FINANCIAL TIMES

ما الخطأ في النخبة الثقافية؟

ما الخطأ في النخبة الثقافية؟

تصور مقهى في مدينة كبيرة موجودة في أي مكان تقريبا على وجه الأرض. المقهى مليء بأشخاص أنيقين وممتلئين جسديا تقل أعمارهم عن 50 عاما، يشربون فنجانا من القهوة سعره خمسة دولارات. بعد أن خرجوا لتوهم من جلسة تدريب على اليوجا، هم الآن يقرأون مقالات مجلة "نيويوركر" حول عدم المساواة، قبل العودة إلى شققهم الصغيرة التي يبلغ سعرها 1.5 مليون دولار. هذه هي النخبة الثقافية، أو ما تطلق عليها إليزابيث كاريد-هالكيت، أستاذة السياسة العامة في جامعة جنوب كاليفورنيا "الطبقة الطامحة إلى تحقيق النجاح المادي".
كتابها "مجموع الأشياء الصغيرة" يشرّح ذلك باستخدام بيانات استهلاك الولايات المتحدة. المؤلفة نفسها عضو في هذه الطبقة، إلا أنها تساعد على تفسير لماذا النخبة الثقافية مكروهة جدا إلى درجة أنها ولدت حركة سياسية عالمية ضدها. على الرغم من أن ترمب هو المقصود بالشخص الذي لا يريد أحد الحديث عنه في كتابها، إلا أنك ستفكر فيه في كل صفحة تقريبا باعتباره نقيضا لهذه الطبقة - أو في أذهان أنصاره، ترياق لها.
يحب ترمب تسمية النخبة الثقافية بـ "النخبة"، لكن ليس كل أعضائها من الأغنياء. الأساتذة المساعدون، والعاملون في المنظمات غير الحكومية، وكتاب السيناريو العاطلون عن العمل، يصطفون في القائمة، إلى جانب أمثال رئيس "فيسبوك"، مارك زوكربيرج. لكن ما يميز النخبة الثقافية هو التعليم. درس معظم أعضائها في أعرق الجامعات، ويعتبرون أنفسهم جديرين بذلك، وليس أنه يحق لهم ذلك. وهم يؤمنون بالحقائق والمختصين. وتعليمهم هو بوليصة التأمين الخاصة بهم، وبذلك مهما كان دخلهم تقريبا، فإنهم يعانون قلقا اقتصاديا أقل ممن هم أكبر سنا أو أقل تعليما. مدينتهم الفاضلة السياسية هي ذات ضرائب عالية، تنادي بالمساواة، ومسالمة. تقول المؤلفة "إنهم يهدفون إلى أن يكونوا "البشر الأفضل" بدلا من مجرد كونهم بشرا أغنياء. عدم المساواة الذي يرونه في كل مكان ليس أبدا ذنبهم".
عندما يتعلق الأمر بالاستهلاك، اعتقاد النخبة الثقافية الأساسي هو ازدراء الأشياء. أعلى 10 في المائة رواتب من الموظفين الأمريكيين "النسبة التي تضم معظم النخبة الثقافية" ينفقون شريحة متقلصة من دخلهم على السيارات وأجهزة التلفزيون والأدوات المنزلية، وهي أشياء لا تزال الطبقة الوسطى تقدرها. مع انطلاق اقتصاد المشاركة، المتابعون للموضة بالكاد يمتلكون أي شيء على الإطلاق.
الأشياء التي تشتريها النخبة الثقافية تستخدم لتزيين أجسادهم. لأنهم يعيشون في مدن كثيفة بحيث يمكن أن يكونوا على مرأى من الجميع، فإنهم يحتاجون إلى ملابس باهظة الثمن. أهل نيويورك على وجه الخصوص لديهم هوس بالساعات: تقول المؤلفة "إنهم في عام 2010 أنفقوا نحو 27 مرة أكثر على الساعات كنسبة من إجمالي النفقات، زيادة على أي شخص آخر - لا توجد مدينة سجلت حتى رقما قريبا من ذلك". تنفق النخبة الثقافية قليلا نسبيا على منتجات التجميل، لكنها تنفق ببذخ على ممارسة الرياضة لأنها تعتقد أن الأجسام "مثل الغذاء" يجب أن تبدو طبيعية. حتى وقت الفراغ يجب أن يكون منتجا - بدلا من جر العربات في مراكز التسوق، يروي أعضاء الطبقة حركة أسرهم في "فيسبوك".
