FINANCIAL TIMES

نمو سوق السيارات الكهربائية يدفع الصين إلى القتال على سوق البطاريات

نمو سوق السيارات الكهربائية يدفع الصين إلى القتال على سوق البطاريات

نمو سوق السيارات الكهربائية يدفع الصين إلى القتال على سوق البطاريات

مقر CATL، أسرع شركات صناعة البطاريات نموا في الصين، يقع على حافة مدينة نينجده، بالقرب من برك يربي فيها المزارعون أسماك الكارب، ومن شارع مطاعم المعكرونة الرخيصة وورش تصليح السيارات التي يرتادها العمال المهاجرون. داخل المصنع الضخم تتحرك قطع البطاريات بصمت على سيور ناقلة آلية. اللافتات على الجدران تشجع العمال على عدم إضاعة المواد، أو الوقت، أو الانغماس في "الانحناء غير الضروري" حفاظا على سلامتهم.
المصنع يشبه كثيرا من المصانع الأخرى التي تنتشر في جميع أنحاء البلاد. لكن مع تقييم يبلغ 11.5 مليار دولار، تعتبر CATL التي تعني "تكنولوجيا أمبيريكس المعاصرة المحدودة"، شركة غير عادية بأي شكل من الأشكال. ومن المتوقع أن تصبح باناسونيك الصين - بطلا وطنيا - وجزءا رئيسا من خطة طموحة في بكين لإعادة تشكيل سوق البطاريات العالمية واستغلال ارتفاع الطلب على السيارات الكهربائية.
يقول نيل يانج، مدير التسويق في CATL: "نريد أن نصبح الشركة الرائدة، مثل العربة الأمامية في القطار، وأن نقود سلسلة الإمداد بأكملها". مكتب يانج يطل على رافعات وخلاطات أسمنت تستخدم في بناء مساكن ومكاتب لإيواء 20 ألف عامل.
CATL التي كانت لديها، بحسب "جولدمان ساكس"، القدرة على إنتاج 7.6 جيجاوات من البطاريات العام الماضي، تقول إنها تعتزم بحلول عام 2020 تحقيق إنتاج أكبر مما ينتجه مصنع جيجا، المشروع المشترك بين "تسلا موتورز" و"باناسونيك" الذي افتتح في ولاية نيفادا في كانون الثاني (يناير)، ومن المتوقع أن يكون أكبر منتج في الولايات المتحدة. ومن شأن ذلك أن يجعل من CATL أكبر مصنع للبطاريات في العالم.
شركات البطاريات الصينية، المدعومة بسياسات قوية من الحكومة - تراوح بين دعم السيارات الكهربائية وفرض قيود على الشركات الأجنبية المنافسة – بدأت الآن تهيمن على صناعة كانت على مدى ثلاثة عقود تقاد من قبل الشركات الكورية الجنوبية واليابانية، مثل باناسونيك التي تصنع خلايا البطاريات لسيارات تسلا.
في الأسبوع الماضي طالبت بكين الشركات برفع قدرة بطاريات السيارات الكهربائية إلى الضعف بحلول عام 2020، وشجعتها على الاستثمار في مصانع في الخارج. وفي الوقت الذي تستثمر فيه شركات صناعة السيارات بشكل أكبر في السيارات الكهربائية، ستصبح بطارية الليثيوم أيون إحدى التكنولوجيات الرئيسة خلال العقد المقبل على الأقل، الأمر الذي يخلق سوقا يقدر "جولدمان ساكس" أنها ستكون بقيمة 40 مليار دولار بحلول عام 2025 وستهيمن عليها الصين.
يقول يانج: "لن يكون من السهل التفوق على الشركات اليابانية والكورية الجنوبية. لكننا نعتقد أنه على مدى السنوات العشر المقبلة، لن يبقى سوى عشرة منتجين فقط لبطاريات الليثيوم، وأن أكبر ثلاث شركات ستستولي على 60 في المائة من السوق".
ومنذ عام 2012 أنفقت الصين مليارات الرنمينبي من أموال الدعم الحكومي على شركات صناعة السيارات الكهربائية، لتحول شركة BYD ـ مقرها شنزن ـ المملوكة بنسبة 25 في المائة من قبل شركة بيركشاير هاثاواي، التابعة إلى وارين بافيت، إلى أكبر شركة مصنعة للسيارات والحافلات الكهربائية في العالم، برسملة سوقية 18.7 مليار دولار. إضافة إلى زيادة العرض تعمل الصين أيضا على خلق الطلب: بحلول عام 2020 تتوقع أن يكون على طرقها خمسة ملايين سيارة كهربائية، مقارنة بمليون سيارة اليوم.
نهج الصين في هذا القطاع يعكس أصداء نهجها في قطاع الطاقة الشمسية قبل عقد من الزمن. فقد هيمنت على هذه الصناعة عن طريق تخفيض التكاليف وتقليص الأسعار بنسبة 70 في المائة، ويمكن أن تفعل الشيء نفسه مع البطاريات، كما يقول جوردون أور، الرئيس السابق لمجلس إدارة منطقة آسيا في شركة ماكينزي. ومن شأن ذلك أن يجعل السيارات الكهربائية أكثر قدرة على المنافسة - تشكل البطاريات ما يصل إلى نصف إجمالي تكلفة السيارة - لكنه يمكن أن يعني أيضا خسارة قاسية من حصتها في السوق لشركات التصنيع في بقية دول آسيا والولايات المتحدة وأوروبا.
يقول أور: "نحن نعرف كيف نجحت [الطاقة الشمسية]. الصين حصلت على النتيجة النهائية التي كانت تريدها، لكن في هذه العملية [كانت هناك] مليارات الدولارات من تدمير القيمة. أنا أرى خصائص التوجه للأسفل في الطريق نفسه، وسواء كانت CATL أو الآخرين هم الذين سيفوزون في النهاية، فإن من المستحيل التنبؤ بذلك".

