Author

السعودة .. أخطاء السنوات لا تصحح بالهرولة

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
تناقلت وسائل الإعلام المحلية قرار وزير العمل بقصر العمل في الأسواق المغلفة "المولات" على السعوديين والسعوديات، وأن التنفيذ قريب. القرار طبعا له تأثيرات نافعة وضارة. وقد تكلم كثيرون عنها. وسأحاول أن أتجنب تكرار ما قاله آخرون. تركيزي على نقطة واحدة: التسطيح أو التبسيط الزائد في النظر إلى تأثيرات التطبيق لو طبق القرار في وقت قصير نسبيا كشهور إلى سنتين تصحيحا لأخطاء ارتكبناها على مدى عشرات السنين. تنبع نظرتي للموضوع من مصدرين: تخصصي العلمي وخبرة سنوات من عملي سابقا مديرا عاما لشركة، نشاطها في التجزئة والعقار، وتملك سوقا "مول" مشهورا في الرياض. ابتداء، التعرف على التأثيرات ينبغي أن يبدأ بفهم طبيعة نشاط التجزئة، وفي المولات خصوصا. أقول باختصار إن نشاط التجزئة نشاط كبير ومتنوع ومتفاوت في طبيعته وطبيعة المهارات المطلوبة له. العمل في المولات وفي أسواق التجزئة يتفاوت: 1 - في مساحة وعدد العاملين بين محال صغيرة جدا يعمل في الواحد منها شخص واحد، ومحال كبيرة جدا يعمل في الواحد منها المئات. 2 - وفي طبيعة عمل المحال بين مجرد بيع سلع جاهزة لا تتطلب إلا خبرات بسيطة، وبيع منتجات متنوعة غير جاهزة بل تحتاج إلى يد عاملة مهنية حرفية لعملها ثم تجهيزها للمستهلك كمنتجات أقسام الملاحم والمخابز والأجبان والحلويات. وبين هذين النوعين درجات متفاوتة في متطلباتها المهنية. 3 - وفي مدة الخبرة التي تتطلبها الوظائف في تلك الأسواق. 4 - وفي ساعات الدوام. تبعا لكل ما سبق، تتفاوت حاجة أصحاب الأعمال والتوظيف في أعداد ومهارات وخبرات العاملين في أسواق التجزئة تفاوتا كبيرا. والنتيجة أن توطين الوظائف في أسواق التجزئة سواء مولات أو غير مولات يتطلب إعدادا ووقتا، بالنظر إلى اعتمادنا شبه الكلي على غير السعوديين خلال 50 عاما. أوضاعنا التي ورثناها وتعودنا عليها خلال نصف قرن، تجعل التعجل والهرولة بغرض التوطين 100 في المائة أو نحو هذه النسبة، تجعلها ليست الأصلح للاقتصاد. نعم ستخفف من البطالة، وتقلل من التستر، لكنها تزيد من انكماش الاقتصاد والقطاع الخاص. ومعروف أن الرؤية تستهدف زيادة مشاركة القطاع الخاص في الناتج المحلي، وزيادة مساهمته في النمو الاقتصادي، والهرولة في السعودة تسير عكس هذين الهدفين. كما أن الهرولة في التطبيق ستجلب تكاليف ومشكلات وردود فعل نجهل حدودها الآن. أساسيات لرسم خطة وسياسة توطين أنسب أساسها التدرج ولكن بجدية قوية في التنفيذ أو التطبيق: 1. قراءة وفهم جيد لطبيعة نشاط كل قطاع ومهنة مطلوب توطينه/ توطينها. 2. سماع جيد لمرئيات كل الأطراف المعنية بالتوطين والمتأثرة منه، ولكل نشاط ما يخصه. 3. التدرج في التنفيذ على سنوات، مثلا تراوح بين ثلاث وثماني سنوات حسب طبيعة المهن والنشاط والمعوقات. 4. يجب أن تتكون لدى الجميع قناعة أن التدرج لا يعني التساهل في جدية التطبيق. كيف تتكون القناعة؟ من جودة وطريقة تنفيذ الخطط. 5. باستثناء وظائف بعينها، فإنه لا داعي للتوطين التام أي الحصر على السعوديين بل يكفينا هدف جعل السعوديين هم الغالبية العظمى بعد سنوات من الآن. وستزيد خلالها وبعدها نسبة السعوديين أكثر مع الوقت تلقائيا إذا غيرنا سياسة الاستقدام ومنح التأشيرات بما يؤدي إلى انهيار أو تقليص شديد في عدد التأشيرات الجديدة. من شروط نجاحنا في تحقيق هذا التقليص أو الانهيار التسهيل أو السماح للمقيمين بتغيير صاحب العمل، وطبعا ضمن ترتيبات وبصورة مدروسة تدريجية، ومن ثم لا تكون هناك حاجة إلى منح تأشيرات جديدة إلا في نطاق ضيق جدا. وهذا موضوع يتطلب تفاصيل لا يتيح المقام هنا الدخول فيها. 6. بناء سياسة تدريب جيدة للسعوديين على مهن كثيرة في قطاع التجزئة وغيره. ولا شك أو يفترض أن لمؤسسة التدريب المهني وبنك التنمية الاجتماعية دورا أساسيا. 7. التبكير في إغلاق الأسواق. نجاح التنفيذ يتطلب جدية وتدرجا في التنفيذ وتأخيرا لصلاة العشاء. وهذا موضوع يتطلب تفاصيل. 8. بناء وتطبيق سياسات جيدة وواضحة تقلل قدر الإمكان تضرر كل طرف "أصحاب الأعمال والموظفين" من الآخر من التنفيذ. ومعروف أن قطاع التجزئة عاش عشرات السنين على الوافدين، ومحاولة قلب الوضع ستكون لها تبعات، مثل مسألة تكاليف تدريب السعوديين وتوزيعها، ومسألة تأثير ترك العمل وغير ذلك. وبالله التوفيق.
إنشرها