وهم يعظِّمون ما تدعوه المؤلفة "الاستهلاك غير الواضح": الأشياء التي لا يمكن أن نراها. يوظفون مربيات الأطفال لتوفير الوقت، ومجلات النخبة لتغذية أدمغتهم ومكانتهم، والتعليم لدفع أطفالهم إلى أعلى. وتقول "إن أعلى نسبة تراوح بين 1 و5 في المائة "من الموظفين الأمريكيين" ينفقون في المتوسط 5 في المائة من مجموع نفقاتهم على التعليم، في حين تنفق الطبقة الوسطى بالكاد 1 في المائة".
الأب الفكري للمؤلفة كاريد ـ هالكيت هو ثورستين فيبلين، في كتابه الصادر عام 1899 بعنوان "نظرية طبقة الفراغ"، الذي صور فيه طبقة Wasps "البروتستانت البيض الأنجلو ساكسون" على أنها تبذر الأموال، لكن النخبة الثقافية في الوقت الحاضر تسعى بلا هوادة إلى تكرار وضعها الاجتماعي. الأولاد الرضع للنخبة "الذين نشأوا على الرضاعة الطبيعية" سيكونون هم النخبة في عام 2050. الجدارة أصبحت وراثية.
في هذه النقطة بالذات يحدث التباعد بين صورة النخبة الثقافية عن نفسها وبين الصورة التي يراها بها المنتقدون. الذين انتخبوا ترمب يرون طبقة تتحدث عن المساواة في حين إنها تتمتع بالامتيازات. هنا نجد أعضاء منظمة السلام الأخضر الذين يتنقلون بالطائرات دائما. تشير المؤلفة إلى أنه ربما إذا تسوق أحدهم من منظمة الغذاء الصحي الكامل Whole Foods (سلسلة المتاجر ذات الأسعار المرتفعة التي يطلق عليها من باب التندر "الراتب الكامل") فإن العالم سيتحسن. لكن حتى لو تسوق كل الناس من متاجر Whole Foods فإن الطبقة ستفقد مكانتها، وستضطر النخبة المثقفة إلى التسوق من متاجر أخرى.
هؤلاء الناس يعيشون في أماكن وطرق لا يكاد يستطيع أي شخص آخر تحمل نفقاتها. الفقراء الوحيدون الذين يعرفونهم هم مربياتهم. وقد تكلف اشتراكاتهم في مجلة "نيويوركر" 90 دولارا فقط، لكنها عادة ما تستند إلى تعليم مكلف.
على الرغم من أن كاريد ـ هالكيت مهذبة جدا على نحو يجعلها لا تعطي سوى تلميح بذلك، إلا أن أعضاء الطبقة الراقية ينظرون إلى الغرباء نظرة ازدراء أو شفقة. هم ينظرون نظرة دونية إلى الأشخاص البدينين وغير المتعلمين. بل إن الكثيرين يسخرون من آبائهم أنفسهم باعتبارهم أشخاصا لديهم ذوق "بلدي". هناك عنصر من هذا في العلاقة بين إيفانكا ترمب "التي نشأت في مانهاتن" ووالدها "من كوينز". في الواقع، قبل فترة طويلة من أن يصبح ترمب رئيسا، كان مثالا على كل ما تمقته النخبة الثقافية. فهو يحب شراء الاشياء. وهو يعتقد أن ممارسة الرياضة تستنزف الجسم. ويحصل على معلوماته من تلفزيون الكابل.
لا عجب في أن الشعيرة الأساسية لحديث النخبة الثقافية أصبح انتقاد ترمب. وبالتالي فإن الحروب الثقافية التي جعلته يفوز في الانتخابات لا تزال مستعرة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES