عالمي. ونتيجة لذلك هم في مرحلة مبكرة من المناقشات حول ما إذا كان ينبغي تحويل بعض الأعمال إلى نيويورك، أو هونج كونج، أو سنغافورة، أو فرانكفورت.
مايكل كول فونتين، رئيس قسم أوروبا في بنك نيويورك ميلون ورئيس مجلس إدارة جمعية الأسواق العالمية في أوروبا، يُحذّر من التكاليف "الهائلة جدا" إذا كان خروج بريطانيا سيُجبر المصارف على فصل رأس المال المُركّز في لندن.
يقول كول فونتين: "هذه نتيجة محتملة تماما وما كنا نقوله طوال الوقت هو أن من المهم ألا يتم نقل رأس المال والسيولة الموجودة هنا لتمويل الوظائف والنشاط إلى نيويورك".
ويُضيف أن المصارف القائمة في المملكة المتحدة كانت تملك رأسمال بقيمة 57 مليار يورو لدعم أكثر من تريليون يورو من تداولات الأوراق المالية والمشتقات مع عملاء الاتحاد الأوروبي و13 مليار يورو أخرى من رأس المال لدعم 180 مليار يورو من القروض لعملاء الاتحاد الأوروبي.
ومعظم المصارف لم تبدأ سوى أخيرا بالتفكير في كيفية تغيير هياكل حجزها العالمي بعد مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي. ووفقا لكبار المصرفيين، من غير المرجح اتّخاذ أي خطوات كبيرة حتى يتم الانتهاء من اتفاقية التجارة الجديدة للمملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي.
وتم التأكيد على المخاطر التي تواجه لندن من خلال اقتراح المفوضية الأوروبية الأخير منح الهيئات التنظيمية في الاتحاد الأوروبي صلاحيات لفحص مراكز المقاصة الخارجية، بما في ذلك المراكز التي في المملكة المتحدة، وإجبارها على الانتقال إلى أوروبا إن لزم الأمر.
يقول أحد كبار المختصين الماليين الذي كان يضغط على الحكومة بشأن خروج بريطانيا: "إذا تم إدخال متطلبات الموقع في عدد من المناطق، ستبدأ تجزئة النظام البيئي الفعّال للغاية الذي تم إنشاؤه في لندن. إنه نزيف بطيء قطرة فقطرة لمدة عشرة أعوام، بدلا من قطع فوري للشريان".
ووفقا لتقرير شركة أوليفر وايمان لمجموعة الضغط TheCityUK، من جملة إيرادات الخدمات المالية البالغة 190 ـ 205 مليارات جنيه في المملكة المتحدة عام 2015، كان أقل من النصف لعملاء في المملكة المتحدة، نحو الخُمس لأعمال مرتبطة بالاتحاد الأوروبي، والثُلث تقريبا لأعمال من بقية العالم،
البلدان غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي شكّلت نحو ثُلثي صادرات الخدمات المالية في المملكة المتحدة، مثل تداول السندات والأسهم لمديري الأصول وصناديق التقاعد، أو بيع المشتقات لحماية الشركات من التحرّكات في العملات وأسعار الفائدة.
ريتشارد جنود، رئيس قسم أوروبا في جولدمان ساكس، قال محذرا في الآونة الأخيرة: "إذا وصلنا إلى مكان حيث يجب أن نتجزأ وأن تكون هناك مجموعة واحدة من رأس المال موجودة في المملكة المتحدة ومجموعة أخرى من رأس المال في الدول الـ 27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي (...) فمن الواضح أن هذا الأمر أقل جاذبية وأكثر تكلفة".
ويقول مصرفيون إن لندن تتمتع بمزايا جيدة، بما في ذلك اللغة، والنظام القانوني، والمنطقة الزمنية، ومجموعة كبيرة من المواهب، وروابط النقل والخدمات المهنية. ويدعو بعضهم إلى ترتيب يقوم على "إعفاء" لحماية المعاملات السابقة من أي تغييرات من خروج بريطانيا.
ويعاني كثير من المصارف الاستثمارية من أجل توليد عوائد جذابة في أوروبا والاضطراب الناتج عن خروج بريطانيا يُمكن أن يُقنعها بإغلاق بعض الأنشطة في المملكة المتحدة. وخطط بروكسل لجعل المصارف تُنشئ شركات قابضة لعملياتها في الاتحاد الأوروبي مع مجموعات منفصلة من رأس المال يُمكن أن تكون ضربة أخرى للحي المالي في لندن.
يقول مسؤول تنفيذي كبير في أحد المصارف الأمريكية الكبيرة الذي يحجز عديدا من تداولاته العالمية من خلال لندن: "قد يكون الأمر تماما أن الناس يأخذون عنصر "بقية العالم" على محمل الجد إذا كان هناك خروج بريطاني صعب".
"لا أعتقد أن الأمر أولوية الآن، هناك الكثير مما ينبغي فعله لتجهيز نفسك لخروج بريطانيا"، كما يقول المسؤول التنفيذي الذي يرى أن هناك احتمالا "ليس صغيرا" بنسبة 20 ـ 30 في المائة لخسارة المملكة المتحدة كل من أعمال أسواق "بقية العالم" والأسواق الأوروبية. سيلفي ماثيرات، رئيسة التنظيم في دويتشه بانك، حذّرت أخيرا من أن ما يُقارب نصف الموظفين البالغ عددهم تسعة آلاف في المصرف الألماني في المملكة المتحدة يُمكن أن يضطروا إلى مغادرة البلاد تحت ضغط من الهيئات التنظيمية بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويقول شخص على اطّلاع باستراتيجية دويتشه بانك: "من السابق لأوانه استخلاص أية استنتاجات في هذه المرحلة. نحن نُحلل سيناريوهات مختلفة".
يشار إلى أن مورجان ستانلي، وبانك أوف أمريكا، وجيه مورجان، وجولدمان، ودويتشه، وبي إن بي باريبا، وسوسييتيه جنرال، وإتش بي سي، ويو بي إس، امتنعت جميعا عن التعليق.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES