FINANCIAL TIMES

استكمال المشروع النووي الأوروبي الغربي المحوري

استكمال المشروع النووي الأوروبي الغربي المحوري

على ضفاف بحر البلطيق، تحت السماء الزاهية الكبيرة للربيع الإسكندنافي، تبدو محطة أولكيلوتو- 3 النووية في فنلندا شبه منتهية. فريق من مقاولي الدهان الذين يأتون من مبنى المفاعل النووي الأحمر في نهاية مناوبتهم، هم العلامة الخارجية الوحيدة على أن هذا لا يزال عملا مستمرا.
في الوقت الذي تجري فيه اللمسات الأخيرة على محطة الطاقة النووية الجديدة الأولى في غرب أوروبا منذ 15 عاماً، إلا أن مالكي المحطة لديهم تقييم حاد بخصوص التقدّم.
يقول بيكا لوندمارك، الرئيس التنفيذي في فورتوم، شركة الطاقة الفنلندية التي تملك حصة 26 في المائة في اتحاد TVO، الذي يقف وراء محطة أولكيلوتو-3: "إذا أرادت صناعة الطاقة النووية أن يكون لديها مستقبل، لا يُمكنها تحمّل مزيد من مثل هذه المشاريع".
أريفا شركة تصنيع المفاعلات النووية الفرنسية، شرعت في بناء أولكيلوتو عام 2005 مع هدف للانتهاء بحلول عام 2009 بتكلفة تبلغ 3.2 مليار يورو.
الجدول الزمني الأخير سيشهد افتتاح المحطة في وقت متأخر بنحو عقد من الزمن في أواخر عام 2018 وبتكلفة تبلغ ثلاثة أضعاف الميزانية السابقة، التي وصلت إلى 8.5 مليار يورو.
المشروع هو المثال الأكثر تطرفاً على التأخير وتجاوزات التكاليف التي أصبحت شائعة في صناعة الطاقة النووية، ما يدفع شركات المفاعل النووية مثل أريفا وشركة وستنجهاوس التابعة لشركة توشيبا إلى السقوط في أزمة مالية.
قدرة شركة أريفا على إنهاء محطة أولكيلوتو خلال العام المُقبل وتعلّم الدروس من الإخفاق في الوقت الذي تمضي فيه قُدماً بمشاريع مماثلة في فرنسا والمملكة المتحدة ستقطع شوطا طويلا لتحديد فرص الصناعة من حيث الانتعاش.
تدخل محطة أولكيلوتو مرحلة حاسمة مع "اختبار وظيفي قاس"، تجارب نظام المفاعل النووي التشغيلية الأولى، المُقرر أن تبدأ في حزيران (يونيو) المقبل. يجب تحقيق مزيد من المعالم الأكثر أهمية في الأشهر المقبلة، قبل أن يتمكن منظم المفاعل النووي الفنلندي من إصدار رخصة تشغيل
يقول جارمو تانهوا، الرئيس التنفيذي في اتحاد TVO: "الطريق إلى الانتهاء واضح تماماً. لدينا من قبل [جهاز كمبيوتر] كامل النطاق للمحاكاة يعمل، لذلك نحن نعرف على الأقل أن المحطة تعمل من الناحية النظرية. علينا فقط أن نُبيّن أنها تعمل أيضاً من الناحية العملية".
فضلاً عن شركة فورتوم وغيرها من موردي الطاقة الفنلنديين الأصغر، يشتمل اتحاد TVO على عدد من أكبر شركات التصنيع في البلاد مثل UPM، شركة إنتاج الورق، التي تعتمد على محطة أولكيلوتو-3 لإمدادات الطاقة على المدى الطويل.
هذا ترك TVO أمام مهمة صعبة من حيث تحقيق التوازن، بين التعاون مع شركة أريفا لإنهاء المشروع، وفي الوقت نفسه أيضاً ملاحقة الشركة الفرنسية وشريكتها السابقة، سيمنز، للحصول على تعويض بملايين اليورو عن التأخير.
المحادثات التي كانت تهدف للتوصل إلى تسوية توقفت قبل عام والمحكمة الدولية للتحكيم أصدرت "قرارا جزئيا" في تشرين الثاني (نوفمبر) لمصلحة اتحاد TVO. لا يزال عليها أن تُقرر ما يجب أن تدفعه شركتا أريفا وسيمنز، التي خرجت من التكتل عام 2009.
كانت المطلوبات المترتبة على محطة أولكيلوتو من بين العوامل الرئيسة، التي دفعت الحكومة الفرنسية لترتيب عملية إنقاذ بقيمة خمسة مليارات يورو لشركة أريفا، المملوكة بنسبة 87 في المائة للدولة، وأجبرتها على الاندماج مع EDF، المؤسسة العامة الفرنسية، المُقرر أن يكتمل هذا العام.
مسؤولية محطة أولكيلوتو ستبقى في "أريفا" قديمة منفصلة لحماية شركة EDF التي تُسيطر عليها الدولة من مطالبة TVO بالتعويضات، التي سيتحمّلها في نهاية المطاف دافعو الضرائب الفرنسيون.
