Author

تعليق التأشيرات .. احتراز شرعي وصحي

|

روت كتب السيرة، ذلك الخلاف الذي وقع بين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وعدد من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشأن الدخول إلى الشام عندما جاءه خبر انتشار الوباء فيها، فاستشار عمر أصحابه، فمنهم من قال لا ندخلها، ومنهم من قال "إنك خرجت لأمر فلا يردك هذا الوباء عنه". وبعد نقاش طويل، قرر عمر الرجوع بالناس وألا يمضي نحو الشام، فقال له بعض الصحابة "أتفر من قدر الله يا عمر"، فقال عمر - رضي الله عنه - كلمته المشهورة "نعم نفر من قدر الله، إلى قدر اللَّه"، فجاء الصحابي عبد الرحمن بن عوف - رضي اللَّه عنه -، فقال: "إن عندي من هذا علما: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه". لقد فهم عمر وفهم الصحابة من هذا الحديث العظيم أهمية وضرورة حماية المسلمين من الأوبئة الخطرة التي تهدد حياة الناس.
ومن هنا تأتي مسؤولية ولي الأمر وتحت تقديره، وضرورة الإسهام بحزم في حصار المرض فلا ينتشر بين الناس. وشهد العالم أخيرا انتشار مرض "كورونا" المستجد، الذي يتسبب في اعتلالات تنفسية وتعده منظمة الصحة العالمية سلالة خطرة جديدة لم يسبق تحديدها لدى البشر من قبل، وانتشر في الصين قبل عدة أسابيع، وبلغ عدد المصابين بهذا الفيروس حتى يوم أمس أكثر من 80 ألف حالة توفي منهم نحو 2500 حالة، واتسع انتشاره ليشمل إيران، وتم تسجيل حالات في البحرين والكويت ليكون انتشاره في 49 دولة. حيث ينتقل المرض من خلال المسافرين. وتماشيا مع منهج تعاليم الإسلام السمحة بشأن المحافظة على أرواح وصحة الناس، وكذلك حصار المرض فلا ينتقل بين العباد والبلاد، وعلى الرغم من أن المملكة لم تسجل أي حالة إصابة، إلا أن وزارة الخارجية السعودية، أكدت أن الجهات الصحية المختصة في المملكة تتابع من كثب تطورات انتشار فيروس كورونا الجديد COVID - 19، وأن المملكة تطبق المعايير الدولية المعتمدة، وتدعم جهود الدول والمنظمات الدولية لوقف انتشار الفيروس ومحاصرته والقضاء عليه، وأن قرارها يأتي مع متطلبات منظمة الصحة العالمية التي تهدف وتعمل على وضع الإجراءات الاحترازية للضرورة لمنع انتشار هذا الفيروس الخطير.
ويتطلب ذلك تطبيق معايير احترازية، من بينها التعليق المؤقت لتأشيرة دخول المملكة لأغراض العمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف، ذلك أن المسجد الحرام والمسجد النبوي يشهدان كثافة بشرية عالية دوما، وتزاحما واختلاطا يصعب تجنبه من خلال إجراءات الوقاية الأولية. لذا، فإن حصار المرض - كما تؤكده الشريعة الإسلامية السمحة والأخلاقيات الإنسانية المقبولة عموما - يتطلب مراقبة صارمة لزيارة هذه الأماكن المقدسة المزدحمة دوما حتى تنجلي خطورة هذا المرض، وأن المملكة بهذه الخطوة الاستباقية تسهم مع العالم في ذلك. وكما علقت المملكة تأشيرة العمرة والزيارة للمسجد النبوي، فقد علقت الدخول إليها لأغراض السياحة للقادمين من دول ثبت فيها انتشار فيروس كورونا الجديد، وفق المعايير التي تحددها الجهات الصحية المختصة في المملكة. وهذا يتطلب أيضا تعليق استخدام بطاقة الهوية الوطنية بين دول الخليج، التي لا تظهر فيها الدول التي تم السفر إليها، وكل ذلك دعما للإجراءات الدولية المتخذة للحد من انتشار الفيروس. فالمملكة تؤكد من خلال هذه الإجراءات أن أي إصابة بين الزائرين والمعتمرين، سيمثل تهديدا خطيرا على صحة المسلمين في هذه الأماكن المقدسة، ومكافحته حينذاك ستتطلب إجراءات صحية كثيرة تريد المملكة أن تتجنبها، انطلاقا من خبرتها في التعامل مع التجمعات البشرية، وإدارة الحشود.
والجميع يثمن هذا القرار الذي يمثل إجراء صحيحا، وسبق للمملكة أن اتخذت قرارات تعليق قدوم حجاج بعض الدول، ومنها الكونغو، نتيجة تفشي وباء إيبولا، كما أن هذا القرار يمثل اختيارا أخلاقيا ملزما للمحافظة على سلامة الناس جميعا، وقد قامت بعض الدول التي سجلت حالات إصابة بالفيروس بدراسة منع مواطنيها من الحج، ما يمثل تأكيدا على صحة الإجراء وتوقيته.

إنشرها