default Author

أساليب تحسين شفافية المالية العامة «1 من 2»

|
عندما اندلعت الثورات الشعبية منذ أكثر من عامين في عديد من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لم تقتصر مطالب الجماهير على الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية، إنما تضمنت أيضا الحوكمة الرشيدة والمساءلة. ويتطلب هذا عدة أمور من بينها أن تقوم الحكومات بتوفير المعلومات بكل شفافية عن كيفية تخصيص الأموال العامة وإنفاقها وتدقيق حساباتها. ومع معرفة كيفية استخدام الحكومة للموارد العامة، يستطيع المواطنون المشاركة في الحوارات المجتمعية بشكل أفضل. وتتوقع البرلمانات والمواطنون من حكوماتهم تقديم معلومات عالية الجودة عن عمليات المالية العامة اليوم وغدا. يريدون معرفة حجم الأموال المخصصة لبنود الإنفاق ذات الأولوية مثل الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية. يريدون الحصول على معلومات عن التكلفة التي تتحملها الموازنة العامة من أجل الإنفاق على دعم الغذاء والوقود وكذلك دعم المؤسسات العامة الخاسرة، وما إذا كانت الحكومة تسدد الفواتير المستحقة في حينها. والأهم من ذلك أنهم يحتاجون إلى معرفة ما إذا كانت أهداف المالية العامة التي وضعتها الحكومة تعكس بالفعل الأولويات التنموية للمجتمع. وعقب تغيير الأنظمة أخيرا فى بعض البلدان، تساور الناس شكوك حول مدى إمكانية الاستمرار في تحمل أعباء الدين العام، ويريدون معرفة حجم القروض التي حصلت عليها أنظمة الحكم السابقة والتكلفة المترتبة عليها. ويدعو كثيرون إلى كشف حجم إنفاق المؤسسات العسكرية بما فى ذلك الرواتب ومعاشات التقاعد. ومن المؤسف أنه طبقا لما ورد في أحد التقارير الصادرة أخيرا عن منظمة "الشراكة الدولية للموازنات" نجد أن معظم البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا تزال تحصل على أدنى الدرجات من حيث توافر المعلومات عن الموازنة. وسأحاول في هذه التدوينة استعراض أسباب ذلك وكيف يمكن لصندوق النقد الدولي المساعدة على تعزيز شفافية المالية العامة في المنطقة. شفافية المالية العامة تعني انفتاح الحكومة أمام الجمهور أثناء عملية صنع السياسات المالية. ويعرف الصندوق شفافية المالية العامة بأنها تعني الوضوح والموثوقية والتواتر والحداثة والدلالة فيما ينشر من معلومات عن حالة الموارد العامة في السابق والحاضر والمستقبل. - الوضوح: بمعنى أن تتوافر ملخصات مكملة للموازنة التفصيلية، على أن تكون سهلة الفهم بالنسبة للجمهور العام. - الموثوقية: بمعنى أن يكون ما تقيسه بيانات المالية العامة مطابقا لما تم تحديده، ومن ثم تكون خالية من الأخطاء والتحيزات الكبيرة. - التواتر: بمعنى تحديث بيانات المالية العامة بصفة منتظمة. - الحداثة: بمعنى نشر بيانات وتقارير المالية العامة في حينها. - الدلالة: بمعنى أن تتضمن الوثائق المنشورة معلومات ملائمة تسمح للجمهور بتقييم ما إذا كان صناع السياسات يتخذون قرارات فعالة لتحقيق الأهداف المقررة. وقد أنشأت وزارات المالية في معظم بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مواقع على شبكة الإنترنت تنشر فيها قوانين الموازنة وغيرها من الوثائق والتقارير المتعلقة بحالة المالية العامة. غير أن كثيرا من هذه المواقع يصعب البحث عن المعلومات فيه، والأهم من ذلك أنها تحتوي على معلومات قديمة تقتصر على تدفقات الحكومة فقط. ولا تزال معظم البلدان تحتاج إلى بذل جهود لنشر تنبؤات المالية العامة وأطر الموازنة للمدى المتوسط، إضافة إلى نشر بيانات شاملة عن مخاطر المالية العامة "مثل الالتزامات الاحتمالية والمخاطر الناشئة عن تغيرات أسعار السلع". وينشر قليل من البلدان معلومات مفصلة وحديثة عن الإنفاق العام، مع تقسيمها حسب التصنيف الوظيفي حتى توضح للمواطنين كيفية توزيع الأموال العامة على الأنشطة المختلفة للدولة "التعليم، الرعاية الصحية، الدفاع... إلخ". وينبغي القيام بالكثير أيضا لإعداد تقارير شفافة عن الحسابات غير المدرجة في الموازنة، والوكالات والمؤسسات التي تدير السياسات العامة نيابة عن الحكومة "كأسعار الوقود والكهرباء المدعمة التي يقع عبؤها على حسابات المرافق العامة أو شركات النفط العامة".
إنشرها