Author

دليل آخر لتقييم «الابتكار» في دول العالم

|

لعل أهم دليل لتقييم "الابتكار في دول العالم" هو "الدليل العالمي للابتكار Global Innovation Index: GII" الذي يصدر كل عام مع نهاية أشهر الصيف. ويتكون هذا الدليل من سبعة محاور تتضمن 80 مؤشرا تعطي تقييما إحصائيا لمختلف جوانب الحياة، بما في ذلك الجوانب الممكنة للابتكار من جهة، والجوانب ذات العلاقة بمخرجاته من جهة أخرى. وقد تحدثنا عن هذا الدليل في عدد من المقالات السابقة.
دليل الابتكار العالمي GII، ليس وحيدا في مجاله، فهناك دليل آخر مهم هو "دليل بلومبيرج للابتكار Bloomberg Innovation Index: BII"، حيث سمي بهذا الاسم، لأنه يصدر عن مؤسسة بلومبيرج، التي تملك مجلة "أسبوع الأعمال Business Week" الشهيرة. وهو يصدر كل عام أيضا، وكان آخر إصداراته في 18 كانون الثاني (يناير) 2020. ويتميز هذا الدليل بأنه اختار "سبعة مؤشرات وأدلة رئيسة فقط" عدها ممثلة للابتكار في دول العالم، حيث بات يستخدمها في تقييم "الابتكار في الدول"، إضافة إلى تصنيفها تبعا لهذا التقييم.
غاية هذا المقال هي عرض مكونات "دليل بلومبيرج" ومناقشة أثرها في الابتكار. ولعل أهمية الدليل تأتي ليست فقط من اختيار "المؤشرات والأدلة السبعة"، بل تأتي أيضا من جهات مرجعيتها ومصادر بياناتها، إضافة إلى توافر هذه البيانات لكثير من دول العالم. وتتضمن جهات المرجعية هذه: "منظمة العمل الدولية ILO؛ وصندوق النقد الدولي IMF؛ والبنك الدولي World Bank؛ ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD؛ والمنظمة العالمية لحقوق الملكية الفكرية WIPO؛ ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم UNESCO". ولتخصص كل من هذه المنظمات ارتباط بقضية "الابتكار".
قبل عرض مكونات الدليل، سنقسمها إلى مستويات تبعا للمسألة التي تطرحها. عند المستوى الأول، نجد دليلا فرعيا يختص بمسألة "تأهيل الإنسان". وعند المستوى الثاني، نجد مؤشرين اثنين يرتبطان بمسألة "البحث العلمي". أما عند المستوى الثالث، فتبرز مسألة "معطيات الإنسان" من خلال دليلين فرعيين. ونأتي إلى المستوى الرابع، حيث تقييم "المخرجات التقنية للشركات" عبر دليلين فرعيين أيضا. وهكذا نجد أن "دليل بلومبيرج" يرى مشهد الابتكار في الدول المختلفة على أنه حصيلة "تأهيل الإنسان" وإجراء "البحوث العلمية"، و"عطاء الإنسان"، إضافة إلى "المخرجات التقنية". وسنقدم فيما يلي "مؤشرات هذه المستويات وأدلتها الفرعية" في الدليل المطروح.
في مسألة "تأهيل الإنسان" في المستوى الأول، هناك الدليل الفرعي الذي أطلق عليه لقب "الكفاءة الثالثية Tertiary Efficiency". ويتضمن هذا الدليل مجموعة من المؤشرات التي تنظر في نسب أعداد طلاب وخريجي التعليم العالي إلى أعداد طلاب وخريجي التعليم الثانوي؛ كما تنظر أيضا في نسبة مختصي العلوم والهندسة بينهم؛ إضافة إلى نسب وجود هؤلاء المؤهلين في القوى العاملة. ويمثل هذا الدليل الفرعي "إعداد الإنسان" للابتكار من جهة، و"الاستفادة منه" في سوق العمل، أو "تمكينه" من جهة أخرى.
