Author

اقتصاد العالم .. بلا بوصلة

|

حتى عندما اجتمع في دافوس كبار المفكرين والمختصون الاقتصاديون على الصعيد العالمي، لم يتمكنوا من وضع تصور معقول لمسيرة الاقتصاد العالمي، ليس فقط بسبب وصول دونالد ترمب إلى السلطة في الولايات المتحدة، بل أيضا من ناحية التحولات الاجتماعية والسياسية الشعبوية التي يشهدها غير بلد مؤثر في الساحة الدولية. يضاف إلى ذلك، أن الحكومات في العالم الغربي، إما ضعيفة بصورة أصبحت معها تعمل على أساس ردود الفعل، أو مشوشة يفضل الانتظار قليلا، أو غير شعبية بما يجعلها حريصة على عدم اتخاذ قرارات أو خطوات ستزيد من فقدان ما تبقى لها من شعبية مشكوك في وجودها أصلا. كان غريبا حقا، ألا يصدر شيء عملي عن "دافوس" بوجود هذا العدد الهائل من المختصين وصناع القرار الاقتصادي.
ولكن هذا الأمر ليس مهما، والسبب أن العالم أجمع يسير اقتصاديا أساسا بلا بوصلة، ومع التحولات أو المتغيرات السياسية التي تظهر هنا وهناك، يزداد الابتعاد عن هذه "البوصلة". التعاون الاقتصادي العالمي وصل إلى الحضيض، بل الاتفاقات الاقتصادية المختلفة مهددة بالإلغاء، وفي أحسن الأحوال واقعة حاليا تحت احتمالات التعديل. ومهما كانت أهمية الإشارات القادمة من انتخاب ترمب رئيسا للولايات المتحدة، وتسلمه منصبه فعلا، يبقى الاستفتاء البريطاني على خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، نقطة تحول حقيقية في توجهات الاقتصاد الأوروبي والعالمي في آن. فالأضرار النفسية الناجمة عن نتائج هذا الاستفتاء كبيرة وتسيطر على كل الأجواء، في حين أن الانفصال نفسه لم يتم بعد!
ولا شك في أن عدم وضوح الرؤية لما سيقوم به الرئيس الأمريكي الجديد على الصعيد الاقتصادي زاد من حجم الغمامة على الاقتصاد العالمي، خصوصا أن دونالد ترمب كان واضحا في توجهاته ومواقفه، ولم يحاول استخدام حتى الحد الأدنى من الدبلوماسية بالحديث عن الشراكات مع حلفاء الولايات المتحدة أنفسهم. لم تدخل وعود ترمب حيز التنفيذ لأنه بدأ توا ممارسة مهامه الرئاسية. لكن يمكننا استشراف هذه التوجهات من خلال تأكيدات المسؤولين في البلدان الحليفة للولايات المتحدة مثل ألمانيا وفرنسا وحتى بريطانيا، بأن السنوات المقبلة لن تكون سهلة في التعامل مع الإدارة الأمريكية الجديدة، خصوصا على صعيد التعاطي مع شركائها.
هذا وحده يعمق بصورة خطيرة حالة التيه التي يعيشها الاقتصاد العالمي، فالرئيس ترمب يريد أن يراجع حتى الشراكة التاريخية الضخمة بين بلاده وكندا، ناهيك عن مواقفه الخاصة بالمكسيك ولا سيما تلك المرتبطة بالإنتاج الصناعي والمهاجرين. لا أحد يستطيع أن يضع تصورا مقبولا لمسيرة الاقتصاد العالمي في السنوات المتبقية من العقد الحالي. لكن المؤكد أن هذا العالم يتجه أكثر فأكثر نحو الحمائية التي قال عنها بالأمس الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند "إن الحمائية هي أسوأ رد"، مشيرا بالطبع إلى أن التعددية لا بد أن توجه العلاقات الدولية مع وجود دور للأمم المتحدة. وما لا شك فيه، أن التوجهات الشعبوية هنا وهناك، ستقود بالفعل إلى اتباع الحمائية في كل شيء، في حين أن العالم يفترض أنه بات ناضجا بما يكفي لتكريس أدبيات التعاون والشراكات وغير ذلك.
الاقتصاد العالمي ليس متجها بالتأكيد للازدهار، في السنوات القليلة المقبلة، مع وجود التوجهات التي تعتقد أن الانغلاق والانكفاء على النفس أفضل استراتيجية اقتصادية! في حين أن العقود الماضية أثبتت أن الاتفاقات الاقتصادية بكل قطاعاتها، حققت أهدافا مقبولة بل مطلوبة لكل أطرافها.

إنشرها