default Author

تباطؤ نشاط التجارة العالمية «1من 3»

|

إن جزءا من تباطؤ التجارة العالمية منذ اندلاع الأزمة مرتبط بعوامل هيكلية وليس بعوامل دورية، حدث لمعدلات نمو التجارة العالمية؟ فقد تباطأت على نحو غير متوقع عقب تعافيها في عام 2010 من انخفاض غير مسبوق خلال فترة الركود الكبير.
ولم يتجاوز معدل نمو النشاط التجاري 3 في المائة في عامي 2012 و2013، مقابل 7.1 في المائة في المتوسط في فترة ما قبل الأزمة "1987 ـ 2007". وهذه المرة الأولى على مدى ما يزيد على أربعة عقود التي يتباطأ فيها معدل النمو التجاري عن معدل نمو الاقتصاد العالمي. ويتساءل خبراء الاقتصاد عما إذا كان تباطؤ التجارة العالمية ظاهرة مرتبطة بالعوامل الدورية ستصحح مسارها تلقائيا بمرور الوقت، أم أنه يرتبط بعوامل أعمق أثرا وأطول أجلا "أي عوامل هيكلية" وعما تعنيه إجابة هذا السؤال بالنسبة لمستقبل التجارة العالمية ونمو الدخل.
يرى عديد من الخبراء الاقتصاديين أن تباطؤ التجارة العالمية ظاهرة دورية في الأغلب نشأت عن الأزمة التي شهدتها أوروبا في الأعوام الأخيرة. وهناك من الشواهد التجريبية ما يؤيد هذا الرأي. فالاتحاد الأوروبي يشكل ثلث إجمالي حجم التجارة العالمية تقريبا نظرا لأنه جرى العرف على حساب التجارة بين دول الاتحاد الأوروبي ضمن مجملات التجارة العالمية. وقد أدت الأزمة إلى تراجع الطلب على الواردات في جميع بلدان أوروبا، حيث انخفضت الواردات في منطقة اليورو، وهي مركز الأزمة، 1.1 في المائة خلال 2012، وزادت 0.3 في المائة فقط في عام 2013. ويفترض من هذا المنطلق أن يرتفع معدل نمو التجارة العالمية مجددا في حالة تعافي الاقتصادات الأوروبية.
غير أن العناصر الدورية مثل الأزمة الأوروبية ليست سوى جزء من الأسباب. فبالنظر إلى نسبة الواردات إلى إجمالي الناتج المحلي على مدى الأعوام العشرة الماضية، يتضح وجود عناصر أطول أجلا تسهم في تباطؤ التجارة في الوقت الحالي. فرغم استقرار نسبة الواردات إلى إجمالي الناتج المحلي في معظم الاقتصادات عقب الأزمة، يبدو أن ثبات أنصبة الواردات على هذا النحو في الصين والولايات المتحدة سبق وقوع الأزمة. فقد ظل حجم الواردات كنسبة من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في هاتين الدولتين ثابتا تقريبا منذ عام 2005. ويبدو أن هذا "الجمود الكبير" سبق فترة الركود الكبير، ما يشير إلى وجود عوامل أطول أجلا تسهم في تباطؤ التجارة العالمية.
وهذا الجمود المطول يعكس بالطبع عاملا أكثر عمقا، وهو التغير الهيكلي في العلاقة بين التجارة والدخل في الألفينيات مقارنة بتسعينيات القرن الماضي. وفي دراسة حديثة، قمنا بتحليل هذه العلاقة على مدى العقود الأربعة الماضية، وتوصلنا إلى أن تأثير الدخل في التجارة، أو ما يطلق عليه خبراء الاقتصاد مرونة الدخل للتجارة في الأجل الطويل، زاد بصورة ملحوظة في تسعينيات القرن الماضي وانخفض خلال الألفينيات إلى مستويات سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي. فخلال التسعينيات، ترتب على زيادة الدخل العالمي 1 في المائة ارتفاع في حجم التجارة العالمية 2.2 في المائة.
ولكن اتجاه معدل النمو التجاري نحو الارتفاع بما يزيد على ضعفي معدل نمو إجمالي الناتج المحلي انتهى مع بداية العقد الجديد. فخلال العقد الأول من الألفينيات، ترتب على زيادة الدخل العالمي 1 في المائة ارتفاع في حجم التجارة العالمية 1.3 في المائة فقط. وقد تأكد لنا عن طريق البحث حدوث تغير دال إحصائيا في علاقة التجارة بالدخل خلال تسعينيات القرن الماضي مقارنة بما قبل هذه الفترة وما بعدها. وتشير هذه النتائج إلى أن معدل النمو التجاري قد تباطأ منذ الأزمة المالية العالمية ليس بسبب تراجع نمو الدخل العالمي فحسب، ولكن أيضا لأن النشاط التجاري نفسه أصبح أقل تأثرا بنمو الدخل. وهكذا فإن أسباب التباطؤ التجاري تتجاوز العوامل الدورية التي تؤثر في نمو إجمالي الناتج المحلي العالمي. ويوضح بالفعل تحليل العناصر الطويلة والقصيرة الأجل المؤثرة في نمو التجارة أن تباطؤ التجارة العالمية في الوقت الحالي، وعلى عكس تدهور النشاط التجاري في عام 2009، مرتبط في أغلبه بعوامل هيكلية وليس بعوامل قصيرة الأجل... يتبع.

إنشرها