وننتقل إلى المستوى الثاني، لنطرح مسألة "البحث العلمي" المعبر عنها بمؤشرين اثنين. يحمل الأول اسم "كثافة البحث والتطوير R&D Intensity"، ويهتم "بالإنفاق على البحث العلمي" كنسبة من الناتج الإجمالي المحلي للدولة GDP"، وبالطبع لا يقتصر هذا الإنفاق على الجانب الحكومي، بل يتضمن أيضا إنفاق القطاع الخاص. أما المؤشر الثاني فيدعى "تركيز الباحثين Researcher Concentration"، ويهتم "بنسبة العاملين في البحث العلمي إلى عدد السكان"، وبين هؤلاء يأخذ المؤشر في الاعتبار طلاب الدراسات العليا في مرحلة درجة الدكتوراه.
ونأتي إلى المستوى الثالث، وهو مستوى "معطيات الإنسان" المرتبط بدليلين فرعيين. أول هذين الدليلين هو "نشاط براءات الاختراع Patent Activity"، ويختص بأعداد براءات الاختراع، ويشمل ذلك البراءات المطلوب تسجيلها، والبراءات الممنوحة، والبراءات المفعلة. ويتم أخذ هذه الأعداد نسبة إلى السكان أو إلى الناتج الإجمالي المحلي، كما يجري أخذ نمو هذه الأعداد خلال الأعوام السابقة في الاعتبار. أما الدليل الفرعي الثاني لهذا المستوى فهو "الإنتاجية Productivity"، ويهتم هذا الدليل بنسبة كل من الناتج الإجمالي المحلي، و"إجمالي الدخل القومي GNI" إلى أعداد العاملين؛ ويضاف إلى ذلك مدى تطور هذا الدليل خلال الأعوام السابقة.
ونصل إلى المستوى الرابع والأخير من مستويات دليل "بلومبيرج" للابتكار، وهو مستوى "المخرجات التقنية". لهذا المستوى كسابقه دليلان فرعيان أيضا. يرتبط الدليل الفرعي الأول "بالقيمة المضافة للتصنيع Manufacturing Value Added". ويعطي هذا الدليل حصيلة قيمة "مخرجات شركات التصنيع" على مدى عام، مطروحا منها قيمة "المدخلات الوسيطة". وتتضمن قيمة هذه المدخلات حصيلة قيمة السلع والخدمات المستخدمة في التصنيع، بما في ذلك: المواد الخام، والطاقة، وكل ما أسهم في الوصول إلى المخرجات. أما الدليل الثاني فيتعلق "بكثافة التقنية العاليةHi-Tech Density". ويشمل هذا الدليل عدد جميع شركات التقنية العالية المحلية نسبة إلى مجمل عدد الشركات المحلية؛ وكذلك كنسبة مشاركة في عدد شركات التقنية العالية على مستوى العالم. وتتضمن حقول التقنية العالية: تقنيات الطيران والدفاع؛ والتقنية الحيوية؛ والتقنيات الرقمية بما في ذلك الأجهزة المادية والوسائل البرمجية والمواد الأساسية المكونة لها وتطبيقاتها؛ والإنترنت وخدماتها؛ وتقنيات الطاقة المتجددة؛ وغير ذلك من تقنيات مهمة أخرى.
وهكذا نجد أن "دليل بلومبيرج" يرى "الابتكار في دول العالم" عبر مؤشرات وأدلة تلقي الضوء على عدد من المسائل البارزة ذات العلاقة بالابتكار؛ حيث تشمل هذه المسائل "تأهيل الإنسان، والبحث العلمي، ومعطيات الاختراع والإنتاج، إضافة إلى مخرجات التصنيع، خصوصا في مجال التقنيات العالية". ولا شك أن لجميع هذه المسائل تفاعلا مهما مع الابتكار، لكن المؤشرات المعتمدة في كل منها لا تدخل إلى أعماق "إطلاق المبتكرات"، وإنما تأخذ طريق الإحصائيات الأساسية في بعض الممكنات والمعطيات. وهذا الأمر ينطبق أيضا على "الدليل العالمي للابتكار GII". فجوهر الابتكار هو "تمكين الإنسان"، ليس بالتعليم التقليدي فقط، بل بالتعليم الذكي، والسعي إلى إطلاق المواهب وتعزيز شغفها بالعطاء والتجديد. وتأتي بعد ذلك العوامل الأخرى المعبر عنها "بالمؤشرات والأدلة الإحصائية والتوصيات المعيارية" للمؤسسات العالمية المختلفة التي تحدثنا عنها في مقالات عدة.

إنشرها