التواتر يمنع الاحتكار

من السهل على كثيرين رمي تهمة الاحتكار وتوابعه عندما ترتفع الأسعار، لكن من الصعب في كثير من الحالات الإثبات الشرعي والقانوني والاقتصادي بوجود احتكار في غالب السلع التي ارتفعت أسعارها.

تعريفات
التواتر معناه أن يروي الحديث أو الخبر جمع أو عدد كبير ليس بينهم تواطؤ وكان ما أخبروا به ممكن الحدوث. مثلا عندما يحدث حادث ما، ممكن بالعقل حدوثه ومشاهدته، ويشهد وقوعه عدد كبير من الناس لا علاقة أو تواطؤ بينهم "لا يعرفون بعضهم بعضا أصلا" ثم يخبرون عن الحادث. فهذا يفيد أن خبر الحادث أكيد ولا مجال لإنكاره، حتى لو كانت هناك خلافات في بعض تفاصيله. وإذا قل عدد من شهد الحادث وجد المجال للكلام في مدى صحة ودقة خبر الحادث.
الكلام السابق ينطبق ما يشبهه على الأسواق. تنقسم الأسواق وبصورة أخص أسواق كل سلعة من حيث عدد المنتجين أو البائعين إلى ثلاثة أنواع رئيسة. والكلام عن السلع الخاصة المحضة، أي التي يوفرها ويبيعها القطاع الخاص بلا حاجة إلى دعم ونحوه مباشر خاص بها من الحكومة.
منعا لسوء الفهم أو الخروج عن الموضوع "ما أكثر الذين يسيئون الفهم أو يخرجون عن موضوع النقاش" فإن النقاش محصور بأنواع الأسواق من حيث عدد البائعين، وأي اعتبارات أخرى تؤثر في السعر خارج نطاق المقال.
1 - سوق سلع يبيعها عدد كبير من البائعين المتفرقين، بحيث يكون صعبا جدا أن يكون بينهم تعاون أو تواطؤ على الأسعار.
يمكننا أن نعتبر هذه الأسواق متواترة. في مثل هذه الأسواق لا يحق لأحد اتهام طرف فيها بالتسبب في الغلاء. وعلى هذا فسر جمهور العلماء الشرعيين امتناع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التسعير عندما غلا السعر في عهده. وقد سمى آدم سميث "المشهور بأنه أبو علم الاقتصاد" آلية عمل هذه الأسواق باليد الخفية.
من أوضح الأمثلة الوحدات السكنية المعروضة للبيع أو الإيجار في المدن. ومن الأمثلة أيضا غالب السلع في أسواق التجزئة "مثلا، السلع المتوافرة عادة في البقالات والأسواق المركزية". عموم أو غالب هذه السلع يحصل عليها المستهلك من عدد كبير جدا من المؤجرين أو البائعين الذين لا توجد بينهم أدنى درجات من التعاون أي أنه لا يمكن القول بوجود تواطؤ بينهم على رفع الإيجار أو السعر، أي أنها تعتبر سوقا تنافسية.
2 - سوق سلع ينتجها أو يبيعها عدد محدود من المنتجين أو البائعين ويسمى بيع أقلية. والفرصة قوية لقيام علاقة أو تواطؤ أو تكتل بينهم على الإنتاج أو البيع والتسعير.
3 - سوق سلع ينتجها أو يبيعها واحد. وهذا الاحتكار بعينه بمعنى الانفراد وليس بمعنى الحبس، أي حبس تاجر من التجار كميات من سلعته عن السوق، الذي هوالمعنى الأصلي للاحتكار.
ملحوظة: الاحتكار بمعنى الحبس لا يمنع وجود بائعين منافسين.
طبعا لا يشترط أن يكون مسار توفير السلعة واحدا، فبعض السلع تبيعها محال كثيرة جدا، ولكن البائع في هذه المحال منتج أو تاجر جملة واحد أو عدد قليل جدا من المنتجين أو تجار الجملة. والنتيجة تحكم هؤلاء في الأسعار.
في حالة العقارات المعروضة للإيجار في سوق تنافسية تماما كما سبق توضيحه، هل يعني ما سبق ترك المؤجرين يرفعون الإيجار على الناس بنسب عالية تبعا لموجات الغلاء في السوق؟ لا ليس هذا هو القصد، بل أرى أن على الحكومة التركيز على ما يساعد على خفض وطأة موجات الغلاء على الناس عبر سياسات شتى، لكن هذا موضوع طويل وخارج موضوع المقال.
في حالات الاحتكار وتكتل الأقلية، سواء وقع من بائع تجزئة أو بائع جملة، لأغلب السلع خاصة الأكثر أهمية للناس، من واجب الحكومات وبصفة عامة تتبعها وعمل التشريعات التي تحمي الناس من الاستغلال. وتتبعها ليس عملا سهلا في بعض الأحيان.