FINANCIAL TIMES

فقاعة جديدة تلوح في سماء العقارات الأمريكية

فقاعة جديدة تلوح في سماء العقارات الأمريكية

أكثر من مليون شقة جديدة نشأت في أنحاء الولايات المتحدة في موجة بناء ما بعد الأزمة. الآن يشعر المصرفيون الذين موّلوا الطفرة بالقلق. ويتساءلون ما إذا كانت شركات التطوير العقاري أنشأت مساكن فوق الحد؟
في الوقت الذي تتزايد فيه المخاوف بشأن إغراق السوق، بدأت هيئات المراقبة هذا الشهر التدقيق في الطريقة التي يمكن أن تواجه بها أكبر المصارف حالة انهيار. وطلب مسؤولون في "الاحتياطي الفيدرالي" من المصارف تحديد كيف ستنجح إذا انخفضت أسعار العقارات التجارية 35 في المائة وتراجعت قيمة إيجارات الشقق بنسبة أكثر.
ومع أن محاكاة انكماش العقارات كانت جزءاً من اختبارات الإجهاد السنوية في المصارف لفترة طويلة، إلا أن "الاحتياطي الفيدرالي" جعل مخاطر العقارات التجارية محور تركيزه هذا العام، ما يعكس مخاوف من أن فقاعات تتشكل في أجزاء من قطاع العقارات في الولايات المتحدة.
وأشار إيريك روزنجرين، رئيس "الاحتياطي الفيدرالي" في بوسطن، الشهر الماضي إلى مجمعات شقق "عصرية" في المدن الكبيرة، حيث أبرز أن الأسعار "زادت بشكل حاد". كما أدلى صنّاع سياسة آخرون، بما في ذلك رئيسة "الاحتياطي الفيدرالي"، جانيت ييلين، ومراقب العملة، توماس كاري، بتعليقات تحذيرية.
بعد مرور ما يُقارب عقدا على الأزمة - عندما انخفضت أسعار العقارات التجارية بما يصل إلى 40 في المائة، أي أكثر من المساكن - المصرفيون فضلاً عن المنظمين أخذوا يشعرون بالقلق مرة أخرى.
تقول ماري آن سكولي، الرئيسة التنفيذية لمصرف هاورد "نحن قلقون جداً من ذلك الآن". وتضيف، مشيرة إلى الأزمة "التأم الجُرح، قشرة الجرح ذهبت، ونحن نُفكر أن هذه في النهاية ليست فئة أصول بهذا السوء. لكن غالباً ما تكون لدنيا ذكريات أقصر مما ينبغي".
وتدافعت المصارف في تعاملات التمويل لإيجارات الشقق - خاصة المشاريع السكنية الراقية في وسط المُدن - جزئياً لأن القوانين التنظيمية بعد الأزمة جعلتها تنفر من تقديم القروض العقارية السكنية. العوامل السكانية - جيل الألفية من الأرجح أن يستأجر في وسط المُدن - أدت أيضاً إلى تغذية الطفرة.
وبحلول نهاية العام الماضي كانت المصارف الأمريكية وغيرها من مؤسسات الودائع قد موّلت ما يُساوي تريليوني دولار من قروض العقارات التجارية، وهي فئة تشمل المكاتب ومساحات متاجر التجزئة، فضلاً عن مجمّعات شقق "متعددة الأُسر"، وذلك وفقاً لشركة كوستار المختصة في البيانات.
وعلى الرغم من تباطؤ وتيرة التوسّع في الأشهر الأخيرة، إلا أن الأرصدة لا تزال أعلى بما يزيد على الثُلث خلال أربعة أعوام. وكانت القروض متعددة الأُسر سريعة النمو بشكل خاص ـ ارتفعت 63 في المائة.
ووفقاً لشركة أكسيومتريكس، تمويل المصارف ساعد المطوّرين على بناء نحو 1.5 مليون شقة منذ عام 2011. وفي العام الماضي أصبحت الوحدات السكنية متوافرة، كنسبة من السوق، أكثر من أي عام منذ عام 2000، وذلك وفقاً لشركة دويتشه لإدارة الأصول.
نتيجة لذلك أصبح النظام المصرفي أكثر عُرضة للوقوع في صدمة. وتُقدّر شركة كوستار قيمة قروض المجمعات متعددة الأُسر على الميزانيات العمومية للمصارف الآن بربع رأس المال التجاري والادخار المصرفي، البالغ 1.6 تريليون دولار، وهو احتياطي ضد الخسائر.
تسببت العقارات التجارية في مشكلات كبيرة للمصارف من قبل. فبحسب دراسة أجرتها المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع على مدى 26 عاماً، تبين أن المصارف المتخصصة في القطاع عُرضة لخطر الانهيار بمعدل الضعف مقارنة بالمصرف المحلي المتوسط.
فضلاً عن جعل العقارات التجارية جزءا رئيسيا من اختبارات الإجهاد هذا العام بالنسبة إلى المصارف الكبرى، يُدقق المنظمون أيضا في المصارف الأصغر. يقول مكتب مراقب العملة "إن دفاتر القروض للمصارف الأصغر تتركز بشكل خاص في العقارات التجارية".
مايكل بول، من شركة بول ريالتي للوساطة المالية للعقارات التجارية القائمة في أتلانتا، يرى أن الضغط على المصارف من المنظمين الذين يحاولون منع حدوث أزمة يُمكن أن يتبين أنه يحقق ذاته بذاته. ويقول "أعتقد أنهم يشعرون بالقلق أكثر مما ينبغي، يُمكننا إيجاد ركود من خلال إبطاء الإقراض".
في الوقت الراهن، علامات القلق قليلة بين المطوّرين. ولا تزال تكاليف الاقتراض رخيصة والاقتصاد يعمل بنشاط، لذلك معدلات إعسار المطوّرين قريبة من أدنى مستوياتها التاريخية. لكن يُحذّر بعض المختصين من أن السوق يُمكن أن تنقلب بسرعة، ويقولون "إن هناك علامات على أن المتاعب في انتظارنا".
كيفين وايت، رئيس استراتيجية الاستثمار في فرع العقارات التابع لشركة دويتشه لإدارة الأصول، يقول "إن السوق تبدو إيجابية عند النظر إلى الوراء، إلا أننا نرى البناء الذي يُمكن أن يتسبب في مشكلات في الطريق أمامنا. لقد بدأنا نرى ذلك يظهر".
وكانت قيم المباني ترتفع منذ ثمانية أعوام. وزادت أسعار العقارات التجارية أكثر من الضعف مقارنة بأدنى مستوياتها في عام 2009 ووصلت إلى مستويات مرتفعة قياسية، كما تقول شركة جرين ستريت أدفايزرز.
وفشل دخول الإيجارات التي تجنيها شركات التطوير العقاري في المواكبة. وهذا دفع معدل الرسملة - وهو مقياس للعوائد - إلى أدنى مستوياته منذ 16 عاماً.
يقول روزنجرين "زيادة الأسعار لن تكون إشكالية إذا كان الدخل من الإيجارات يرتفع بشكل متناسب مع زيادة الأسعار".
وفي علامة تشير إلى أن المستثمرين أخذوا يتوخون مزيدا من الحذر الآن، وصلت أسعار العقارات التجارية إلى مستوى ثابت، أو أدنى قليلا، وانخفضت 0.5 في المائة في الشهر الماضي.
ورغم أنه لا يزال يوجد نقص في المساكن ذات الأسعار الميسورة في المدن الكبيرة، إلا أن أصحاب المساكن الذين يمتلكون الآن مزيدا من العقارات الراقية في أسواق تشتمل على مانهاتن أخذوا في عرض تنازلات. وتشهد معدلات عدم الإشغال في الشقق الفاخرة الكبيرة ارتفاعا الآن.
ولأن أضواء الأجهزة التنظيمية لا تزال مسلطة على الصناعة، فمن المتوقع أن تظل المصارف تراعي الحذر. ففي استبيان شمل مسؤولي القروض في المصارف الأمريكية، تبين أن نصف المصارف تقريبا يتوقع تشديد معايير الإقراض لإيجارات الشقق هذا العام.
يقول هاورد "إن الأجهزة التنظيمية محقة في شعورها بالقلق، فحين تأخذ جميع العوامل معا – معدلات التركيز العالية، والأسواق التي كانت ترتفع أسعارها بصورة لا يستهان بها إلى حد، ستجد أن شركات التطوير العقاري لا تستثمر كثيرا من النقدية – وبالتالي الشعور بالقلق في محله".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES