Author

إيجاد موطئ قدم ثابت للاقتصاد العالمي «2 من 2»

|

مدير عام صندوق النقد الدولي

كيف تتم معالجة أزمتنا المناخية بطريقة اقتصادية ومنهجية؟ إن الخسائر البشرية الناجمة عن تغير المناخ تواجهنا كل يوم، لننظر إلى حرائق الغابات أخيرا في أستراليا. وتواجهنا كذلك التكاليف الاقتصادية. ويكفينا النظر إلى مثال واحد، وهو إعصار ماريا الذي تجاوزت أضراره 200 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لدومينيكا و60 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لبورتوريكو.
وتشير تقديرات خبراء الصندوق التي نشرت اليوم إلى أن الكوارث الطبيعية العادية المتعلقة بالمناخ تتسبب في تخفيض النمو بمتوسط 0.4 نقطة مئوية في البلد المتضرر خلال سنة وقوع الحدث.
وإضافة إلى ذلك، فإن هذا النوع من الأحداث بدأ يتكرر بمعدلات عالية، خاصة في الدول الأفقر والأقل قدرة على مواكبة تأثيرها.
فما الخطوات التي يمكن لصناع السياسات اتخاذها؟ تخفيف الأثر والتكيف مع التغيرات.
تشير دراسة أجراها الصندوق أخيرا إلى أن الطلب العالمي على النفط من المتوقع أن يصل إلى ذروته في العقود المقبلة. ولهذا فقد أصابت دول مجلس التعاون الخليجي وكل أعضاء مجموعة العشرين حين بدأت تركز من جديد على رسم مسار للتقدم في تنويع الاقتصاد.
ويمكن للاستثمارات في الطاقة النظيفة والبنية التحتية القادرة على الصمود أن تحقق ما أسميه العائد الثلاثي: تجنب الخسائر المستقبلية، وإتاحة مكاسب الابتكار، وإيجاد فرص جديدة للأكثر احتياجا.
الإيرادات الإضافية المتولدة عن ضرائب الكربون على سبيل المثال، يمكن استخدامها لتخفيض الضرائب في مجالات أخرى وتمويل المساعدة المقدمة للأسر المتضررة أو تمويل الإنفاق الذي يمكن أن يساعد على سد بعض الثغرات الموجودة في مجتمعاتنا. وبالنسبة للدول والمجتمعات الأكثر عرضة لمخاطر الكوارث المناخية فإن الاستثمار في استراتيجيات التكيف يمثل مطلبا ملحا وفعالا من حيث التكلفة على السواء. ويشير تحليل "اللجنة العالمية المعنية بالتكيف مع تغير المناخ" إلى أن منافع مثل هذه الاستثمارات يمكن أن تفوق تكلفتها.
ويقودني هذا إلى المجال الثالث والأخير الذي أراه جديرا بتركيز مجموعة العشرين، وهو الحد من عدم المساواة.
الحد من عدم المساواة
في كثير من الدول الأعضاء في "منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي" OECD ومجموعة العشرين، لا تزال أوجه عدم المساواة في الدخل والثروة مرتفعة بصورة مزمنة. فهناك ثغرة كبيرة في الفرص تتعلق بنوع الجنس والعمر والموقع الجغرافي. ونحن نعلم أن هذه الثغرات يمكن أن تتحول بسرعة إلى شقوق عميقة تزيد عدم اليقين بشأن المستقبل، وعدم الثقة بالحكومة، وتسهم في نهاية المطاف في إشعال القلاقل الاجتماعية. وهذا الأسبوع، يمكن للوزراء تجديد التركيز على رفع مستويات المعيشة وإيجاد وظائف بأجور أفضل.
ودعما لمجموعة العشرين، يعمل الصندوق بالتعاون مع البنك الدولي على تحديد المجالات الأساسية التي يمكن زيادة الفرص المتاحة فيها. وعلى وجه التحديد، الاستثمار في التعليم عالي الجودة، وأنشطة البحوث والتطوير، والرقمنة. والتوقيت مناسب. فأسعار الفائدة المنخفضة السائدة حاليا تعني أن صناع السياسات قد يكون بإمكانهم إنفاق أموال إضافية. وبالطبع، لن تعمل هذه المشورة في كل مكان. فالدين العام يوشك على تسجيل مستويات قياسية في كثير من الدول ومن ثم، فلا يزال الانضباط المالي مبررا في الدول التي يسجل فيها الدين مستويات مرتفعة كنسبة من إجمالي الناتج المحلي.
غير أن تخفيض العجز عند الحاجة ينبغي أن يتم دائما بصورة توفر الحماية للإنفاق الاجتماعي الضروري. وهكذا تستطيع الدول الوصول إلى فرص للجميع وبناء أساس أقوى داخل اقتصاداتها.
في القرن الـ14 كتب المفكر والمؤرخ ابن خلدون عن مفهوم القوة المستمدة من التضامن والهدف المشترك. ووصف الرابطة التي تجمع الأفراد لتشكيل المجتمع. وبينما يلتقي وزراء ومحافظو البنوك المركزية في مجموعة العشرين في السعودية، آمل أن ينظروا في حكمة ابن خلدون. فبالعمل الجماعي يمكن أن نتخذ الخطوات اللازمة للحد من عدم اليقين ووضع الاقتصاد العالمي على أقدام أكثر رسوخا.

إنشرها