Author

«الخلوة» التي تسهم في صنع المستقبل

|

تأتي "خلوة العزم" المشتركة بين المملكة والإمارات، حراكا مباشرا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وأخيه الشيخ خليفة بن زايد. وتدخل ضمن إطار المشاورات والاتصالات واللقاءات التي تجمع كلا الطرفين، من أجل تدعيم الشراكة الاستراتيجية بينهما، وتعزيز الحراك السياسي المشترك على مختلف الأصعدة، في الوقت الذي تشترك فيه المملكة والإمارات في حرب محقة في اليمن، لإعادة الشرعية إلى هذا البلد الشقيق، والتخلص من عصابات الحوثيين والمخلوع علي صالح. وقدم البلدان كثيرا من التضحيات لتحقيق هذا الهدف، وهما يمضيان قدما نحو استكمال الغاية من هذه الحرب المشروعة. وإذا كانت الحرب في اليمن محورا من محاور الخلوة السعودية ــ الإماراتية، فإن هناك محاور عديدة فيها، في مقدمتها التنسيق المباشر بين الطرفين في قضايا تشهد تطورات متلاحقة، سواء على الصعيدين الإقليمي أو العالمي.
ولعل من أبرز المسائل المطروحة في "الخلوة الاستراتيجية"، هي تلك المتعلقة بوضع إطار عام وخطط لعمل مجلس التنسيق المشترك، نظرا لما يمثله هذا المجلس من أهمية استراتيجية حقيقية، فضلا عن أنه يمهد الطريق نحو منظومة تعاون شاملة بين البلدين؛ فالعلاقة الأخوية التي تجمع السعودية والإمارات ضاربة في عمق التاريخ والمصير أيضا، وكل خطوة تتم في هذا الاتجاه، هي في الواقع خطوة إيجابية أخرى بالنسبة لكل بلدان مجلس التعاون الخليجي، الذي يمثل كيانا إقليميا ناجحا، مقارنة بكثير من الكيانات العربية التي ظهرت وانتهت في زمن قسر. فأي تطوير للعلاقة بين طرف خليجي وآخر، تطوير للكيان الخليجي كله، خصوصا لما تمثله المملكة من ثقل سياسي واقتصادي وجغرافي، إلى جانب ثقلها المباشر على الساحة الدولية.
وعلى هذا الأساس، ترفع "الخلوة" بين الطرفين الشقيقين من وتيرة تحقيق الأهداف المشتركة، ولا سيما تلك التي تخص الجانب الاستراتيجي. وتكفي الإشارة إلى مستوى المسؤولين المشاركين فيها، لتمنحها مزيدا من الأهمية والمحورية في صنع القرارات. ويمثل هذا النوع من اللقاءات قوة دفع كبيرة، خصوصا في زمن التحولات التي يشهدها العالم، بما في ذلك عدم وضوح الرؤية لكثير من السياسات الدولية حول قضايا متفاعلة بصورة آنية. ومن هنا، فإن عمل مجلس التنسيق السعودي الإماراتي لا يختص بما يجري على الساحة فقط، بل يشمل ما يمكن أن يحدث عليها في المستقبل، ومثل هذا التوجه يضمن وجود سياسات توائم التحولات والمتغيرات والتطورات، كما يدعم الخطوات الثنائية في كل المجالات.
ومن أهم ما يميز "الخلوة" الاستراتيجية هذه، أنها شاملة لكل شيء تقريبا سياسيا واقتصاديا، وعلى مستوى الشباب أيضا. بما في ذلك محور "التطوير الحكومي" الذي يمثل في النهاية أساسا، في الوقت الذي تعيد فيه المملكة والإمارات تشكيل اقتصاديهما في مرحلة ما بعد هبوط أسعار النفط إلى مستويات تاريخية منخفضة. في السعودية، هناك "رؤية المملكة 2030"، التي تشكل "المصنع" لإنتاج الاقتصاد الجديد، وفي الإمارات هناك سياسات اقتصادية توائم متغيرات المرحلة. وتبادل الأفكار والآراء بين المسؤولين في أكبر اقتصادين عربيين، يرفع من قيمة العمل سواء المختص بالتغيير أو التطوير.
إن "الخلوة الاستراتيجية" بين السعودية والإمارات، بمنزلة مكان يصنع فيه المستقبل بأفضل الوسائل المتاحة، وأكثر المناهج تطورا، كما يضمن رؤية استراتيجية بعيدة المدى، لكل القضايا التي تخص البلدين ومجلس التعاون الخليجي، بل العالم العربي كله.

إنشرها