Author

«حربان» .. عبر «المانش» وفي الـ «دار»

|
كاتب اقتصادي [email protected]

"انسحاب بريطانيا يمكن إبطاله، بشرط موافقة كل دول الاتحاد"
مسودة ورقة للبرلمان الأوروبي

غطت قضية انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بتفعيل مادة الانسحاب ضمن معاهدة لشبونة من جانب لندن، غطت هذه القضية التي تشغل العالم وليس أوروبا فحسب، على احتفالات مرور 60 عاما على إنشاء الاتحاد. في الواقع لم تكن هناك احتفالات توازي المناسبة التاريخية، لأن تاريخية الانسحاب البريطاني "أول دولة تقوم بذلك" طغت على المناسبة الأولى. ولأن الإرباك السياسي سيطر على الساحة الأوروبية ليس خوفا من إتمام الانسحاب فقط، بل أن يكون شرارة وباء انفصالي أوروبي. وهنا سنفهم بالتأكيد، كيف أن المفاوضين البريطانيين سيعاملون بقسوة خلال المفاوضات، لأن أوروبا لا يمكنها أن تقدم أي عروض مغرية للمملكة المتحدة، تدفع غيرها لاحقا إلى الحذو حذوها. باختصار، لا مكافآت لأي انسحاب، حتى لو كان انسحاب دول بأقل كثيرا من حجم بريطانيا.
إجرائيا، سيظل الباب مفتوحا أمام لندن للعودة إلى الاتحاد طوال فترة المفاوضات التي قد تستغرق عامين، في حين هدد البرلمان الأوروبي المفاوضين من كلا الجانبين بأنه سيتخذ إجراءات تشريعية إذا ما استمرت المفاوضات أكثر من ثلاث سنوات. لندع هذا البرلمان جانبا، علما بأنه يمتلك أدوات يمكنها أن تنشر المنغصات غير المستحبة في هذا الوقت بالذات، ولنعود إلى قلب بريطانيا التي لم تستطع رئيسة وزرائها تيريزا ماي أن توقف أو تعطل قليلا حراك الانفصال الداخلي ضمن حدود المملكة المتحدة نفسها، من اسكتلندا التي أِرعت لإجراء تصويت في برلمانها على إجراء استفتاء للانفصال عن المملكة، إلى إيرلندا الشمالية التي يتحين الوطنيون الفرصة لنزع التاج البريطاني، بل حتى إلى ويلز القريبة جدا من إنجلترا على مر التاريخ سياسيا وتشريعيا وقانونيا وإجرائيا.
ستحارب حكومة ماي اليوم على جبهة داخلية خطيرة جدا من ناحية التاريخ والجغرافيا والدولة الكبرى، وجبهة خارجية - أوروبية تحمل الخطورة نفسها من الناحية الاقتصادية. علما بأن الحكومة البريطانية نفسها ليست مع بعضها البعض كما ينبغي أن تكون في مرحلة كهذه، لأسباب تتعلق بطبيعة الانسحاب من الاتحاد، وشكل المفاوضات المقبلة، وحول ما إذا كان من الضروري أن تطرح نتيجة المفاوضات على استفتاء عام، لكي يكون الأداء الديمقراطي أكثر نزاهة. بعض المؤيدين للبقاء يقولون، إن بريطانيا خرجت من الاتحاد بفعل الأكاذيب الناجحة من معسكر الخروج، ولذلك من حق الجميع المؤيدين والمعارضين أن يعطوا رأيهم في نتيجة المفاوضات وحجم الأضرار التي ستتعرض لها بريطانيا على مختلف الأصعدة. يضاف إلى التباين الحكومي الداخلي أن بعض المسؤولين ليسوا على ثقة بقدرة المفاوضين البريطانيين الذين تم اختيارهم، دون أن ننسى الفروقات بين نواب حزب المحافظين الحاكم في مجلس العموم حول هذا الأمر.
ومع كل هذا، لا يزال الباب مفتوحا لعودة بريطانيا كما هو الأمر بالنسبة لباب الخروج. ولكن الباب الأول ليس مفتوحا بما يكفي لرؤيته من بعيد، خصوصا مع وجود إشكالات كبيرة، تتعلق باحترام الديمقراطية حتى لو مورست في استفتاء الخروج الكبير على أساس سلسلة من الأكاذيب. علينا هنا القول، إنه على الرغم من وجود هذه الأكاذيب فعلا، إلا أن الذين أيدوا البقاء فشلوا في إطلاق حملة موازية تستند إلى الحقائق. كل هذا لا يهم الآن. بالنسبة لبريطانيا تسعى للخروج بأقل الأضرار الممكنة، خصوصا إذا ما عرفنا أن عدة آلاف من القوانين والإجراءات ستعود لبريطانيا ولا توجد في لندن حاضنات إدارية لها الآن. أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فقد أعلنها بقوة ودون مواربة أن على بريطانيا أن تدفع ثمن خروجها قبل خروجها ولا مجال للتفاوض في هذا الأمر. وعلى الجميع أن يعي أن أي دولة لن تحظى بمعاملة خاصة إذا ما قررت الخروج من الاتحاد.
بل صبت أوروبا جام غضبها على الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، في سياق جديد لتوضيح صورة المرحلة المقبلة. فهذا الأخير شجع بريطانيا على الخروج، بل هنأها على ذلك، ما دفع قادة الاتحاد الأوروبي للطلب من ترمب الصمت، أو أنهم سيشجعون انفصالا قد يحدث في ولايتي تكساس أو أوهايو. أي أن قادة الاتحاد لا يريدون تدخلات خصوصا على مستوى الولايات المتحدة التي تنتهج ، كما هو معروف، سياسة انعزالية محلية شبه خالصة. وسواء شجع ترمب الخطوة، أم ظل صامتا، المفاوضات بشأن انسحاب بريطانيا التي أطلقت في 29 من آذار (مارس) الماضي، ستدخل التاريخ ليس من ناحية نتائجها المقبلة التي لا أحد يعرف كيف ستكون، من جهة أنها الأولى في تاريخ الاتحاد الأوروبي بعد 60 عاما على تأسيسه. ولأنها كذلك، ظهر جليا أنه حتى البلدان التي تحسب الأمور لعقود بل لقرون، لم تستطع في البداية أن تقنع نفسها بإمكانية خروج دولة عضو من الاتحاد، خصوصا بريطانيا التي حصلت في الواقع على تفضيلات لم تحصل عليها أي دولة عضو في هذا الاتحاد، ومع ذلك اختارت الانفصال.

إنشرها