أخبار اقتصادية- عالمية

جرائم الإنترنت «وباء» يهدد الاقتصاد العالمي .. إيران وكوريا الشمالية مركزان للقرصنة

جرائم الإنترنت «وباء» يهدد الاقتصاد العالمي .. إيران وكوريا الشمالية مركزان للقرصنة

لا تزال "ثقافة الأمن الإلكتروني" ضعيفة أو غائبة لدى الأفراد وعديد من الشركات في عالمنا المعاصر، على الرغم من الخسائر الضخمة، التي بات الاقتصاد الدولي يتعرض لها أخيرا نتيجة جرائم الإنترنت الاقتصادية، التي ترى بعض التقارير والدراسات أنها استفحلت للحد، الذي جعل منها "وباء" عالميا.
لا يعد تعبير أو توصيف الجرائم الإلكترونية في العالم بالوباء توصيفا مبالغا فيه كما يعتقد بعضهم، ففي 2014 لم تتجاوز خسائر الاقتصاد العالمي من تلك الجرائم 445 مليار دولار، لتقفز إلى 600 مليار دولار في 2017، وفي العام التالي تجاوزت الخسائر تريليون دولار بزيادة نحو 50 في المائة، وتشير بعض التقديرات إلى أن تكلفة هذا النوع من الجرائم سيبلغ أربعة تريليونات دولار خلال 2020.
بطبيعة الحال، لا تعد تلك الأرقام محل اتفاق بين الجميع، وإنما تمثل الحد الأدنى لتكلفة تلك الجرائم، إذ تذهب دراسات حديثة إلى أرقام أعلى من ذلك بكثير، ففي دراسة حديثة لمجموعة هيرجافك الرائدة في مجال تقديم منتجات وخدمات الأمن السيبراني للمؤسسات، تؤكد أن تكلفة هذا النوع من الجرائم بلغت ثلاثة تريليونات دولار عام 2015 وتتوقع أن يبلغ ستة تريليونات دولار العام المقبل.
ويرجع تباين التقديرات من وجهة نظر الخبراء إلى أن 95 في المائة من جرائم الإنترنت لا يتم الإبلاغ عنها، وكثير من الشركات تتفادى إبلاغ السلطات بتعرضها لهذا النوع من الجرائم، حرصا على سمعتها وللإبقاء على عملائها.
كما أن قليلا من الأشخاص يبلغون عن تعرضهم للاحتيال الإلكتروني والابتزاز، إضافة إلى أن بعض جرائم الإنترنت لا يتم معرفة تكلفتها الحقيقية، إذ تدخل في نطاق "التجسس الاقتصادي".
ولكن سواء أخذنا بالحد الأدنى من التقديرات أو الحد الأعلى للتكلفة المالية لتلك الجرائم الإلكترونية، فإن تأثيرها السلبي في الاقتصاد العالمي متزايد.
وحول أسباب النمو المتواصل لتلك النوعية من الجرائم، يعتقد المهندس شارب جري، المختص في برامج مكافحة القرصنة، أن السبب الرئيس وراء الزيادة السريعة في جرائم القرصنة الإلكترونية يعود إلى اتساع نطاق التقدم التكنولوجي، وترافق ذلك من انخفاض تكلفة تصميم البرامج الإلكترونية، التي تيسر النشاط الإجرامي في الفضاء الإلكتروني.
ويضيف لـ"الاقتصادية"، أن "منطقة آسيا والمحيط الهادئ خسرت نحو 171 مليار دولار 2018 نتيجة جرائم الإنترنت، وإذا تعاملنا مع تكلفة الجرائم الإلكترونية على أنها ضريبة فستقدر بنحو 14 في المائة على النمو".
ويستدرك قائلا: "إضافة إلى التقدم التكنولوجي واتساع نطاق التجارة الإلكترونية، فإن تزايد أعداد مستخدمي الشبكة العنكبوتية، الذي قدر العام الماضي بنحو 57 في المائة من سكان الكرة الأرضية، وحاجة الشركات المتزايدة لتخزين البيانات الحساسة، مع الحاجة إلى مزيد من الإمكانات وموارد أكبر للحفاظ على أمنها، يجعل القرصنة الإلكترونية أكثر انتشارا وشراسة".
ويرجح عدد من الخبراء أن التقنيات المبتكرة والناشئة تشكل مخاطر جديدة أيضا، إذ تعتمد الشركات تقنيات جديدة بشكل أسرع مما يمكن تأمينه، ونتيجة لذلك يعد خرق البيانات أحد أسرع الجرائم نموا، التي تزيد من حيث الحجم والتكلفة والتطور وتشكل تهديدا كبيرا لكل من الشركات والأفراد.
إلا أن آدم سميث، الخبير الاستشاري السابق في قسم مكافحة جرائم الإنترنت في الإنتربول يعد أن الجرائم الإلكترونية ليست جرائم فردية، كما يعدها بعضهم، وإنما جرائم ذات طابع دولي تقع مسؤوليتها على دول محددة تهدف إلى ضرب النظام الاقتصادي العالمي، وإصابته بأكبر قدر من الخسائر المالية، وإحداث فوضى داخلية فيه.