في كل جهاز

أحدثت بطاريات الليثيوم أيون ثورة في سوق الإلكترونيات الاستهلاكية بعد تسويق سوني لها في عام 1981. ابتداء من جهاز "ووكمان" Walkman إلى آيفون، تشكل هذه البطاريات جزءا أساسا من الأدوات في الحياة اليومية. ومن المتوقع أن تلعب الآن دورا كبيرا بالقدر نفسه في وسائل النقل، ما يساعد على تقليل الاعتماد على النفط.
ومنذ الثمانينيات هيمنت الشركات في كوريا الجنوبية واليابان على إنتاج البطاريات لصناعة الإلكترونيات، لكن الصين لحقت بالركب. وفي عام 2013 تفوقت، وفقا لـ "جولدمان "على كوريا، أكبر مورد في العالم لبطاريات الليثيوم لجميع الأجهزة الإلكترونية. وبعد ذلك بعام عززت تلك الريادة مع انطلاق سوق السيارات الكهربائية في الصين. وفي عام 2016 تم بيع 507 آلاف سيارة تعمل بالبطارية الكهربائية وسيارات هجين في الصين، بزيادة 50 في المائة خلال الـ 12 شهرا الماضية.
ومع أن باناسونيك هي أكبر مورد في العالم لبطاريات السيارات الكهربائية على مستوى العالم، إلا أن BYD وCATL الصينيتين خلفها تماما، وفقا لأرقام جمعتها مجموعة بيرنشتاين للأبحاث.
يقول دنكان جودوين، رئيس أسهم الموارد العالمية في شركة برينجز لإدارة الأموال: "اليابانيون اخترعوها، والكوريون يتطلعون إلى توسيعها وبنائها، والصينيون في نهاية المطاف يسيطرون عليها. هذه هي الوجهة التي ستذهب إليها السوق في نهاية المطاف. سنرى خطوة لا يستهان بها في القدرات التصنيعية تقودها الصين والطلب الصيني".
إذا بلغت شركات البطاريات الصينية أهدافها فستكون لديها طاقة قادرة على إنتاج 121 جيجا واط ساعة من البطاريات بحلول عام 2020. هذا يقارَن بـ 35 جيجا واط ساعة هي الرقم المستهدف من مصنع جيجا، التابع لشركة تسلا، عندما يصل إلى طاقته القصوى في العام المقبل. ومن شأن كل جيجا واط ساعة أن تزود 40 ألف سيارة كهربائية بالطاقة للسفر لمسافة 100 كيلو متر لكل منها.
يقول سيمون موريس، رئيس "بينشمارك مينرال إنتليجنس" Benchmark Mineral Intelligence في لندن: "الصينيون يعززن طاقتهم بكثافة لتضييق الخناق على هذه السوق".

إخراج الشركات الأجنبية

في عام 2015 في مدينة نانجينج، شرقي الصين، افتتحت LG Chem الكورية الجنوبية مصنعا للبطاريات. وفي العام نفسه اقتدت بها "سامسونج إس. دي. آي" وافتتحت مصنعا في كسيان، وسط الصين، وأعلنت أنه يشكل "موطئ قدم لها في أكبر سوق لسيارات الطاقة الجديدة في العالم". وبعد ذلك بعام أصدرت بكين قائمة بالشركات المسموح لها بتزويد البطاريات في البلاد. لم تكن أية شركة أجنبية مدرجة في القائمة. كذلك أصدرت بشكل منفصل مشروع قانون بمبادئ توجيهية في نهاية العام الماضي جاء فيها أن الشركات المصنعة لبطاريات السيارات ستحتاج إلى ألا تقل طاقتها الإنتاجية في الصين عن ثمانية جيجا واط ساعة من أجل التأهل للحصول على إعانات – وهو هدف لا يمكن الوفاء به إلا من قبل BYD وCATL.
يقول مايكل دان، رئيس شركة دان للسيارات في هونج كونج: "الصين تسعى للاستحواذ على تكنولوجيا البطاريات الأجنبية الرفيعة مع احتفاظ الصينيين بالملكية الشاملة والسيطرة. لقد كانت مهتمة تماما بتنمية شركات رائدة محلية للبطاريات، وفي الوقت نفسه استخدام إجراءات الترخيص لإبقاء الشركات الأجنبية بعيدا".
واستفادت BYD بشكل خاص من الدعم الحكومي. إذ قدمت بكين الدعم للحافلات الكهربائية التي تستخدم البطاريات التي تعمل بفوسفات ليثيوم الحديد LFP، وهو النوع الذي تستخدمه BYD لكن لا يستخدمه عدد كبير من المصنعين الأجانب بسبب قدرتها المتدنية على إنتاج الكهرباء. ونتيجة لذلك باعت BYD، وفقا لمصرف ماكواري، 11 ألفا من حافلاتها الكهربائية العام الماضي، في حين لم تبع أية حافلة في عام 2013. وبحسب أحد متداولي السلع الدوليين: "برنامج الدعم [الصيني] مصمم خصيصا حتى يكون من المؤكد أنه لا يمكن لسامسونج أوLG Chem الحصول على أي جزء منه".
من أجل السماح للسيارات الكهربائية بالسير مسافة أبعد بعملية شحن واحدة للبطارية، هناك عامل حاسم هو كثافة الطاقة في البطارية. في الوقت الراهن يلاحظ محللو "بيرنشتاين" أن تتخلف الصين وراء الشركات الكورية من حيث التكنولوجيا الخاصة بتوفير قدر أكبر من كثافة الطاقة. الشركات الرائدة في السوق هيLG Chem، وسامسونج، وSK Innovation وباناسونيك التي "يحاول الموردون الصينيون اللحاق بها".
يقول مارك نيومان، المحلل في "بيرنشتاين": "لدى الصينيين حماية اصطناعية من الحكومة لذلك هم قادرون على زيادة النطاق بشكل أكبر مما يستطيع الكوريون. لا يزالون على مسافة سنة أو سنتين في الوراء، لكنهم يضيقون الفجوة بسبب حجمهم".
زيادة كمية الطاقة التي يمكن للبطارية تخزينها في عملية شحن واحدة ستكون أمرا حاسما. لكن ذلك يتطلب استمرار الابتكار، كما يقول فارون سيفارام، وهو مختص في أمن الطاقة في مركز العلاقات الخارجية.
ويضيف: "في السيارات الكهربائية إذا واصلْتَ تقليص التكلفة دون زيادة في الأداء ستصل إلى حد معين – تصبح السيارة مكلفة فوق الحد لأن كثافة الطاقة ليست عالية بما فيه الكفاية" كما يقول سيفارام، مضيفا: "أعتقد أن الشركات الصينية لن تفوز في نهاية المطاف. سوف تحتاج إلى بطاريات ذات كثافة طاقة أعلى، وشركات التصنيع التي لديها تكنولوجيا الجيل المقبل سوف تفوز".

المواد الخام

الميزة الأكبر لشركات تصنيع البطاريات الصينية، التي تفوق في أهميتها الإعانات أو الحواجز الموضوعة أمام الشركات الأجنبية، هي إمكانية الحصول على المواد الخام. الشركات الصينية كانت قادرة في العام الماضي على الوصول إلى سلسلة إمدادات الليثيوم أيون، بشرائها أصولا في قطاع التعدين تشمل الكوبالت والليثيوم، للمساعدة في خفض التكاليف.
هذا العام، اشترت "جانفينج ليثيوم" Ganfeng Lithium، وهي احدة من أكبر شركات الإنتاج الصينية لهذه المادة الكيماوية المستخدمة في البطاريات، وحصة نسبتها 19.9 في المائة في أحد مشاريع الليثيوم في الأرجنتين. وجاءت الأرجنتينية في أعقاب شراء شركة تيانتشى ليثيوم الصينية في العام الماضي حصة بلغت 2.1 في المائة في شركة SQM التشيلية، أكبر منتج لليثيوم في العالم.
وبالنسبة لمادة الكوبالت، دفعت "تشاينا موليبدنوم"، وهي شركة تعدين مملوكة جزئيا من قبل إحدى الحكومات المحلية في الصين، 2.65 مليار دولار في العام الماضي مقابل الحصول على منجم "تنكي" Tenke في الكونغو الديمقراطية. ويحتوي المنجم على واحد من أكبر تجمعات الكوبالت في العالم وسيؤمن "الإمدادات الضرورية للبطاريات لعقود مقبلة"، بسحب "إنفستك". ويقول تجار كوبالت إن معظم إمدادات "تنكي" من المرجح أن تذهب إلى الصين، حيث تضاعفت الأسعار منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
ووفقا للمحللين في HSBC من المتوقع للشركات الصينية أن تعطل سلسلة إمداد مواد البطاريات وتخفض الأسعار أيضا. وقالوا: "الجهود الصينية النشطة باتجاه تعزيز السوق المحلية للسيارات الكهربائية ستسرع التوسع في النظام البيئي المحلي".
في نينجده يقول مصنع CATL إن لديه طاقما مكونا من ألف شخص يعملون في قسم الأبحاث والتطوير. وتمتلك الشركة أكثر من ألفي براءة اختراع تتعلق بالبطارية. وقال محللون في "جولدمان ساكس" في كانون الثاني (يناير)، إنهم يتوقعون "لحاق الشركة بركب نظيراتها العالمية من حيث جودة المنتجات".
شركة ناشونال إليكتريك فيكل السويدية التي اشترت شركة صناعة السيارات "ساب" المفلسة في عام 2012، وقعت على اتفاقية لتوريد البطارية مع CATL في وقت سابق هذا العام.
يقول أندرس بيورنبيرج، مدير البحث والتطوير في الشركة: "لدى الحكومة الصينية قائمة بالشركات المعتمدة، المصنعة للبطاريات، وإذا لم تختر واحدة من تلك الشركات لن يسمح لك بتقديم طلب للحصول على إعانات في السوق الصينية". ويضيف: "شركة CATL قادرة على المنافسة مع اليابانيين والكوريين، وليس الأمر أننا حصلنا على ثاني أفضل خيار. فهذا أفضل خيار في الصين".
وبحسب يانج، الهدف الأول للشركة هو خدمة الزبائن الصينيين المحليين، وليس التصدير إلى السوق العالمية. مع ذلك لا تستطيع CATL إخفاء طموحاتها العالمية ويقر يانج بأن الشركة ترجو أن تعمل مع تسلا، وأنها كانت تجري اتصالات مع جنرال موتورز، ويشتمل عملاؤها الحاليون على فولكسفاجن وبي إم دبليو. في كانون الثاني (يناير) اشترت الشركة حصة بنسبة 22 في المائة في "فالميت للسيارات"، الشركة الفنلندية المختصة في تزويد قطع غيار السيارات. وتفكر أيضا في إنشاء مصنع في أوروبا. ويقول يانج إن هذا "ليس بالفكرة البعيدة".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES