Author

جرائم الإنترنت .. ودور المكافحة

|

تعاظمت الجرائم الإلكترونية في الأعوام السابقة. ورغم كل الإجراءات التي تتخذ على صعيد السلطات في هذه الدولة أو تلك، ظلت تتزايد وتأخذ أشكالا مختلفة وجديدة أيضا. في هذا الفضاء اللامتناهي تحدث جرائم الإنترنت كل ثانية، بل أقل من جزء من الثانية، مع دفع مؤسسات وشركات من كل الأحجام، إلى وضع هذه المسألة في صلب استراتيجياتها، والسبب أن الخسائر الناجمة عن الجرائم والاحتيال الإلكتروني هائلة، تصل في بعض الأحيان إلى تهديد وجود الجهة المستهدفة نفسها. أما على صعيد الأفراد، فالأمر ليس أفضل، بل يمكن القول إنه أسوأ، لأن هذه الشريحة من "الضحايا" لا تمتلك الثقافة الإلكترونية اللازمة للحيلولة دون وقوعها في مطب المجرمين المنتشرين في أصقاع الأرض، فضلا عن أولئك الذين لا يعرفون أصلا الدخول إلى حساباتهم المصرفية عبر الإنترنت.
جرائم الإنترنت ترتفع، في حين يرى المختصون أن الوعي بالأمن الإلكتروني لدى أغلبية الأفراد وعديد من الشركات لا يزال ضعيفا جدا، مقارنة بحجم التهديدات في هذا المجال. ولذلك تصف الجهات المختصة هذه الجرائم بـ"الوباء" الآن، ليس فقط لأنها ارتفعت من حيث العدد، بل تسببها في خسائر كبيرة جدا. ووفق هذه الجهات المعنية بأمر أمن الإنترنت، بلغ حجم الخسائر الناجمة عن هذه الجرائم في عام 2014 أكثر من 445 مليار دولار! وفي عام 2018 أي في غضون أربعة أعوام فقط، وصلت الخسائر إلى تريليون دولار! في حين تشير التوقعات إلى أنها ستبلغ أربعة تريليونات دولار في العام الجاري! إنها أرقام هائلة من حيث حجمها وأضرارها على الشرائح المستهدفة، علما بأنه لا توجد جهة محصنة تماما من التعرض للجرائم الإلكترونية.
لا أحد يستطيع أن يحسم حجم الخسائر تماما، لكن ما يتداول حاليا هو الحد الأدنى لهذه الخسائر، مقابل تقديرات تتحدث عن ستة تريليونات دولار من خسائر الجرائم المشار إليها بحلول العام المقبل. وبالطبع، كما في الجرائم التقليدية، لا يبلغ عن جرائم الإنترنت كلها، خصوصا على صعيد الأفراد والشركات التي لا تملك نظاما أمنيا على الشبكة الدولية. ويرى البعض، أن نسبة الجرائم التي لا يبلغ عنها في هذا المجال تصل إلى 95 في المائة! ومن هنا، فإن "المجرمين السيبرانيين" ينشطون بلا توقف، بل يطورون أدوات الاحتيال بصورة شبه يومية، تفوق في تقدمها تلك التي تستخدمها الشركات الكبرى في درء مخاطر جرائم الإنترنت.
بالطبع هناك مراكز لهؤلاء الذين يرتكبون الجرائم الإلكترونية حول العالم، ولكنهم منتشرون في كل مكان بنسب متفاوتة. فإيران وكوريا الشمالية تتصدران البلدان الأكثر احتضانا لجرائم الإنترنت، ولا سيما أنهما لا يتعاونان مع الجهات الدولية المختصة في هذا المجال. فقد تحول هذان البلدان مع الوقت إلى مركزين رئيسين للقرصنة بأنواعها كلها. الأسباب كثيرة لارتفاع معدلات الجرائم الإلكترونية، من بينها بالطبع توفر البرامج التشغيلية الرخيصة جدا، وفي بعض الأحيان المجانية، ما تعطي القدرة لأي جهة تمارس الاحتيال على الإنترنت المضي قدما في أعمالها الإجرامية هذه. إلى جانب تزايد أعداد البشر الذين يستخدمون الإنترنت حول العالم، التي هي بدورها أصبحت رخيصة من حيث تكاليفها، فضلا عن التسهيلات التي تقدمها لهم في كل المجالات. هذه الجرائم لن تشهد تراجعا في المستقبل، إلا إذا كانت هناك اتفاقات دولية تتيح مزيدا من حرية الحركة لجهات إنفاذ القانون، وضرورة تعاون الذين يتعرضون للقرصنة الإلكترونية، عبر الإبلاغ عنها، وتوفير التفاصيل اللازمة.

إنشرها