إعادة الهيكلة أثارت الإنذار في فنلندا أن أريفا قد تُهمل محطة أولكيلوتو لمصلحة مشاريع في فلامانفيل في فرنسا، ومحطة هنكلي بوينت في المملكة المتحدة، وكلاهما بقيادة EDF.
تشتمل المشاريع الثلاثة على المفاعل الأوروبي المضغوط، تكنولوجيا صممها مهندسون فرنسيون وألمان في التسعينيات، التي كان من المفترض أن تكون إيذانا بحقبة جديدة من النمو الدولي لصناعة الطاقة النووية الفرنسية.
بدلاً من ذلك، تحوّلت إلى كابوس في الوقت الذي تراكمت فيه مشاكل البناء، جبناً إلى جنب مع مخاوف السلامة المتجددة بعد الانهيار عام 2011 في محطة فوكوشيما النووية في اليابان، ودوره في الحد من الطلب على التقنيات النووية.
تم تصميم المفاعل الأوروبي المضغوط بحيث تكون السلامة أولوية قصوى، بعد انهيار مفاعل تشيرنوبيل في أوكرانيا قبل عقد من الزمن.
الضمانات الإضافية، مثل قبة خرسانية فوق المفاعل النووي قوية بما فيه الكفاية لتحمّل ضربة جوية، تَبين أنها مُكلفة جداً.
محطة فلامانفيل متأخرة ستة أعوام وتجاوزت الميزانية بقيمة سبعة مليارات يورو، مع خطر مزيد من التأخيرات تتجاوز هدف الافتتاح الحالي لعام 2018 في الوقت الذي تُدقق فيه الجهات التنظيمية الفرنسية في الأعطال المحتملة في مكونات المفاعلات. أعلنت TVO الشهر الماضي أنه لا يوجد مثل هذه الأعطال في محطة أولكيلوتو.
اثنان من المفاعلات النووية الأوروبية المضغوطة التي تحت الإنشاء في تايشان في الصين من قِبل شركة سي جي إن، التي تُسيطر عليها الدولة بالشراكة مع EDF وأريفا تقدّمت بسرعة أكبر. أحدها في سبيله ليُصبح أول مفاعل أوروبي مضغوط جاهز للعمل في كل أنحاء العالم بحلول نهاية عام 2017، مع تأخير لمدة أربعة أعوام فقط.
EDF وأريفا تأملان بتجربة أكثر سلاسة في محطة هنكلي بوينت، حيث تم سكب الخرسانة من أجل الهياكل الدائمة الأولى في آذار (مارس) الماضي.
تم تنفيذ الأجزاء الصعبة من عملية البناء في هنكلي بوينت على شكل نماذج بالحجم الكامل من الصُلب والخرسانة، ما سمح للمهندسين بالتدرّب قبل الشروع بالأمر الحقيقي. بعد خسائر فادحة في أماكن أخرى، فإن شركتي EDF وأريفا بحاجة ماسة إلى جني المال من المفاعلين النوويين في هنكلي.
المشروع الذي بقيمة 18 مليار جنيه تعرّض للانتقاد في بريطانيا بسبب السعر لكل ميجا واط ساعة البالغ 92.50 جنيه، والمضمون من شركة EDF للحصول على الكهرباء من المحطة، ارتفع مع التضخم لمدة 35 عاماً – إلى أكثر من ضعف سعر البيع الحالي بالجملة. هذا سيتبين فقط أنه صفقة جيدة بالنسبة لشركة EDF إذا كان بإمكانها السيطرة على تكاليف البناء بشكل أفضل مما هي الحال في فلامانفيل وأولكيلوتو.
EDF لا تملك مصلحة اقتصادية مباشرة في أولكيلوتو؛ لأن المفاعل سيكون مملوكاً من قِبل TVO وتحت تصرفها في التشغيل.
مع ذلك، يقول لوندمارك من شركة فورتوم إن الانتهاء من المشروع هو أمر حاسم لسمعة صناعة الطاقة النووية الفرنسية، مُضيفاً: "نريد التأكد من أن أريفا تملك الموارد التقنية والمالية المتاحة لتقديم ما التزمت به بنجاح".
تُصر شركة أريفا على أن بيع أعمال المفاعل التابعة لها إلى EDF لن يؤثر في قدرتها أو التزامها على إنهاء العمل محطة أولكيلوتو-3، حسب الجدول الزمني المعدّل.
يقول تانهوا من TVO إن صدمة العقد الماضي ستُنسى في نهاية المطاف، بمجرد أن تبدأ المحطة بإنتاج طاقة موثوقة منخفضة الكربون. "لا يزال بإمكاننا أن نُصبح روّادا في مجال المفاعل الأوروبي المضغوط، والبرهنة على أن هناك مستقبلا لصناعة الطاقة النووية الأوروبية".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES