Author

التسويق «الكوروني»

|

عندنا يعد أهل التسويق أن التسويق الشفهي أو التسويق بكلام الناس "وورد أوف ماوث" من أهم عناصر المزيج التسويقي، فهم على حق، وهم يحرصون على أن تستحق شركاتهم ومنتجاتها أو خدماتها الوصول إلى هذه المرحلة، مرحلة حديث الناس إيجابيا عنها، ويحرصون أكثر على تلافي ما يؤدي إلى الحديث السلبي.
أزمة "كورونا" مجال خصب للتأمل في هذا الشأن، الشأن التسويقي إجمالا، والتسويق الشفهي بشكل خاص، فالأفكار والنظريات والنصائح تتقاطر بسبب هلع الناس أولا، وسرعة تناقلهم الغث والسمين منها، ويظهر هنا التاجر "الشاطر" الذي يغذي ما يروج تجارته بأسرع وقت لأن الحصاد مؤقت، لكنه كبير.
بعض السلع قفزت أسعارها، وبعضها تم إخفاؤها انتظارا لاشتعال الطلب مع زيادة الهلع، وتواتر الأنباء بارتفاع الأرقام، واقتراب مناطق الانتشار جغرافيا. أتحدث هنا عن المعقمات والأقنعة الواقية وما في حكمها، واللافت سرعة ظهور منتجات لم نكن نعرفها في السوق ولا ندري عن جودتها ومصادرها، فالسوق خصبة والطلب مرتفع، ولا يمكن لوم الناس كثيرا.
وزارة الصحة السعودية تؤدي عملا توعويا لافتا، ومستوى احترازات السعودية يبدو قويا، والواجب الاستماع بإمعان لما تقوله الوزارة واتباع نصائحها وإرشاداتها، والأهم عدم نقل أخبار أو نصائح تستخدم الناس لترويج منتجات أو خلطات أو أنواع معينة من الأدوية أو الأغذية لا علاقة لها علميا بمكافحة أو وقف الفيروس أو العلاج منه، ولا حتى ثبت بالتجربة البشرية جدواها.
أسوأ أنواع التسويق الشفهي هذه الأيام، ما يمكنني تسميته "التسويق الأيدلوجي"، أي تسويق أفكار تمس معتقدات الناس الدينية والثقافية بطريقة تسيء أولا إلى المعتقدات الصحيحة، ثم هي تسيء إلينا كأمة إسلامية تعاني صورتها الذهنية المشوهة لدى الآخر.
مجابهة هذا السيل من الإشاعات والأفكار واستغلال الحدث ليس فقط مسؤولية وزارة الصحة التي واكبت الحدث توعويا، ونسأل الله أن توفق في مجابهته ميدانيا إن دعت الحاجة. إنها مسؤولية جماعية لكثير من الجهات، وهي مسؤولية تقع على عاتقنا أن نبين لمن نعرف أو نعول أو نحن مسؤولون عن تشكيل وعيه حقيقة كثير مما ترمي به أجهزة الهواتف الذكية ووسائل "الفصل" الاجتماعي عليهم، فإذا كانت تجربة مادة أو دواء أو غذاء ستنفي مع الزمن إشاعة فائدتها، فإن ترسخ فكرة دينية أو ثقافية أو وجودية لدى بعض البشر لا يكون نفيها سهلا، وسيبقى بعضها مستترا في العقل الباطن لتظهر مجددا عند استدعائها لأي سبب.
حفظ الله السعودية وأهلها والبشرية جمعاء.

إنشرها