ومن ثم يعتقد سميث أنه من الخطر النظر إليها بصفتها جرائم تقليدية في بيئة أكثر تطورا، وإنما يجب النظر إليها بصفتها جزءا من الحرب الشاملة التي تقوم بها بعض الدول ضد النظام العالمي.
ويشير لـ"الاقتصادية"، إلى أن بعض الدول باتت ملاذات آمنة لمجرمي الإنترنت، بل إن بعض أجهزتها الأمنية تتورط مباشرة في هذا النوع من الجرائم، وهذا ما يضفي صعوبة على مكافحة جرائم الإنترنت، لأن تلك الدول تمتلك خبرات فنية تفوق بكثير قدرات الشركات، التي تستهدفها.
ويؤكد سميث أن "دولا مثل كوريا الشمالية وإيران تعد مراكز رئيسة لقراصنة الإنترنت، الذين يستهدفون المؤسسات والشركات الاقتصادية الغربية، بينما الصين تركز أكثر على أنشطة التجسس الاقتصادي على الشركات الغربية لمعرفة آخر الابتكارات لتعزيز نشاطها الاقتصادي".
ويرى سميث أن إيران وكوريا الشمالية تحديدا مسؤولتان عن استهداف عديد من البنوك واختراق المؤسسات المالية كوسيلة للتغلب على النقص المتزايد لديهما في مجال العملات الدولية.
وتتطلب التكلفة الاقتصادية المتزايدة لجرائم الإنترنت والخسائر، التي تصيب بها الشركات المستهدفة، مزيدا من التنسيق الجماعي الدولي لمواجهة تلك الظاهرة، وإلى معايير أعلى وأساليب تنظيمية واسعة لتوفير الحماية المطلوبة للشركات.
إلا أن تعدد أنواع الجرائم الإلكترونية لا يعني أن لها ذات الأثر الاقتصادي، إذ تتفاوت الآثار الاقتصادية الضارة لها، وتعد الملكية الفكرية المسروقة، والسطو على معلومات العملاء السرية، والتلاعب المالي للشركات المتداولة في البورصة، أكثر جرائم الإنترنت تدميرا للاقتصاد، سواء على مستوى الشركات أو الاقتصاد الكلي.
ويعتقد الدكتور باتريك كوك، أستاذ أنظمة المعلومات في جامعة أكسفورد، أن خطورة الجرائم الإلكترونية لا تكمن فقط في حجم الخسائر المالية التي تسببها للشركات أو الأفراد أو حتى للنظام الاقتصادي ككل، وإنما من وجهة نظره تؤدي إلى إعاقة النظام الرأسمالي وحرمانه من أحد أبرز مميزاته وهي المنافسة الدائمة، التي تحميه من التآكل على الأمد الطويل.
ويضيف لـ"الاقتصادية"، أن "هناك مجالين للجريمة الإلكترونية يصعب قياسهما وهما سرقة بروتوكول الإنترنت، إضافة إلى ما بات يعرف بفقدان الفرصة نتيجة تضرر الشركات من جرائم الإنترنت، وهاتان الفئتان تؤثران بشدة في الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وبينما يكون لدى الشركات الدولية العملاقة قدرة أعلى على حماية أعمالها وعملائها، فإن الشركات الصغيرة والمتوسطة تفتقد إلى تلك القدرة، ما يجعلها دائما عرضة للخروج من السوق، ويؤدي ذلك على الأمد الطويل إلى تعزيز القيم الاحتكارية والانحياز للشركات الكبيرة، ما يؤثر في المنافسة على الأمد الطويل".
ويشير خبراء مكافحة الاحتيال الإلكتروني إلى أن بعض الهجمات، التي وقعت كلفت الاقتصاد الدولي المليارات وتسببت في أضرار اقتصادية ضخمة من أبرزها افتقاد المصداقية في تدابير الأمن والسلامة الإلكترونية في الشركات الكبرى.
ويوضح لـ"الاقتصادية"، دافنبورت فرايل، الخبير في تصميم برامج مكافحة الاحتيال الإلكتروني، أن فيروس "وانا كراي" يعد أخطر جريمة احتيال إلكتروني في التاريخ، منوها إلى أن "هذا الهجوم، الذي أصاب في عام 2017 نحو 400 ألف جهاز كمبيوتر في أكثر من 150 دولة، تسبب في خسائر مالية عالمية قدرها بعضهم بنحو أربعة مليارات دولار، معتمدا على استغلال نقاط ضعف في "مايكروسوفت" و"ويندوز"، وطلب القراصنة فدية تقدر بنحو 300 مليون دولار من عملة "بيتكوين" لفك تشفير الملفات، وتأثرت الكيانات الحكومية ووزارة الصحة والبنوك وشركات الطاقة وعديد من الشركات العالمية بهذا الهجوم.
ويضيف فرايل، أن خطورة هذا الهجوم تكمن في أنه لم يتم التوصل إلى الفاعلين الرئيسين ومن يقف خلفه، وهو ما عزز فكرة أن عمليات الاحتيال الإلكتروني تتخطى بكثير قدرة الأشخاص ليقف وراءها دول مارقة على النظام الدولي ترمي لتحطيمه.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية